لماذا يشعر بعض الناس بالغضب و يصبحون كالوحوش الهائجة عندما يشعرون بـ الجوع؟
تساعدنا ميغان هيس Megan Hess، المسؤولة عن وسائل التواصل الاجتماعي في إحدى المؤسسات غير الربحية بولاية بنسلفانيا، في الإجابة عن هذا السؤال، وتحدثنا قائلةً: "إنني شخصية مرحة في معظم الأحيان، ولكن عندما يهاجمني الجوع لا يكون باستطاعتي التعامل مع حماقة أي شخص".
و تستطيع ميغان Megan معرفة متى يهاجمها الجوع في أي وقت.
و هي تتبع أسلوباً كارثياً في تناول الطعام حيث تأكل كميات صغيرة و سريعة من الطعام على فتراتٍ متقطعة عوضاً عن تناول وجبات كاملة في مواعيد ثابتة.
و تضيف ميغان بأنها ومديرها مازالا يتبادلان النكات حول اليوم الذي صوّرت فيه عن طريق الخطأ حدثاً كاملاً بشكلٍ معكوس بعد أن وجدت نفسها جائعة، و ليس بحوزتها أي وجبة خفيفة لمساعدتها.
و تضيف ميغان: "إنه و على الرغم من أن بقاء معدتي ممتلئة ليس من مهام وظيفتي، إلا أنني أشعر أنها يجب أن تكون إحدى المهام".
الجوع و المشاعر التي ترافقه
إن الشعور بالغضب عند الجوع هو انعكاس لمدى إدراك الشخص لحالة جسمه الداخلية
و مما لاشك فيه أننا نشعر جميعاً بالجوع في بعض الأوقات، كما أننا نغضب لذلك أحياناً، و لكن ليس كل الأشخاص معرضين للشعور بالجوع بنفس الدرجة.
فالغضب الناجم عن الجوع هو إحساس جسدي بالجوع مصحوب ببعض المشاعر السلبية مثل الغضب أو الإحباط.
و غالباً ما يقول المعرضون لهذه الحالة أنهم يشعرون بالغضب عندما يهاجمهم الجوع.
و تفيدنا جينيفر ماكورماك Jennifer MacCormack ، و المرشحة لنيل درجة الدكتوراة في علم النفس الاجتماعي من جامعة نورث كارولينا University of North Carolina في تشابل هيل( Chapel Hill (UNC، تفيدنا بأن الشعور بالغضب عند الجوع هو انعكاس لمدى إدراك الشخص لحالة جسمه الداخلية (interoception) - أي قدرة الفرد على الشعور بالأشياء التي تحدث في جسمه – والبيئة المحيطة بالشخص الجائع.
و قد قامت ماكورماك بمساعدة مستشارتها كريستين ليندكويست Kristen Lindquist ، الأستاذ المساعد في قسم علم النفس و علم الأعصاب بجامعة نورث كارولينا، بإجراء ثلاث تجارب لدراسة العلاقة بين الجوع و العاطفة.
و نُشرت النتائج في ورقة بحثية عام 2018 في مجلة العاطفة Emotion. و طُلب من بعض الأشخاص في أثناء الدراسة، مشاهدة مجموعة من الصور المحايدة وتقييم شعورهم نحوها، ثم تقييم مستويات الجوع لديهم.
و قد وُجد أن الجياع يقيّمون الصور بشكل سلبي فقط عندما يسبقها على الفور صورة مزعجة و مثيرة للعاطفة – و لتكن صورة لكلب متوحش مثلاً. بينما لا ينتج عن الصور الإيجابية المثيرة للعاطفة نفس التأثير لدى الأشخاص الجياع،
و لم يكن للصور السلبية أي تأثير يذكر على تقييم الأشخاص الذين لا يشعرون بالجوع.
و تشير هذه النتائج بالنسبة إلى الباحثتين ماكورماك و ليندكويست ، إلى أن الجوع هو مجرد تعبير عن مشاعر الأشخاص عندما ينشأ في سياق بيئي سلبي.
و بعبارة أخرى، من المرجح أن يصبح الجوع أكثر مدعاةً لإثارة الغضب عندما يشعر به الفرد خلال ازدحام مروري منه عندما يكون موجوداً أثناء تجمع مع الأصدقاء.
إن السبب وراء ذلك ليس واضحاً تماماً
لكن ماكورماك تخبرنا أن الأمر قد يكون له علاقة بحقيقة أن نفس أجزاء الدماغ و هي - القشرة الحزامية الأمامية anterior cingulate cortex ، و الفص الجزيري insula ، و اللوزة الدماغية amygdala - يتم تنشيطها في حالات الشعور بالجوع كما في حالات الانفعال الشديد مثل الغضب.
و تأمل ماكورماك في أن تساعد دراسات التصوير العصبي العلماء على فهم الأسس البيولوجية للعلاقة بين الجوع و العاطفة بشكل أفضل.
من الملفت للنظر أنه ليس كل الجائعين معرضين للشعور بالغضب الناجم عن الجوع. و ذلك لأن بعض الناس بوسعهم ملاحظة إشارات الجوع في أجسامهم أكثر من الآخرين.
إذ يمكن لأولئك الذين يستشعرون الحالة الداخلية لأجسامهم و الذين يدركون إشارات الجوع المبكرة أن يتعاملوا معها قبل أن يصبح الجوع فتّاكاً.
و تُعد ماكورماك -نفسها- كأفضل مثال على العلاقة بين الوعي بالحالة الداخلية للجسم و الغضب الناجم عن الجوع،
إذ تقول: "لا أتمتع بإدراك كبير للحالة الداخلية لجسمي، كما أنني غالباً لا أدرك أنني جائعة حتى أعاني من "انخفاض سكر الدم – وهو أحد الآثار الفيزيولوجية الهامة للجوع"، مصحوباً بفرط التهيج والتأثر.
و تشير الأبحاث إلى أن الاختلافات الفردية في الوعي بالحالة الداخلية للجسم تعد مزيجاً من الطبيعة وعوامل التربية.
حيث وجدت دراسة أجريت على 300 توأم متطابق أن الجينات ساهمت في 37% من الوعي بالحالة الداخلية لجسم الشخص، مما يشير إلى أن العوامل البيئية والشخصية الأخرى تلعب دوراً كبيراً في الأمر.
اليقظة الذهنية mindfulness هي أحد أهم العوامل
في دراسة أجريت على مرضى السكري من النوع الثاني Type 2 diabetes ، وُجد أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من اليقظة الذهنية أكثر دقة في تقدير مستويات السكر في الدم لديهم،
و أظهر التحليل البعدي الأخير (meta-analysis) وجود علاقة صغيرة. و لكن قابلة للقياس بين ممارسة تأمل اليقظة mindfulness meditation practice و زيادة الوعي بالحالة الداخلية للجسم.
كما يتمتع الرياضيون أيضاً بمستويات أعلى من هذا الوعي، ربما لأن مضاعفة أدائهم تعتمد على قدرتهم على التمييز بين فرط الإجهاد و الإصابة (الأذى).
نشعر جميعاً بالجوع في بعض الأوقات، و نغضب لذلك أحياناً، و لكن ليس كل الأشخاص معرضين للشعور بالجوع بنفس الدرجة.
أما إذا حدث اضطراب في أنماط الطعام فمن شأن ذلك أن يتجاوز العلاقة بين الجوع و السياق البيئي، مؤدياً إلى ضعف الوعي بالحالة الداخلية للجسم.
و تقول ماكورماك : " يحدث للأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية مزمنة تغير تام في الطريقة التي يعبر بها الجسم عن الشعور بالجوع من الناحية الفيزيولوجية والنفسية".
و عندما يُضحي الشعور بالجوع انتصاراً، فإن تعلم تفسير هذا الشعور كحافز لتناول الطعام يتطلب جهداً مستمراً.
و غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون بالسمنة من انخفاض الوعي بالحالة الداخلية للجسم، و ذلك على الرغم من أن حقيقة أيهما يسبب الآخر ما تزال غير واضحة لـ ماكورماك .
