فيروس كورونا و الخوف : كيف تسيطر على مخاوفك في ظل هوس فيروس كورونا ؟
قد يكون الخوف من الفيروس معدياً أكثر من الفيروس نفسه. و هذا الأمر بالتأكيد ينطبق على فيروس كورونا.
إنه الخوف يا سادة..
بالفعل يمكن أن يضر ، بصحة الناس، و يضعف مجتمعاتٍ بأكملها.
و بفضل التكنولوجيا الحديثة؛ يتمكن من الانتشار بسرعة حول العالم دون أن يكون له أي لقاح فعّال.
هنا ، أنا لا أشير إلى فيروس كورونا (كوفيد-19) Corona Virus COVID-19، على الرغم من أنه يمكن أن يعمل كمحفزٍ له.
و إنما أشير إلى أحد العوامل المعدية و القديمة قدم الحضارة ذاتها و الذي يصل بسرعةٍ إلى أبعاد وبائية، ألا وهو: الخوف.
إذ يمكن لـ الخوف أن يتسبب في خسائر جسدية و نفسية كبيرة جداً. و بالتأكيد فإنه يزدهر في جو من عدم الثقة و الارتباك.
و كما علق على ذلك ، فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt ، عندما بدأ رئاسته في عهد الكساد، بقوله الشهير: يجب تحديد الخوف و مواجهته.
يقول نوربرت شوارتز Nobert Schwarz، الأستاذ المساعد في علم النفس و التسويق في جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California:
"قد ينتشر الخوف من الفيروس بشكل أسرع من الفيروس نفسه".
و "لسوء الحظ، سينتشر هذا الخوف أيضاً إلى مجالاتٍ حياتية غير ذات صلة تماماً.
فقبل عقد من الزمان، لم يؤد التهديد بأنفلونزا الخنازير swine flu إلى زيادة قلق الأمريكيين من الإصابة بالإنفلونزا فحسب، بل زاد أيضاً من خطر التعرض للأزمات القلبية، أو الموت في الحوادث المختلفة، أو الوقوع كضحايا للجرائم".
و يضيف شوارتز: "إنه بمجرد أن يبدو العالم مكاناً خطراً، حيث يمكن أن تحدث فيه أشياء سيئة في أي لحظة، عندها لن يكون للخوف أية حدود."
و وفقاً لـ سكوت جيلر Scott Geller ، وهو طبيب نفسي سلوكي و أستاذ في Virginia Tech، فإن الخوف من الظواهر الجديدة - مثل هذا الفيروس غير المعروف سابقاً – و هو أمرٌ مؤثر بشكلٍ خاص.
"ففي كل مكان تذهب إليه تجد الناس يتحدثون عن الأمر، و نحن أثناء حديثنا حول هذا الأمر، فإننا نتشارك ريبتنا – و الريبة أمر مخيف للغاية". يضيف جيلر.
و من الناحية الإحصائية يؤكد جيلر، "نحن نفقد أرواحاً على الطرق السريعة، أكثر مما نفقده نتيجة معظم الأوبئة، و لكن على الطريق السريع، نكون تحت السيطرة، إذ نقول لأنفسنا: لن يحدث هذا لي لأنني أعرف كيفية منعه".
و لكن مع هذا الفيروس، لا نعرف ذلك. لذا فإننا كلما سمعنا عنه أكثر، كلما شعرنا بـ الخوف اكثر".
و من جهة أخرى يصف جيمس ديلارد James Dillard من ولاية بنسلفانيا، و هو خبير في الاتصالات، ديناميكيةً مماثلة فيقول: "في كل مرة يذكر فيها أحد الأشخاص، فيروس كورونا أمامك، تتذكر كل ما قرأته عنه، و كل المشاعر التي مررت بها في ذلك الوقت، لذا فإن خوفك يُثار مرة أخرى."
و تعد هذه مشكلةً كبيرة لعدة أسباب؛ منها أنه لا ينتج عن التوتر المزمن عواقب صحية طويلة المدى فحسب، بل يمكن أن يدفع الناس إلى اتخاذ خيارات غير حكيمة مثل شراء الأقنعة، التي يحتاجها العاملون بالمجال الصحي أو القيام بزيارات غير ضرورية إلى المستشفيات أو العيادات الممتلئة بالفعل.
يمكن للعواطف السلبية أن تشل التفكير المنطقي
للأسف، فإن الخوف ينتشر بشكل تقليدي في المقام الأول من خلال الاتصال الشخصي - بما في ذلك بطرق غير لفظية.
و كما أفادت دراسة أُجريت عام 2015، فقد أظهرت الأبحاث أن استنشاق روائح الأفراد الخائفين يثير الخوف في الآخرين. إن رائحة الخوف smell of fear ظاهرة حقيقية.
إن لدينا اليوم وسائل أكثر فاعلية لنشر القلق: و هي وسائل التواصل الاجتماعي social media.
لقد درست جيونغ لي Jiyoung Lee ، الأستاذ المساعد في علوم الاتصال و المعلومات بجامعة ألاباما University of Alabama ، العدوى العاطفية الإلكترونية online emotional contagion. وتخبرنا لي Lee بأن المناقشات الافتراضية مع الأصدقاء يمكن أن تكون إيجابية، إذا تمت مشاركة معلومات دقيقة تعمل على طمأنة الناس.
و لكن تظهر الأبحاث أيضاً أنه إذا أخافتنا إحدى الأخبار أو أغضبتنا، فمن المرجح أن نعيد نشرها على حساباتنا، حتى لو لم نتحقق من دقتها..
إنها لمشكلة كبيرة. كما كشفت دراسة أجرتها لي Lee أنه عندما تحتوي مشاركات وسائل التواصل الاجتماعي حول فيروس منتشر على "معلومات مضللة تثير الخوف"، فإن التصحيحات أو التوجيهات اللاحقة يكون لها تأثير ضئيل أو معدوم.
و كذلك تقول (لي): "من أجل تصحيح المعلومات الخاطئة، يجب على الناس تقييمها بطريقةٍ منطقية". و تضيف: "يمكن للعواطف أن تشل التفكير المنطقي". كما أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يكون لها دور أكثر إيجابية للتخلص من هذه المواد المضللة في المقام الأول – كما يجدر بالمستخدمين التعود على التحقق من مصادر الأخبار الموثوقة قبل إرسالها إلى أصدقائهم، تضيف جيونغ لي.
و للمعلومية فإن آخر مرة حصل فيها مرض معدي على هذا القدر من الاهتمام كان عام 2016، عندما نشر البعوض فيروس زيكا Zika virus ، الذي اكتشف أنه يؤدي إلى عيب صغر الرأس عند الرضع إذا أصيبت الأم به أثناء حملها.
و بعد فترة وجيزة من دق ناقوس الخطر، جمع ديلارد Dillard و زملاؤه بيانات من 581 امرأة حامل تعيش في جنوب الولايات المتحدة، و سألونهن عن مستوى خوفهن و استراتيجيات التأقلم العاطفية لديهن. ثم أعادوا استجواب النساء بعد أسبوعين.
و الخبر السيء، أنه لم تقلل أي من الاستراتيجيات، بما في ذلك تجنب أخبار الفيروس أو تقليل أهميته، من مستويات القلق لديهن.
كما أسفرت آلية واحدة – و هي قمع أفكارهن و مشاعرهن السلبية - عن مستوياتٍ أعلى من الخوف بعد أسبوعين.
و يقارن ديلارد ذلك بمعضلة "لا تفكر في فيل وردي".
إذ أن إخبار نفسك بعدم الشعور بالخوف يؤدي بالمثل إلى نتائج عكسية.
إذن ما الذي يمكننا القيام به للتعامل مع هذه المشاعر غير المريحة، و تجنب تمريرها إلى الآخرين؟
تشير تقارير شوارتز، إلى أن مستويات الخوف تقل غالباً عندما يكون الناس مدركين تماماً لأسباب شعورهم به.
هل أنت خائف من فيروس كورونا؟ أمر مفهوم تماماً.
و لكن إذا توغل هذا الخوف إلى جوانب أخرى غير ذات صلة، فعليك بأن تُذكّر نفسك بمصدرها.
وهنا ينصح ديلارد الناس "بأن يتوقفوا عن الاستماع إلى السياسيين و الدخول عوضاً عن ذلك إلى الموقع الإلكتروني لمراكز مكافحة الأمراض و اتقائها.
و كذلك الانتباه إلى حديث العلماء، و ألا يستمعوا إلى الأشخاص الذين يعملون على تضخيم الخطر".
و من جهة ثانية يقترح جيلر بأن يقوم الناس بكل ما بوسعهم ليشعروا بالسيطرة على الموقف، فيقول: قوموا باتخاذ الاحتياطات التي تقترحها المنظمات الصحية، مثل غسل اليدين (بالماء و الصابون) بشكل متكرر، و تعزيز الأجهزة المناعية بعادات و أنشطة صحية، مثل ممارسة الرياضة باستمرار.
و قوموا بتخزين الطعام و الماء، في حالة ما إذا طلبت منكم السلطات البقاء في المنزل لفترة من الوقت.
و يمكن أن تكون هذه الإجراءات قوية، و بالتالي يتم مواجهة الخوف، على الأقل لبعض الوقت.
لذلك يجدر اتخاذ قرار بعدم الإتيان بأشياء معينة، مثل نشر معلومات لم يتم التحقق منها. و حتى الآن، فإننا نعلم جميعاً أهمية عدم لمس أعيننا أو أنوفنا أو أفواهنا. و قد نرغب أيضاً في إبعاد أصابعنا عن زر "النشر" “post” button.