إن المرونة الشخصية هي التي تمنح الناس القوة النفسية للتعامل مع التوتر و المصاعب .
و هي المخزون العقلي للقوة الذي يستطيع الناس استدعاؤه في أوقات الحاجة للمضي قدماً دون التعرض للانهيار.
و يعتقد علماء النفس أن الأفراد المرنين هم أكثر قدرة على التعامل مع مثل هذه المحن وإعادة بناء حياتهم بعد الكارثة.
و مما لا شك فيه أن التعامل مع التغيير أو الخسارة هو جزء حتمي لا مفر منه من الحياة. ففي مرحلة ما ، سيعاني الجميع من درجات متفاوتة من النكسات.
و قد تكون بعض هذه التحديات بسيطة نسبياً ( مثل عدم الدخول إلى فصل دراسي كنت ترغب فيه بشدة ) ، في حين أن البعض يعتبر الآخر كارثياً على نطاق أوسع (مثل الزوابع والأعاصير والهجمات الإرهابية).
و يمكن لكيفية التعامل مع هذه المشاكل أن تلعب دوراً هاماً ليس فقط في النتائج ولكن أيضاً في العواقب النفسية طويلة المدى.
ما هي المرونة ؟
هل سبق لك أن تساءلت عن سبب بقاء بعض الناس هادئين في مواجهة الكارثة بينما يبدو أن البعض الآخر قد تهالك و انهار ؟
يمكننا القول أن الأشخاص الذين يمكنهم الحفاظ على هدوئهم لديهم ما يسميه علماء النفس المرونة resilience ، أو القدرة على التعامل مع المشاكل والنكسات .
و قد تشمل هذه المشاكل فقدان الوظائف ، والمشاكل المالية ، والمرض ، والكوارث الطبيعية ، والطوارئ الطبية ، والطلاق ، أو وفاة شخص عزيز .
حيث يواجه الأشخاص المرنون صعوبات الحياة وجهاً لوجه ، بدلاً من الوقوع في فخ اليأس أو الاختباء من المشاكل المتعلقة باستراتيجيات التأقلم غير الصحية .
و لكن هذا لا يعني أنهم يعانون من ضيق أو حزن أو قلق أقل مما يعاني منه الآخرين.
كما أن هذا يعني أنهم يتعاملون مع هذه الصعوبات بطرق تعزز القوة والنمو. و قد يصبحون في كثير من الحالات ، أقوى مما كانوا عليه من قبل.
أولئك الذين يفتقرون إلى المرونة فقد يتعرضون للقهر و السحق تحت وطأة التجارب و المصاعب .
و قد يسهبون التفكير في المشاكل ويستخدمون آليات تكيف غير صحية للتعامل مع تحديات الحياة.و قد يدفعهم الإحباط أو الفشل إلى سلوكيات غير صحية أو مدمرة أو حتى خطيرة .
و هكذا سيكون هؤلاء الأفراد أبطأ في التعافي من النكسات وقد يواجهون المزيد من الضرر النفسي نتيجة لذلك.
ما الذي توفره المرونة للأفراد :
من المؤكد أن المرونة لن تقوم بإزالة التوتر أو محو صعوبات الحياة.
فالأشخاص الذين يمتلكون هذه المرونة لا يرون الحياة من خلال العدسات ذات اللون الوردي.
بل إنهم يدركون أن النكسات تحدث وأن الحياة تكون صعبة ومؤلمة في بعض الأحيان.
و هم ما زالوا يعانون من الألم العاطفي والحزن والشعور بالخسارة التي تأتي بعد حدوث مأساة ما ، غير أن نظرتهم العقلية تسمح لهم بالعمل من خلال هذه المشاعر والتعافي.
كما تمنح المرونة الأشخاص القدرة على معالجة المشكلات بشكل مباشر والتغلب على الشدائد والمضي قدماً في حياتهم.
و قد أظهر العديد من الأفراد في أعقاب الصدمات مثل هجمات 11 سبتمبر 9/11 attacks و كارثة إعصار كاترينا Hurricane Katrina ، السلوكيات التي تمثل المرونة و تميزها .
إذ لم يكونوا قادرين فقط على البقاء أقوياء في مواجهة الخسارة التي لا تحتمل ، ولكنهم كانوا أيضاً قادرين على الاستمرار وحتى تقديم الدعم العاطفي للآخرين المتضررين جراء المآسي ذاتها .
