من المحتمل أن يكون أصل هذا الإفراط في الاعتذار عائدٌ إلى فترة الطفولة، أو ربما تنشأ المبالغة في الاعتذار كنتيجة لرغبة صادقة في إظهار الاحترام، و لكن هل لذلك علاقة سلبية باحترام الذات؟
هل تبدو المواقف التالية مألوفةً بالنسبة إليك؟
- تستهلّ عادةً الرسائل الإلكترونية التي تبعثها لمديرك بقول "أعتذر على إزعاجك، لكن ..."
- يضع أحد زملائك في العمل أوراقه فوق منضدة الاجتماعات بقوة تجعل قهوتك تسقط. فتقول له بينما تشرع في تنظيف الفوضى الحادثة "آسف! دعني أُبعد هذه الأشياء عن طريقك".
إذا كانت إجابتك نعم، فإنك على الأرجح قد وقعت في مأزق المبالغة في الاعتذار، حيث تجد نفسك كثيراً ما تقول "أنا آسف" لأشياءٍ لا تستحق أية اعتذارات في الأساس.
إن هذا التصرف ينم عن عادة شديدة السوء والتي قد تصبح رد فعل لا إرادي فيما بعد. بيد أن هذا السلوك من الدفاع عن الذات قد لا يكون مرهقاً لك وحدك، بل أيضاً لكل المحيطين بك من زملائك، ورئيسك في العمل، وأسرتك.
لماذا نعتذر أكثر من اللازم؟
من المحتمل أن أصل هذا الإفراط في الاعتذارات يعود إلى فترة الطفولة. الكثير من النساء (والرجال!) تعلموا التمسك بالقيم المهذبة. لقد طُبع في نفوسنا أنه لكي نكون محبوبين لابد أن نكون شديدي اللطف.
قد تنشأ المبالغة في الاعتذار نتيجةً لرغبة صادقة في إظهار الاحترام. غير أنها يمكن أن تصير معضلةً عندما نتعامل مع آراء الآخرين وردود أفعالهم بمراعاةٍ فائقة عن الحد.
فالعادات القديمة تموت بصعوبة، ومن سوء الحظ أن هذه المحاولات الطيبة من جهتنا لإظهار المراعاة والاحترام للآخرين قد تدمرنا لسنواتٍ قادمة.
و جديرٌ بالذكر هنا، أن هذا الميل إلى المبالغة في الاعتذار قد ينشأ عن نفور الفرد من الصراعات والخلافات.
إذ أن الاعتذار في بعض الأحيان قد يكون وسيلةً خاطئة لادعاء الفرد تحمل المسؤولية من أجل حل مشكلةٍ ما - أو نشر السلام الوقائي - أو الالتزام بالأساليب - بغض النظر عما إذا كان الفرد يستحق فعلاً تلقّي اللوم أم لا.
و من المُرجّح أن تؤثر كثرة الاعتذارات تأثيراً سلبياً على مهنتك، بدءاً من الظهور بمظهر ينم عن النقص أو عدم الكفاءة، إلى إزعاج زملائك ورؤسائك بأسلوب الانتقاص من الذات الذي تتبعه.
بيد أن أكبر الآثار السلبية الكارثية والمستمرة الناتجة عن المبالغة في الاعتذار هي أنها تفسد نظرتك لنفسك بمرور الوقت.
خمسة أمور تفسد بها، المبالغة في الاعتذار مسيرتك المهنية
- انعدام الثقة والشك الذاتي
مثلاً: اعتذارك بسبب مجيئك لمكتب المدير لحضور اجتماعٍ قد تقرر موعده مسبقاً ("أنا آسف للمقاطعة. هل الوقت مناسب للدردشة قليلاً؟") إن هذا القول ليس فقط غير ضروريّ (مديرك وافق على اقتطاع هذا الوقت، أليس كذلك؟)، بل على الأرجح سينقل إليه شعوراً بنقص الثقة كذلك.
- النفاق
عندما يستمر شخصٌ ما في الكذب عليك، فإنك تتوقف عن تصديق ما يقوله هذا الشخص. إن قناعه يسقط بالتأكيد.
و تتماثل هذه الحال مع القول المستمر لكلمة "أنا آسف". فالاعتذارات غير المبررة لا تكتفي بإفساد حديثك والانتقاص من وضوح الرسالة المنوط بك توصليها فقط، وإنما تضعف أيضاً من قوة عباراتك إلى الحد الذي يجعلها تظهر بمظهر الخداع والرياء.
- الضعف
إذا كنت الشخص الوحيد الذي يستمر في الاعتذار دوماً فمن شأن ذلك أن يدل على اختلال قوتك، الأمر الذي بوسعه أن يُضعف علاقاتك وينتقص من احترامك لذاتك.
و في هذا الموقف تواجه النساء المعضلات مزدوجة الصعوبة: إن المديرات الإناث اللواتي يبالغن في الاعتذار قد يتم اعتبارهن شديدات الحياء ويتم التغاضي عنهن أثناء الترقيات بسبب الشك في امتلاكهن للمهارات القيادية.
وفي الوقت ذاته قد يتم انتقادهن ووصفهن بالعنف و العداونية، إذا كُنَّ مستقيمات في العمل.
- السعي للحصول على تأييد خارجي
من المحتمل أن يكون الاعتذار وسيلةً لا شعورية يقصد بها الفرد السعي إلى نيل التشجيع أو إعادة الثقة بنفسه. فعندما تقول "أنا آسف"، فهل تأمل أن يرد زميلك بقوله "لا شيء يستوجب الاعتذار" أو "ياللهول، كم كنتَ مذهلاً في ذلك العرض؟"
- ساوم على قدراتك الاحترافية
إن القيادة تتطلب وجود دعم قوي. فينبغي أن تعلم علم اليقين الأشياء التي تدعمها وترتكز عليها. و على صعيدٍ آخرٍ تميل المبالغة في الاعتذار إلى التركيز على اعتقادات الآخرين فيما يتعلق بالصواب والخطأ عوضاً عن اعتقاداتك الشخصية.
و عندما يستمر هذا السلوك في الحدوث، فإن اعتقاداتك وقيمك الشخصية - والتي تشكل نصيباً بالغ الأهمية من هويتك - تخضع للإساءة والخيانة.
و بدون إدراك واضح لمهام وظيفتك الشخصية، يُحتمل أن تضل مسيرتك المهنية سريعاً.
هل يبدو أيّ من هذا مألوفاً لك؟ إذا كان كذلك، فمن المُرجّح أن هذا ليس ما ترغب أن تصادفه ضمن بيئة العمل، كما أنه ليس انعكاساً دقيقاً لشخصيتك الحقيقية. والآن حان الوقت لاستعادة ثقتك أثناء العمل والتوقف عن اتخاذ الاعتذار ركيزة دائمة.
كيف تتوقف عن قول "أنا آسف" أكثر من اللازم: ثلاث خطوات يجب اتباعها
1 - فكّر في احتمالية تأثير طفولتك أو نشأتك المبكرة على ميلك اللاشعوري للمبالغة في الاعتذار.
كلما فهمت مدى احتمالية تأثير نشأتك المبكرة على سلوكك الحالي بصورةٍ أفضل، كلما تحليت بالقوة للتغيير.
فكّر بعمقٍ في إجابات بعض الأسئلة مثل:
- ما أول رد فعلٍ تبديه عندما يقول لك أحدهم "لا"؟
- هل كان دعمك لذاتك بدون انتظاره من الآخرين سلوكاً خارجاً عن الحدود في عائلتك؟ أم كانوا يحثونك عليه؟
- هل كان من المقبول في عائلتك - عندما كنت صغيراً- التحدث عن نفسك وإعلان آرائك؟
- ما هي التجارب الأساسية الأخرى التي شكّلت منظورك فيما يتعلق بدعم الذات واحترام السلطة، وتحديداً في بيئة العمل؟
2 - بعد ذلك. راجع جيداً السياقات التي تندفع فيها اعتذاراتك المفرطة.
ابدأ بتحديد الأشياء التي تُفاقم من هذا السلوك مثل: أشخاص بعينهم، سياقات أو ظروف محددة، حالات مزاجية، أو أوقات معينة من اليوم. و انتبه جيداً ما إذا كان هذا الميل إلى المبالغة في الاعتذار يظهر مع بعضٍ من زملاء العمل أكثر من غيرهم. فعلى سبيل المثال، ذاك العميل المتغطرس الذي يطالب دوماً بمواعيد نهائية مستحيلة لتسليم العمل والذي قد يسبب لك توتراً هائلاً.
3 - ابدأ في استبدال الاعتذارات غير المبررة بعبارات دقيقة لإيضاح آرائك
على الأرجح سيكون ذلك صعباً في البداية. إنني كثيراً ما أنبّه العملاء الذين أعمل معهم بأنه لا عيب في طلب فرصة ثانية، وبخاصةٍ مع العائلة والأصدقاء.
و على سبيل المثال، إذا رغبت في إلغاء خططك مع أحد الأصدقاء ووجدت نفسك تعتذر بشكلٍ عفوي، فأكبح زمام نفسك،
وعوضاً عن ذلك قل: "إنك تعلم، ما أردت أن أقوله حقاً هو ... شكراً لتفهمك. هذا الأسبوع غير طبيعي ومزدحم بعدد هائل من المواعيد النهائية وأنا حقاً أقدر مرونتك."
انتهى. والآن، ألا يبدو هذا أفضل من التلفظ بقول "آسف، آسف، أنا الأسوأ، إني أعلم ذلك؟"
أما على المدى الطويل، فإن التعود على الاعتذار كما لو كان جزءاً من وظيفتك بوسعه أن يضر مسيرتك المهنية أكثر من أن يفيدها.
وسواءً أكان هذا السلوك عن قصد أم لا؛ فاعلم أن الإفراط في الاعتذار ينقل صورة سلبية عنك للعملاء ولزملائك ورؤسائك - الأمر الذي قد يجعل رغبتك في الحصول على الدعم والتأييد تتجاوز احترامك لذاتك.
أما إذا تحدثت بوضوحٍ واستقامة أكبر، فبوسع ذلك إظهار مهاراتك وتزويدك بقدر أكبر من الثقة خلال مسيرتك.