يعرف مرض باركنسون على أنه اضطراب تدريجي مزمن. و تميل خصائصه إلى أن تشمل الاهتزاز و التصلب و بطء الحركة و ضعف التوازن.
و في مقالنا نعرض دراسة جديدة تقدم الأدلة الإضافية إلى أن المناعة الذاتية تلعب دوراً في تطور مرض باركنسون Parkinson’s disease . كما يقدم البحث الأمل في أن العلاج الوقائي المبكر يمكن أن يعوض الضرر الحاصل .
و كأرقام فإنه يوجد هناك ما يقرب من مليون شخص في الولايات المتحدة و 10 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من هذا المرض.
و ينشأ مرض باركنسون من فقدان الخلايا العصبية في جزء من الدماغ تسمى المادة السوداء substantia nigra .
حيث تنتج هذه الخلايا الدوبامين dopamine ، وهو عبارة عن مرسال كيميائي ، أو ناقل عصبي ، يشارك في التحكم في الحركة.
و يكون معظم الأشخاص المصابين بمرض باركنسون أكبر من 50 عاماً عندما يتلقون التشخيص ، و لكن يصاب البعض بأعراض حركية ، تتضمن مشاكل في التحكم في العضلات ، في سن مبكرة.
إن أعراض تلف الخلايا العصبية -المرتبط بمرض باركنسون- تبدأ قبل وقت طويل من ظهور المشاكل الحركية لدة المريض
إذ يمكن أن تظهر أعراض أخرى لمرض باركنسون قبل ظهور الأعراض الحركية بسنوات ، بما في ذلك انخفاض حاسة الشم ، و الإمساك ، وتغيرات في المزاج ، واضطراب سلوك نوم حركة العين السريعة REM sleep behavior disorder ، والذي يتضمن التمثيل البدني للأحلام.
و يشير وجود هذه الأعراض ما قبل التشخيص إلى أن تلف الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين dopamine-producing nerve cells قد بدأ قبل وقت طويل من مواجهة الشخص لمشاكل في الحركة.
تلف المناعة الذاتية
تضيف دراسة جديدة - يقودها باحثون من معهد لا جولا لعلم المناعة (LJI) في كاليفورنيا La Jolla Institute for Immunology (LJI - دليلاً على أن الجهاز المناعي قد يكون مسؤولاً عن تلف الخلايا العصبية.
حيث يشير البحث ، الذي ظهر في مجلة اتصالات الطبيعة Nature Communications ، أيضاً إلى أن هجوم المناعة الذاتية هذا يمكن أن يبدأ قبل أكثر من عقد من الزمن قبل أن يتلقى الشخص أي تشخيص لإصابته بمرض باركنسون.
و تقدم النتائج أملاً في أن الأطباء قد يكونون قادرين على تشخيص المرض في وقت مبكر وأن العلاج المثبط للمناعة immunosuppressant treatment يمكن أن يبطئ ، أو حتى يمنع ، فقدان خلايا الدوبامين dopamine cells .
و تقول سيسيليا لينديستام أرليهامن Cecilia Lindestam Arlehamn ،الحاصلة على درجة الدكتوراه ، و المؤلفة الأولى للدراسة والأستاذ المساعد في LJI: " إنه و بمجرد أن تختفي هذه الخلايا ، فإنها تختفي ، لذا ، إذا كنت قادراً على الحصول على تشخيص المرض في أقرب وقت ممكن ، فإن ذلك قد يحدث فرقاً كبيراً ".
و كانت دراسة أجريت في عام 2017 و شملت بعض الباحثين أنفسهم هي الأولى التي اقترحت أن المناعة الذاتية تلعب دوراً مهماً في تطور مرض باركنسون.
حيث اكتشف الفريق أن بروتيناً يسمى ألفا سينوكلين alpha-synuclein يعمل كمنارة أو كمرشد للخلايا التائية في الجهاز المناعي immune system’s T cells ، متسبباً في جعلهم يهاجمون خلايا الدماغ ، وبالتالي المساهمة في تطور مرض باركنسون.
يقوم بروتين ألفا سينوكلين بخطأ من خلال تكوين كتل سامة في الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين للأشخاص المصابين بالمرض.
حيث يمكن للكتل أن تتراكم ، و تشكل كتلًا أكبر ومميزة تسمى بـ أجسام ليوي Lewy bodies .
علامات مبكرة على المناعة الذاتية autoimmunity :
أبلغ مؤلفو الدراسة الحالية عن حالة ذكر يحتوي دمه على خلايا تائية T cells تفاعلت مع ألفا سينوكلين لمدة عشر سنوات على الأقل قبل أن يشخصه الأطباء بمرض باركنسون.
و يقول الأستاذ اليساندرو سيتي Alessandro Sette ،وهو أستاذ في LJI ، كما أنه مؤلف منسجم مع الـدراسة جديدة : "هذا يخبرنا أن الكشف عن استجابات الخلايا التائية يمكن أن يساعد في تشخيص الأشخاص المعرضين للخطر أو في المراحل المبكرة من تطور المرض ، عندما لم يتم اكتشاف العديد من الأعراض بعد" .
و يضيف سيتي Sette : "والأهم من ذلك ، يمكننا أن نحلم بسيناريو يمكن أن يمنع فيه التدخل المبكر لاستجابات الخلايا التائية المرض من الظهور أو التقدم."
و بالعودة للحالة السالفة الذكر، فقد بدأ ذلك الذكر يعاني من أعراض حركية في عام 2008 وتلقى تشخيصاً لمرض باركنسون في عام 2009 ، حيث كان يبلغ من العمر 47 عاماً.
و من ثم قام ذلك الشخص المصاب بالتواصل مع العلماء في LJI بعد أن قرأ عن دراستهم السابقة وعرض التبرع بعينات من دمه التي تم أخذها بين عامي 1998 و 2018 لغرض غير ذي صلة.
و قد كشفت العينات أنه منذ عام 1998 ، كانت الخلايا التائية في دمه تستهدف البروتين ألفا سينوكلين.
وبعبارة أخرى ، فقد كان هناك تفاعل مناعي ذاتي autoimmune reactivity قبل 10 سنوات على الأقل من بدء ظهور أعراض حركية.
التغييرات بعد التشخيص :
للتحقيق في كيفية تغير تفاعلية المناعة الذاتية في السنوات التي تلت التشخيص ، قام الفريق بتجنيد 97 شخصاً كانوا قد تم تشخيصهم بمرض باركنسون قبل أقل من عقد من الزمان.
حيث أخذوا عينات من الدم وقارنوا تفاعل المناعة الذاتي للعينات بألفا سينوكلين مع تفاعل الدم من 67 مشاركاً في مجموعة تحكم صحية متطابقة مع العمر.
و قد اكتشف الفريق أن الخلايا التائية التي تستهدف ألفا سينوكلين كانت موجودة بكثرة في وقت التشخيص. و مع تقدم المرض ، تنخفض أعداد هذه الخلايا ، مع بقاء القليل منها بعد 10 سنوات من التشخيص.
و يقر الباحثون في ورقة بحثهم أن استجابة المناعة الذاتية التي يسلطون الضوء عليها قد لا تكون محددة لاستجابة باركنسون.
ستحتاج الدراسات المستقبلية إلى التحقق مما إذا كانت الخلايا التائية تستهدف ألفا سينوكلين في أمراض الأعصاب الأخرى أيضاً .
ولكن إذا كانت التفاعلات خاصة بمرض باركنسون ، فإنها تضيف إلى الأدلة أن معظم الضرر الذي يلحق بالخلايا العصبية المنتجة للدوبامين يحدث مبكراً في المرض.
واقترح بحث سابق أن عدد الخلايا العصبية الموجودة في منطقة رئيسية من المادة السوداء substantia nigra ينخفض بنسبة تصل إلى 90 % في السنوات الأربع الأولى بعد التشخيص.
و هذا يمكن أن يفسر سبب فشل محاولات تطوير علاجات لإبطاء تطور مرض باركنسون حتى الآن : فقد تصبح الحالة غير قابلة للعكس لا رجوع فيها بعد فقدان غالبية الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين.
و في حال تلقى الأشخاص العلاج المثبط للمناعة immunosuppressant therapy قبل ظهور أعراض حركية ، فقد يحمي ذلك الخلايا.
خطط مستقبلية :
مع وضع ما سبق ذكره بعين الاعتبار ، يهتم الباحثون بمراقبة الأشخاص المعرضين لخطر وراثي كبير للإصابة بمرض باركنسون ، وكذلك الأشخاص الذين لديهم أعراض مبكرة ، مثل اضطراب النوم الريمي REM sleep disorder .
ففي حال أظهرت الاختبارات أن الخلايا التائية T cells تتفاعل مع ألفا سينكولين alpha-synuclein ، فعندئذ يمكن للمشاركين الاستفادة من تلقي العلاجات التجريبية لتثبيط استجابتهم المناعية.
كما أن هناك بعض الأدلة على أن هناك نوع من العلاج المناعي ، يسمى علاج عامل نخر الورم anti-tumor necrosis factor (TNF) therapy ، قد ينجح في تثبيط الاستجابة المناعية للمرضى .
ففي إحدى الدراسات ، كان الأشخاص الذين تلقوا علاج عامل نخر الورم TNF لمرض التهاب الأمعاء أقل عرضة للإصابة بمرض باركنسون بنسبة 78% ، و ذلك مقارنة بالأشخاص الذين لم يتلقوا العلاج .
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
مرض باركنسون ( الشلل الرعاشي ) : 13 علامة مبكرة
مرض باركنسون أو الشلل الرعاشي : طريقة مبتكرة توقف تراكم البروتين السام