تشير الأبحاث الجديدة إلى أن فقدان الموائل الحراجية (أشجار الغابات) يزيد من الاتصال بين البشر و الرئيسيات غير البشرية - و بالتالي يزيد من انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر ، كما هو الحال مع مرض الفيروس التاجي 19 (COVID-19).
و قد حددت دراسة جديدة نُشرت في مجلة علم بيئة المناظر الطبيعية Landscape Ecology بعض العوامل التي تجعل البشر والرئيسيات غير البشرية على اتصال.
إذ يشير الباحثون إلى أن استمرار تدمير موائل الغابات ، للاستخدام الزراعي أو من أجل السكن البشري ، سيجعل هذا الاتصال أكثر تواتراً ، حيث سيضطر البشر، و غير الرئيسيات إلى الاقتراب أكثر.
ونتيجة لذلك ، فمن المحتمل أيضاً أن تزداد فرص انتقال الأمراض من هذه الرئيسيات إلى البشر.
و تعد متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة فيروس كورونا 2 (سارس - 2-CoV ) ، و التي تسببت في جائحة كوفيد 19 COVID-19 ، هي مثال لفيروس ينتشر من الحيوانات إلى البشر.
مسببات الأمراض الحيوانية المنشأ :
وفقاً لمراجعة في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America ، فإنه يُعتقد أن هناك أكثر من نصف جميع مسببات الأمراض البشرية هي حيوانية المنشأ ، مما يعني أنها ظهرت لأول مرة في الحيوانات غير البشرية ثم تم نقلها إلى البشر.
وقد أدت مجموعة متنوعة من العوامل المتشابكة إلى زيادة فرص انتشار مسببات الأمراض إلى البشر.
و يشير الاستعراض إلى أن الزراعة العالمية المكثفة قد ازادت ، و أن تغير المناخ قد غيّر النظم الإيكولوجية (البيئية) ، و أن الموائل قد تفتت ، و تم تقليل التنوع البيولوجي ، و قد تم وضع البشر في اتصال متزايد بالحياة البرية بشكل مكثف ، إما بشكلٍ مباشر، أو من خلال الحيوانات الوسيطة ، مثل ماشية المزارع .
و تركز الدراسة الحالية على الأدوار التي يمكن أن تؤديها إزالة الغابات و السلوكيات البشرية الأخرى، في زيادة الاتصال بين البشر و الرئيسيات غير البشرية ، و التي تنبثق عنها العديد من الفيروسات التي تنتشر حالياً بين الناس.
و تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة ، لورا بلومفيلد Laura Bloomfield ، و التي تقوم بالدراسة من أجل الحصول على درجة الدكتوراه في الطب ، و مرشحة كلية ستانفورد للأرض والطاقة والعلوم البيئية Stanford School of Earth, Energy & Environmental Sciences، في كاليفورنيا للحصول أيضاً على درجة الدكتوراه العلمية أنه : " في الوقت الذي يتسبب فيه كوفيد 19 COVID-19 في حدوث مستوى غير مسبوق من الدمار الاقتصادي و الاجتماعي و الصحي ، فإنه من الضروري أن نفكر بشكل نقدي حول كيفية زيادة السلوكيات البشرية لتفاعلاتنا مع الحيوانات المصابة بالمرض. "
و تضيف أيضاً أنه : " من الممكن لمزيج من التغيرات البيئية الرئيسية ، مثل إزالة الغابات و الفقر أن يشعل نار جائحة عالمية." .
بقايا الغابات :
لقد نظرت الدراسة ، على وجه الخصوص ، في الغابات و المجتمعات الريفية في أوغندا التي توجد على مقربة من موائل الغابات. و كان أحد العوامل الرئيسية التي جعلت البشر على اتصال بهذه الموائل هو التحول المستمر للغابات إلى أراضٍ زراعية وتقارب نوعي الأرض من بعضهما البعض .