العوامل التي تساهم في المرونة :
هناك بعض الأفراد ممن يولدون بهذه القدرات بشكل طبيعي ، مع وجود سمات شخصية تساعدهم على البقاء غير قابلين للتأرجح في مواجهة التحدي.
ومع ذلك ، فإن هذه السلوكيات ليست مجرد صفات فطرية توجد في عدد قليل منتقى من الأفراد.
فوفقاً للعديد من الخبراء ، تعد المرونة أمراً شائعاً جداً ، كما أن الناس قادرون للغاية على تعلم المهارات التي يتطلبها الأمر ليصبحوا أكثر مرونة.
يعد الدعم الاجتماعي متغيراً حاسماً آخر يساهم في المرونة.
حيث يميل الأشخاص الأقوياء ذهنياً إلى الحصول على دعم الأسرة والأصدقاء الذين يساعدون في دعمهم في أوقات الشدة.
و تشمل العوامل الأخرى المرتبطة بالمرونة ما يلي:
- حمل وجهات نظر إيجابية عن أنفسهم وقدراتهم
- القدرة على وضع خطط واقعية والتمسك بها
- امتلاك موضع داخلي للسيطرة و التحكم بأنفسهم
- كون الشخص متواصل جيد
- ينظرون إلى أنفسهم كمقاتلين وليس كضحايا
- امتلاك ذكاء عاطفي عالٍ emotional intelligence وإدارة العواطف بفعالية
كيفية بناء المرونة :
تعتبر المرونة لحسن الحظ هي شيء يمكنك بناؤه في نفسك وفي أطفالك. لذا إليك عزيزي القارئ بعض الخطوات المهمة التي يمكنك اتخاذها لتصبح أكثر مرونة:
-
أعد صياغة أفكارك :
إن الأشخاص المرنين قادرون على النظر إلى المواقف السلبية بشكل واقعي ، ولكن بطريقة لا تركز على اللوم أو إطالة التفكير حول ما لا يمكن تغييره.
فبدلاً من النظر إلى الشدائد على أنها أمور لا يمكن التغلب عليها .
عليك أن تركز على البحث عن طرق صغيرة يمكنك من خلالها معالجة المشكلة وإجراء التغييرات التي ستساعدك. حيث أن التركيز على الأشياء الإيجابية التي يمكنك القيام بها يمكن أن يساعدك على الخروج من عقليتك السلبية تجاه الموقف .
كما يمكنك أيضاً استخدام هذا النهج لمساعدة الأطفال على تعلم كيفية التعامل بشكل أفضل مع التحديات.
لذا يتوجب عليك أن تشجعهم على التفكير في التحديات بطرق أكثر إيجابية ومليئة بالأمل.
وبهذه الطريقة ، بدلاً من الوقوع في حلقة من المشاعر السلبية ، يمكن للأطفال تعلم رؤية هذه الأحداث كفرص لتحدي أنفسهم وتطوير مهارات جديدة.
-
اطلب الدعم :
إن وجود أشخاص يمكنك الوثوق بهم والاعتماد عليهم أمر مهم لبناء المرونة. حيث أن حديثك أمامهم عن الصعوبات التي تتعامل معها لا يجعلهم يختفون ، ولكن مشاركة ذلك مع صديق أو شخص محبوب يمكن أن يجعلك تشعر أن لديك شخصاً ما في صفك .
كما يمكن أن تساعدك مناقشة الأشياء مع أشخاص آخرين في اكتساب نظرة ثاقبة أو حتى أفكار جديدة قد تساعدك في إدارة التحديات التي تتعامل معها بشكل أفضل.
-
ركز على ما يمكنك التحكم به :
عندما تواجه أزمة أو مشكلة ما ، فقد يكون من السهل أن ترتبك بسبب الأشياء التي تبدو خارجة عن إرادتك.
و لكن بدلاً من أن تتمنى لو أن هناك طريقة للعودة بالزمن إلى الوراء أو تغيير الأشياء ، حاول التركيز فقط على الأشياء التي تتحكم فيها. و حتى عندما يبدو الموقف صعباً بالنسبة لك ، فإن اتخاذ خطوات واقعية للمساعدة في تحسين الموقف ، مهما كانت هذه الخطوات صغيرة ، يمكن أن يحسّن شعورك بالسيطرة والمرونة.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
المرونة العاطفية : سمة يمكن تطويرها