إذ تقول: "يذكرني هذا بسؤال الدجاجة و البيضة، أيهما جاء أولاً "، ففي حين أن ضعف الوعي بالحالة الداخلية للجسم يمكن أن يؤدي إلى تجاهل إشارات الشبع و من ثمَّ الإفراط في تناول الطعام، إلا أنه من الجائز أيضاً أن يؤدي الإفراط في تناول الطعام إلى تغيير طريقة إرسال إشارات الشبع أو فهمها.
و لا تزال الأسئلة أكثر من الإجابات حول الأسس الفيزيولوجية للغضب الناجم عن الجوع.
كما أننا لا نعرف ما يكفي حول كيفية تفاعل الجوع و الوعي بالحالة الداخلية للجسم للإدلاء ببيانات قاطعة حول الاختلافات الجنسية، و ذلك على حد قول ماكورماك، و لم يحدد العلماء بعد التوقيع الجيني للغضب الناجم عن الجوع.
غير أن مجموعة من الدراسات الناشئة تشير إلى أن الاختلافات الفردية في هرمون الجوع (غريلين ghrelin) وغيرها من الهرمونات المحفزة للشهية قد ترتبط أيضاً بالاختلافات الفردية في توقيت وحدّة الجوع.
يبدو أن الأشخاص المصابين بالنحافة و الذين يعانون من ضغوطات اجتماعية مثل العزلة و الخلافات الشخصية و قلة التفاعل الاجتماعي لديهم إفرازات أعلى من (الغريلين).
و للعلم فإن الغريلين، يتغيّر بشكل طبيعي طوال اليوم، و يبلغ ذروته في منتصف الصباح لدى معظم الأشخاص في حالة عدم تناولهم لوجبة الإفطار.
و ما تزال العلاقة بين الهرمونات التناسلية الأنثوية و(الغريلين) غير واضحة، و ذلك على الرغم من أن ماكورماك تقول أن بعض الدراسات التي أُجريت على القوارض تشير إلى وجود علاقة بين الاثنين.
و لا يبدو أن ميل هيس إلى الشعور بالغضب نتيجة الجوع اختلف كثيراً على مدار حياتها؛ فبحسب ما تخبرنا به أنها كانت على الدوام تعاني من نفس الحالة، وهي تشبه والدتها في هذا الشأن.
وتقول: "حتى اليوم، عندما أذهب إلى الكنيسة، احتفظ داخل حقيبتي ببعض الطعام لتناوله خلال الخطبة إذا شعرتُ بالجوع". كما تكيفت هيس مع احتياجات جسدها، حيث تعودت على إخفاء الوجبات الخفيفة داخل حقيبتها أو في مكتبها أثناء العمل.
و في النهاية..
تقول ماكورماك: " إن معرفة أنك عرضة للشعور بالغضب نتيجة الجوع يمكن أن يساعدك على تجنبه ".
و توصينا بتجنب الجوع تماماً من خلال تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات أو الطاقة طويلة الأمد بانتظام، وتعيين منبه في الهاتف إذا وجدنا أنفسنا ننسى تناول الطعام.
و تضيف: "عندما يهاجمك الجوع، تناول الطعام في أقرب وقت ممكن، وابحث عن طرق لنشر الإيجابية في محيطك من خلال الاستماع إلى الموسيقى المفضلة لديك أو التدوين الصوتي أو قضاء بعض الوقت في التمدد والتنفس بعمق".
و تختتم ماكورماك حديثها بقولها : " إننا نستطيع تغيير سلوكنا إذا تعلمنا أن نلاحظ كيف يؤثر الجوع على ردود أفعالنا الشخصية ". و توضح قائلةً:
"يمكن أن يكون هذا الوعي مفيداً أيضاً في العلاقات، ليس كذريعة للسلوك السيء، و إنما كمحاولة للاعتذار، أو تمييز الفرق بين قوة ما نشعر به حيال الآخرين مقارنةً بما نشعر به حيال الجوع".
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
كيف ينشأ الغضب ؟ و كيف تسيطر عليه؟