أما في أفريقيا ، فقد كان التوسع السريع في الزراعة عاملاً رئيسياً في انتشار إزالة الغابات على نطاق واسع. و قد نتج عن ذلك جزر صغيرة من الغابات وسط محيطات الأراضي الزراعية ، مما قلل المسافة بين البشر والحيوانات غير البشرية.
و يلاحظ المؤلفون أن أنماط الهجرة في أوغندا قد فاقمت من آثار إزالة الغابات ، مما أدى إلى وصول البشر والحيوانات إلى نفس المناطق الصغيرة من الغابات من أجل الغذاء ، أو في حالة البشر ، من أجل مواد البناء.
وهذا يزيد من خطر الاتصال و الانتقال الفيروسي بين الحيوانات و البشر ، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو من خلال الحيوانات الوسيطة ، و التي بسبب التوسع الزراعي ، قد تبقي المزارعين قريبين من الغابات.
و مع ذلك ، فلم ينظر التحقيق الحالي في الانتقال من خلال الحيوانات الوسيطة ، و إنما قد سجل التحقيق الحالي فقط الاتصال البشري المباشر مع الرئيسيات غير البشرية.
وقد لوحظ انتقال الفيروس من الحيوان إلى الإنسان في حالة فيروس نقص المناعة البشرية HIV ، ومن المحتمل أن يحدث الأمر ذاته مع السارس - CoV-2.
و كما يوضح المؤلف المشارك في الدراسة البروفيسور إريك لامبين Eric Lambin، وهو أيضاً من مدرسة الأرض والطاقة والعلوم البيئية School of Earth, Energy & Environmental Sciences : "إننا نحن البشر نذهب بأرجلنا إلى هذه الحيوانات. إذ أننا نحن من نفرض هذا التفاعل من خلال تحويل الأرض و تغييرها ".
السلوكيات البشرية :
قام المؤلفون أيضاً بالإضافة إلى النظر في دور إزالة الغابات في فرض القرب بين البشر والرئيسيات غير البشرية ، بتحليل الطرق التي يتصرف بها البشر عندما يعيشون بالقرب من موائل الغابات.
حيث جمعوا بيانات استخدام الأراضي من صغار المزارعين و صور الأقمار الصناعية لفهم العلاقة بين المناظر الطبيعية وسلوك المزارعين بشكل أفضل.
و قد وجد الفريق أن المزارعين الذين لديهم المزيد من الغابات المتاخمة للأراضي كانوا أكثر عرضة للتواصل مع الرئيسيات غير البشرية ، وكذلك المزارعين الذين دخلوا الغابة للعثور على مواد البناء.
و كان السبب في ذلك على الأرجح يكمن في أن العثور على أشجار أكبر مناسبة للبناء يتطلب منهم الذهاب إلى المناطق التي تقضي فيها الرئيسيات غير البشرية الوقت ، مما يزيد من فرص التعرض لها .
كما لاحظ المؤلفون أيضاً أنه كلما كانت أجزاء الغابات بالقرب من الأراضي الزراعية أصغر ، كلما زادت احتمالية الاتصال بين المزارعين والحياة البرية - و يرجع ذلك أساساً إلى أن هذه الأجزاء تتقاسم حدودها مع الأراضي الزراعية.
الردود و الاستجابات :
يقترح المؤلفون أن وجود المناطق العازلة بين الأراضي الزراعية و الغابات يمكن أن تقلل من الاتصال بين البشر و الرئيسيات من الحيوانات.
و يشير الباحثون أيضاً إلى أن المساعدة الدولية قد تكون قادرة على لعب دور في توفير الموارد التي يغامر المزارعون حالياً للوصول إليها في الغابات .
و في النهاية ….
بينما يتصارع العالم مع فيروس كوفيد 19 COVID-19 ، فإن الاستجابة للمسائل الأساسية التي تجبر الناس والمواشي على الاتصال المتزايد مع الحيوانات البرية أمر بالغ الأهمية من أجل منع الوباء التالي.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :