إنني عاشقةٌ للنوم. أحب الذهاب للنوم كل ليلة في ذات الميعاد والاستمتاع بليلة كاملة من النوم.
أخاطب زوجي قائلةً: احرمني من ساعة واحدة فقط من النوم الهانئ، وسترى كيف ستنقلب الأمور للأسوأ.
و بقلة نومي أصبحت صحبتي سيئة – فأنا حادة وسريعة الغضب، وبالكاد أتمكن من متابعة محادثاتي، ناهيك عن التفاوض بشأن الأزمات الصعبة.
فمن الجليّ أن النوم له أهميةٌ كبيرة على صحتنا، ويساعد أجسامنا على القيام بوظائفها على الطريقة المثلى. وهو أيضاً مفتاحٌ أساسي لإنتاجيتنا، و يعيننا على البقاء منتعشين ومنتبهين اليوم التالي.
و لكن هل يؤثر الحصول على قسطٍ ممتع من النوم الليلي على علاقاتنا أيضاً؟
تشير بعض الأبحاث الحديثة نسبياً - بالإضافة إلى تجاربي الشخصية- إلى التأثير الإيجابي للنوم على العلاقات الاجتماعية.
و بالتأكيد فإن معرفتنا عن الرابط بين كلٍ من النوم، و الدماغ، وعلاقاتنا الاجتماعية، ستقدم لنا سبباً آخر للحفاظ على نومنا.
يساعدنا النوم على التقرب من الآخرين وتجنب الشعور بالوحدة
عُرف طويلاً أن الوحدة ترتبط بقلة النوم. و لكن هل العكس صحيح أيضاً؟
هل يمكن لقلة النوم أن تؤدي إلى الوحدة؟
في دراسةٍ حديثة، قام العلماء بتصوير أدمغة الناس بعد خضوعهم لنومٍ طبيعي أو بعد ليلةٍ من الحرمان من النوم ليروا كيفية تفاعلهم مع الغرباء.
و طُلب من المشاركين بالدراسة أن يشاهدوا مقاطع لشخصٍ غريب يقترب منهم من مسافة بعيدة ومن ثمَّ يقوموا بالضغط على زرٍ ما عندما يشعرون أن الشخص الغريب يقترب أكثر من اللازم، بينما كان الباحثون يراقبون ما يحدث في أدمغة المشاركين.
عندما عاني المشاركون من نومٍ غير طبيعي، وُجد أنهم يرغبون من الشخص الغريب أن يتوقف عند مسافة أبعد كثيراً مقارنةً بردود فعلهم بعد ليلةٍ من النوم الطبيعي الهانئ، كما أظهرت أدمغتهم نمطاً محدداً: توهجت الدوائر الكهربية المرتبطة بالنفور الاجتماعي بصورةٍ أقوى، بينما ضعُفت الدوائر الكهربية المسؤولة عن نظرية العقل - وهي قدرتنا على تبيان نوايا الآخرين.
و انطلاقاً من ذلك استنتج العلماء أن "قلة النوم تدفع بالأشخاص لأن يصبحوا أكثر انطوائيةً، واضعين مسافاتٍ اجتماعية كبيرة بينهم وبين الآخرين."
كما أُعلن أن المشاركين الذين حُرموا من نومٍ هانئ عبروا عن تعمق شعورهم بالوحدة. وعندما عُرضت مقاطعهم المُصورة على مقيّمين مستقلين لتحليلها، و اعتقد المقيّمون أنهم بدوا أكثر وحدة وأقل اهتماماً بالتواصل مع الآخرين.
يساعدنا النوم على التعاطف مع الآخرين
إن شعور التعاطف يعني القدرة على الشعور بما يشعر به الآخرين. مما يعني أنه إذا كانت صديقتي تشعر بالحزن، فإن صدى حزنها يرن في أذنيّ أيضاً، مما يساعدني على الاهتمام بحالتها.
غير أنه عند حرماننا من التمتع بقسطٍ طبيعي من النوم، فإن الأجزاء الدماغية المخصصة للشعور بالتعاطف لا تعمل بكفاءتها المعتادة، بحسب ما تقوله إحدى الدراسات الحديثة.
و أثناء الدراسة، خضع مشاركون من طلبة الجامعات لمراقبة جودة نومهم على مدار أسبوعين وبعدها طُلب منهم أداء مهمةٍ ما بينما تخضع أدمغتهم للتصوير.
و قد تضمنت المهمة عرض بعض الصور لأشخاص ذوي تعابير وجهية مختلفة - بعضها طبيعي، وبعضها حزين.
و كان قد طُلب من المشاركين أن يلاحظوا مدى اهتمامهم بالأشخاص الموضحين في الصور، وقام الباحثون بقياس الاختلافات بين استجابة المشاركين للأشخاص التعساء وغير التعساء ليحصلوا على مقياسٍ للتعاطف.
كما سجّل العلماء أنماط أنشطة أدمغتهم أثناء رؤيتهم للصور المختلفة، ليروا كيف يمكن أن يرتبط ذلك بشعورهم بالتعاطف.
فأولئك الذين أبلغوا عن نوم أفضل كانوا أكثر تعاطفاً بدرجةٍ كبيرة تجاه الأشخاص التعساء، وأظهروا نشاطاً متزايداً في الأجزاء الدماغية المرتبطة بشعور التعاطف عند مشاهدة هؤلاء الأشخاص.
