وجدت دراسة جديدة من جامعة ييل Yale University أن الشك uncertainty وعدم القدرة على التنبؤ unpredictability يمكن أن يؤديا إلى جنون العظمة paranoia .
و أن تكون مصاباً بجنون العظمة فذلك يعني أنك تعتقد بأن الأشخاص الآخرين يعملون بنوايا خبيثة. و لابد أنك قد سمعت بالنكتة القديمة التي تقول: "إن كوني مصاباً بجنون العظمة فهذا لا يعني أنهم لا يسعون ورائي للإمساك بي ".
وقد تكون هذه المخاوف مشروعة في بعض الحالات إلى حد ما ، ولكنها عندما لا تكون كذلك ، فمن الممكن أن يكون جنون العظمة من الأعراض الدالة على الإصابة بخلل في الصحة العقلية .
ومع ذلك ، تشير دراسة جديدة من جامعة ييل في نيو هافن New Haven ، كونيتيكت CT ، إلى أن جنون العظمة قد يكون أيضاً استجابة لظروف مربكة.
و وفقاً للباحثين ، فإن وجود بيئة من عدم اليقين أو الشك غير المتوقع يمكن أن يعزز البارانويا (جنون العظمة) لدى الأشخاص الذين لا يظهرون السمة.
يعتبر الأطباء جنون العظمة على أنها حالة من عدم القدرة على فهم الإشارات الاجتماعية ، وعلى وجه الخصوص ، التهديدات.
و مع ذلك ، تأخذ الدراسة الجديدة نظرة أكثر آلية للظروف التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك.
و تقول المؤلف الرئيسي للدراسة ايرين ريد Erin Reed :"إننا نفكر في الدماغ كآلة للتنبؤ. وقد يشكل التغيير غير المتوقع ، سواء أكان اجتماعياً أم لا ، نوعاً من التهديد - فهو يحد من قدرة الدماغ على التنبؤ. و قد تكون البارانويا بمثابة رد على عدم اليقين أو الشك بشكل عام ، وقد تكون التفاعلات الاجتماعية معقدة بشكل خاص ويصعب التنبؤ بها ".
ويفترض مؤلفو الدراسة أن جنون العظمة مرتبطة بآلية تعلم أساسية و التي تصبح نشطة استجابة لعدم القدرة على التنبؤ ، حتى في حالة عدم وجود تهديد اجتماعي.
و الجدير بالذكر أن نتائج البحث قد تم نشرها مؤخراً في مجلة الحياة الإلكترونية eLife.
فهم اللامعقول (إسباغ المنطق على الأشياء التي لا معنى لها ) :
من المعروف أن البشر يحبون القصص. كما أننا نعتبر مخلوقات متسلسلة و الروايات المنطقية تريحنا.
و يكمن هذا الدافع وراء رغبتنا في بناء حتى أكثر التفسيرات غير المعقولة للأحداث والتجارب التي لا معنى لها بحد ذاتها. و بدون وجود مثل هذه القصص ، قد نشعر بأن الأمور خارج عن سيطرتنا .
و يقول كبير مؤلفي الدراسة فيليب كورليت Philip Corlett : "عندما يتغير عالمنا بشكل غير متوقع ، فإننا نريد إلقاء لوم هذا التقلب على شخص ما ، وذلك بغية فهمه (جعله منطقياً) ، وربما تحييده. و قد ازداد على مر التاريخ جنون العظمة والتفكير التآمري خصوصاً في أوقات الاضطرابات ، مثل الحريق الكبير الذي شب بروما القديمة في 64 م أو هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ".
و بالإضافة إلى تحديد البارانويا كعرض من أعراض العديد من حالات الصحة العقلية ، فقد استشهدت الدراسة بأبحاث سابقة كانت قد وجدت انتشاراً واسعاً للبارانويا لدى عامة السكان.
و كشفت إحدى الاستطلاعات أن ما تقرب نسبته من 20% من المجيبين كانوا قد شعروا بأن هناك آخرين كانوا ضدهم في مرحلة ما خلال العام الماضي ، بينما اعتقد حوالي 8% أن الآخرين كانوا يسعون لإلحاق الأذى بهم على نحو متعمد .
التجربة الأولى : ألعاب الورق غير المنطقية
لاختبار فرضيتهم ، فقد قام الباحثون بدعوة الأشخاص الذين يظهرون درجات متفاوتة من البارانويا للعب بعض ألعاب الورق.
و لتحفيز عدم اليقين (الشك) بين جولات اللعب ،فقد تلاعب الباحثون باللعبة سراً لتغيير فرص استمرار الاستراتيجيات الناجحة السابقة في النجاح. ونتيجة لذلك ، فقد لا تعمل اختيارات اللاعبين التي ستعمل في جولة واحدة من اللعب في الجولة التالية.
و سرعان ما توصل اللاعبون المصابون بسويات عالية من جنون العظمة لتوقع نتائج غير متوقعة. حيث أصبحت اختياراتهم أكثر عشوائية وأقل إستراتيجية من الناحية التقليدية ، و مطابقة لتقلبات اللعب التي توقعوها.
و وجد الباحثون أنه حتى عندما فاز هؤلاء المشاركون في اللعبة ، فقد توقفت جميع الرهانات بشأن استراتيجيتهم خلال الجولة التالية.
أما اللاعبون من ذوي السويات الأدنى من جنون العظمة فقد كانوا الأبطأ في إدراك أن شيئاً ما كان يتغير.
و لجعل الظروف تبدو أكثر غموضاً ، بدأ الباحثون في التلاعب باللعبة أثناء اللعب. و كان الرد على ذلك ، بأنه حتى اللاعبين الذين يعانون من مستويات منخفضة من جنون العظمة بدأوا يلعبون بشكل عشوائي أكثر ، متخلين عن أي شعور بتحسين استراتيجياتهم بناء على النتائج السابقة.
التجربة الثانية: الفئران المصابة بجنون العظمة
في تجربة ثانية ذات صلة ، قام العلماء بتدريب الفئران على المشاركة في المهام التي كانوا يتلاعبون من خلالها بفرص تحقيق نتائج ناجحة .
وأعطوا الميثامفيتامين methamphetamine ، الذي يمكن أن يسبب جنون العظمة لدى البشر ، لبعض الفئران. حيث شاركت هذه الفئران بتأدية دور المصابين بجنون العظمة بمستويات عليا في التجربة.
وكشف تحليل إحصائي لسلوك الفئران عن أنهم كانوا يتصرفون مثل المشاركين البشريين بجنون العظمة من التجربة السابقة حيث : أصبحت خياراتهم أكثر عشوائية وبدا أنها تستند إلى توقعاتهم من عدم القدرة على التنبؤ بأكثر من أي طريقة منطقية.
أهمية الدراسة :
يقول كورليت Corlett : "إننا نأمل في أن هذا العمل سيسهل التفسير الميكانيكي للبارانويا ، و ذلك كخطوة أولى في تطوير علاجات جديدة تستهدف تلك الآليات الأساسية".
و يؤكد مؤلفو الدراسة أن الناس يمكن أن ينظروا إلى جنون العظمة كظاهرة ذات أصل أكثر بساطة أو وضوح مما افترضه الباحثون سابقاً ، و بالتالي ، ربما يكونون عرضة لطرق العلاج الأقل تعقيداً.
وتختتم ريد Reed بالقول: "تتمثل الفائدة في رؤية البارانويا من خلال عدسة غير اجتماعية في أنه يمكننا دراسة هذه الآليات ضمن أنظمة أبسط ، دون الحاجة إلى تلخيص ثراء التفاعل الاجتماعي البشري".
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :