في ظاهرة تُعرف باسم "تأثير نوسيبو nocebo effect" ، فإن توقع حدوث آثار سلبية لدواءٍ ما، يؤدي في الواقع إلى تلك الأعراض.
و الآن ، وجدت دراسة أن هذا التأثير قد يمثل ما يصل إلى 90 ٪ من شدة الأعراض التي تسببها العقاقير المخفضة لـ الكوليسترول - الستاتينات statins (أي مجموعة من الأدوية التي تعمل على تقليل مستويات الدهون ، بما في ذلك الدهون الثلاثية و الكوليسترول في الدم.).
و بالنسبة لشخص معرض لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ، فإن تناول العقاقير المخفضة لـ الكوليسترول يقلل من فرص الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية عن طريق خفض كمية الكوليسترول في الدم.
كذلك يقدر الباحثون أن ما يقرب من 30 ٪ من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 40 عاماً في الولايات المتحدة يتناولون عقاقير تخفيض الكوليسترول.
و للعلم يتحمل (يطيق) معظم الأشخاص هذه الأدوية جيداً ، لكن يتوقف الكثيرون عن تناولها بعد الإبلاغ عن الآثار الجانبية مثل:
- آلام العضلات
- والتعب
- وآلام المفاصل.
- آلام العضلات
و مع ذلك ، وفقاً لمراجعة عام 2014 للتجارب السريرية التي قارنت العقاقير المخفضة لـ الكوليسترول مع دواء وهمي ، أو "حبوب وهمية" Placebo - فقط نسبة صغيرة من الأعراض المبلغ عنها كانت سببها في الواقع الأدوية.
قد تنتج بعض الأعراض ، مثل الأوجاع و الآلام ، عن الشيخوخة الطبيعية ، أو تأثير nocebo ، أو التفاعل بين الاثنين (و للعلم يحدث تأثير نوسيبو،عندما تؤدي التوقعات السلبية للمريض -فيما يتعلق بالعلاج- إلى أن يكون للعلاج تأثير سلبي أكثر من تأثيره).
و معظم الناس على دراية بالطريقة التي يمكن أن تؤدي بها التوقعات الإيجابية حول العلاج إلى تحسين نتائجه ، و المعروفة باسم تأثير الدواء الوهمي بلاسيبو. و لكن هناك قلة من الناس ممن قد سمعوا عن تأثير نوسيبو nocebo ، و هو عندما تؤدي التوقعات السلبية إلى نتائج أسوأ.
الجدل العام
منذ إدخال العقاقير المخفضة للكوليسترول في التسعينيات ، كانت فكرة وصف هذه الأدوية لأعداد كبيرة من الأشخاص الأصحاء للوقاية من أمراض القلب مثيرة للجدل. و يعود ذلك جزئياً إلى التصور العام بأن الأدوية تسبب آثاراً جانبية غير سارة.
من الناحية النظرية ، يمكن أن تؤدي هذه التوقعات السلبية المنتشرة إلى تأثير نوسيبو، قوي ، مما يقنع الأشخاص الذين قد يستفيدون من العقاقير المخفضة للكوليسترول بالتوقف عن تناولها.
و في الآونة الأخيرة ، صمم علماء في كلية لندن الملكية Imperial College London و أطباء في Healthcare NHS Trust، في المملكة المتحدة ، تجربة لاكتشاف مدى مسؤولية تأثير نوسيبو عن الآثار غير السارة التي أبلغ عنها الأشخاص الذين يتناولون الأدوية المخفضة لـ الكوليسترول.
ووجدوا أن 90٪ من شدة الأعراض التي تم الإبلاغ عنها مع استخدام مخفضات الكوليسترول تم الإبلاغ عنها أيضاً من قبل الأشخاص الذين يتناولون حبوب الدواء الوهمي.
يقول المؤلف الأول المشترك الدكتور جيمس هوارد James Howard، زميل الأبحاث السريرية في كلية لندن الملكية و أخصائي أمراض القلب في Imperial College Healthcare NHS Trust:
"تشير دراستنا إلى أن الآثار الجانبية المبلغ عنها لمخفضات الكوليسترول ليست ناجمة عن العقاقير نفسها ، و لكن بسبب تأثير تناول أقراص".
و يضيف هوارد: "يمكن أن تكون بعض الآثار الجانبية أيضاً ، من الأوجاع والآلام المعتادة للتقدم في السن".
للعلم نشر الفريق النتائج التي توصلوا إليها في شكل رسالة في مجلة نيو إنجلاند الطبية The New England Journal of Medicine.