و هنالك -أيضاً -اكتشافٌ أعلن عنه يدعم البحث السابق، إذ ربما يساعدنا على تفسير السبب وراء قراءتنا لمشاعر الناس بدقةٍ أكبر، والتعاطف بصورةٍ أفضل في النزاعات العاطفية، عندما ننال قسطاً جيداً من النوم.
يعيننا النوم على أن نكون أقل غضباً وعدوانيةً
لا ريب أن قلة النوم تجعل الفرد سريع الغضب. لكن هل بوسعها أن تجعلك أكثر غضباً وأشد عدوانيةً؟
نعم... بحسب ما تقترحه إحدى الدراسات الحديثة. حيث طُلب من المشاركين الذين كُلفوا بشكل عشوائي بالحفاظ على نومهم أو تقليله على مدار يومين القيام بمهمة صعبة أثناء الاستماع إلى ضوضاء شديدة الإزعاج، تهدف إلى إثارة غضبتهم.
فقد أصبح أولئك الذين قللوا نومهم أكثر غضباً أثناء المهمة، و لم يتأقلموا جيداً مع الضوضاء - بمعنى أنهم لم يتوقفوا عن الشعور بشدة الانزعاج مع مرور الوقت - مقارنة بأولئك الذين كانوا ينامون بشكل طبيعي.
و على الرغم من أن التجارب لم تؤكد أن قلة النوم تسبب العدوان، إلا أن الأشخاص الذين يعلنون عن اضطراب النوم يميلون إلى أن يكونوا أكثر عدوانية وعنفاً.
كما أن النساء اللواتي يتعرضون لنومٍ سيء يكنُّ عادةً أكثر عدوانيةً تجاه شركائهن. و وجدت إحدى الدراسات أيضاً أن الأطفال الذين وقعوا ضحية لأقرانهم في المدرسة غالباً ما يصبحون متنمرين لاحقاً إذا كانت لديهم مشاكل في النوم.
ووفقاً لإحدى الورقات البحثية؛ فإن الكثير من عوامل الخطر المتعلقة بإظهار العدوانية تتفاقم بسبب قلة النوم. فعلى سبيل المثال، تصبح قدرتنا على التخلص من الاضطرابات العاطفية أكثر عرضةً للخطر عندما لا نحصل على قسط كافٍ من النوم.
و هذا يعني أن غضبنا يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة، مما يجعلنا أكثر عرضة لإلقاء اللوم على الآخرين واستهدافهم.
و بالإضافة إلى ذلك، تجعلنا قلة النوم أقل قدرة على استخدام وسائل مثل إعادة التقييم - وهو التفكير في الأحداث المزعجة من منظور أكثر حيادية وتسامحاً- كوسيلة للحد من الغضب والعدوان، وفقاً لإحدى الدراسات الموثوقة.
فقد نعاني من عيوب أخرى في الإدراك، مثل فرط اليقظة للخطر، أو مواجهة صعوبات في اتخاذ القرارات، الأمر الذي قد يؤثر على رؤيتنا للمحيطين بنا كمصادر للتهديد. كما تكون ردود أفعالنا على التهديدات أكثر حدة عندما لا نحصل على قسط كافٍ من النوم.
و من الجليّ أن عدم القدرة على التحكم في مستوى عدوانيتنا سيكون بمثابة حجر عثرةٍ في علاقاتنا. بينما يتيح لنا النوم بشكل أفضل الحصول على المزيد من ضبط النفس، مما يعني أنه سيكون من غير المرجح أن نهاجم الآخرين حتى لو استفزونا.
النوم قد يساعدنا على أن نكون أقل تحاملاً على الآخرين
هل يؤثر النوم على مستوى تحاملنا وتحيّزنا؟
قد يبدو هذا بعيد المنال، ولكن عندما تفكر في العمليات العقلية المرتبطة بالتفاعل مع من يختلفون عنا - وكيف تتأثر هذه العمليات بدورها بنقص النوم - سيبدو الأمر أكثر منطقية.
و لا ريب أن كونك أكثر استعداداً للتقرب من الآخرين، أو أكثر تعاطفاً، أو أقل عرضةً للغضب، قد يكون لهم جميعاً تأثيرٌ على درجة تحاملنا وتحيّزنا.
و في النهاية، تم الربط بين جميع هذه العوامل وبين المستويات الأقل من التمييز والتحيّز في دراساتٍ أخرى.
و بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث إلى أننا نكون أقل عرضةً للشعور بالرفض عندما نحصل على نومٍ أفضل. و هذا يعني أننا إذا كنا نتخوّف من أن الآخرين قد لا يحبوننا - وهي مشكلة شائعة في المجموعات المتفاعلة مع بعضها - فقد نكون أقل عرضة للشعور بالرفض في حال عدم وجوده من الأساس، طالما حصلنا على قسط كافٍ من النوم.
فالنوم بشكل أفضل يجعلنا أقل عزماً على قولبة الآخرين وإخضاعهم لتصوراتٍ مسبقة، بينما لقلة النوم أثرٌ عكسي - خاصة إذا كان لدينا بالفعل تحيزات سلبية ضمنية قوية تجاه مجموعات اجتماعية معينة.
و ربما يكون هذا هو السبب في أن الأبحاث أظهرت أن "الأشخاص الصباحيين" يتقيدون بالتفكير النمطي في الليل أكثر عندما يكونون مرهقين، في حين أن العكس هو الصحيح بالنسبة للأشخاص الليلين".