اثنا عشر زجاجة حبوب
قام الباحثون بتجنيد المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 37-79 عاماً من الذين كانوا يتناولون مخفضات الكوليسترول، و لكن توقفوا عنها في غضون أسبوعين من البدء بسبب الآثار الجانبية.
و تلقى كل مشارك 12 زجاجة حبوب. حيث احتوت أربع زجاجات على إمداد شهري من مخفضات الكوليسترول المسمى أتورفاستاتين atorvastatin، و أربع منها تحتوي على إمدادات شهرية من حبوب الدواء الوهمي Placebo، و أربع منها لا تحتوي على شيء.
و أوعز الباحثون للمشاركين باستخدام محتويات زجاجة مختلفة كل شهر وفقاً لتسلسل عشوائي محدد مسبقاً يغطي 12 شهراً من التجربة.
و قد استخدم المشاركون، كل يوم ، تطبيق هاتف ذكي للإبلاغ عن شدة أعراضهم على مقياس من 0 (يشير إلى عدم وجود أعراض) إلى 100 (يشير إلى أسوأ الأعراض التي يمكن تخيلها). و لم يقم التطبيق بجمع أي معلومات حول طبيعة الأعراض ، و لكن فقط شدتها الإجمالية.
و عندما شعر المشاركون أن أعراضهم كانت شديدة بشكل غير مقبول ، فقد تم تشجيعهم على التوقف عن تناول الأقراص لهذا الشهر.
من بين 71 حالة توقف عن تناول العلاج، حدثت 31 حالة خلال أشهر العلاج الوهمي ، و 40 حالة حدثت خلال أشهر تناول عقار تخفيض الكوليسترول.
و من بين 60 مشاركاً أكملوا التجربة ، كان متوسط شدة الأعراض 8.0 خلال الأشهر التي لم يتناولوا فيها أقراصاً ، و 15.4 في الأشهر التي تناولوا فيها حبوب الدواء الوهمي ، و 16.3 في الأشهر التي تناولوا فيها العقار المخفض للكوليسترول.
لم يكن الاختلاف في شدة الأعراض بين أشهر العلاج الوهمي و أشهر تناول عقار تخفيض الكوليسترول، ذا دلالة إحصائية ، ربما بسبب العدد الصغير نسبياً من المشاركين في التجربة.
يقول المؤلف الأول المشترك فرانسيس وود Frances Wood، من المعهد الوطني للقلب و الرئة في إمبريال Imperial’s National Heart and Lung Institute:
أفاد الباحثون أنه بعد 6 أشهر من انتهاء التجربة ، استأنف 30 من المشاركين تناول العقاقير المخفضة للكوليسترول و خطط أربعة آخرون للقيام بذلك.
دليل شخصي
قال كيفن ماكونواي Kevin McConway، الأستاذ الفخري للإحصاءات التطبيقية في الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة ، و الذي لم يشارك في البحث ، إن إحدى نقاط القوة في الدراسة هي، أن كل مشارك يمكنه رؤية كيفية مقارنة أعراضه بعد تناول الدواء الوهمي و تناول العقار المخفض للكوليسترول.
و في حديثه إلى مركز الإعلام العلمي Science Media Center في لندن ، قال إن التعرف على هذه المقارنة في نهاية الدراسة ربما أقنع العديد منهم لإعادة استخدام العقار المخفِّض لـ الكوليسترول.
و مع ذلك ، تساءل البروفيسور ماكونواي عما إذا كانت النتائج المتعلقة بقوة تأثير نوسيبو nocebo ستنطبق على كل من يتناول مخفضات الكوليسترول. و قال:
"لم يكن المرضى في هذه التجربة نموذجيين، بالنسبة لجميع المرضى الذين تم وصف أدوية مخفضات الكوليسترول لهم، لأنهم توقفوا عن تناول جميع العقاقير المخفضة للكوليسترول سابقاً ، بعد الآثار الجانبية التي بدأت في غضون أسبوعين بعد بدء [تناول عقار تخفيض الكوليسترول]".
أيضاً ، قد تحدد النظرة العامة للناس إلى أي مدى يعانون من تأثير الدواء الوهمي أو تأثير الدواء الوهمي. حيث أفادت ميديكال نيوز توداي Medical News Today أن الأبحاث تشير إلى أن التفاؤل يعزز تأثير الدواء الوهمي ، بينما يعزز التشاؤم تأثير النوسيبو.
بالإضافة إلى ذلك ، وجد البحث أن الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الخوف كانوا أكثر عرضة لإدراك الآثار السلبية للعلاج.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
تنظيم مستويات الكوليسترول : دراسة تحدد الجينوم المساعد في ذلك
الكوليسترول : هل اللحوم الحمراء أو البيضاء ترفع نسبته بالدم ؟