"إن مستوى الوعي المعروف بمستوى "القبول" هو حقاً قوة عظمى، في الوعي، ومستوى مهم من الفهم أيضاً. " د. ديفيد هاوكينز وخريطته للوعي®
ربما قد واجهت يوماً موقفاً معيناً أو رأياً محدداً، و تعرضت فيه للنقد، على أنك وافقت على ما تم عرضه. في حين أنك قبلت ما تم عرضه. و من الممكن أن نختلف في شرح و توضيح مفهوم القبول على أنه نوع من الموافقة.
و بالتأكيد من حيث الصياغة اللغوية أو من خلال الشرح لكلا اللفظتين، فلن يختلف معك أحد، و لكن من حيث التطبيق العملي على مثال محدد يتطابق مع وجهة نظر محددة، فلن يتفق معك الكثير.
من الناحية اللغوية
إن الموافقة:
هي فعل تلقي شيء معروض ، برضا و برحابة صدر؛ أي استقبال إيجابي بشكل خاص. و هو نفسه في اللغة الإنكليزية فعل Approve و الذي يعني الموافقة على ما تم تقديمه (و الذي يتضمن كل الشروط و المتطلبات). و بالرجوع لمعاني فعل "وافق" Accept فسنحصل على مرادفات من قبيل: أقرّ، سلّم، لبّى، صدّق.
إن عملية الموافقة هي نوع من سلب الإرادة في التنقل بين الخيارات الشخصية، و الإذعان للمعروض بطريقة المنطق التي يلعبها العقل ببراعة.
أما القبول:
فهو فعل تلقي شيء ما، بحالة من عدم الحكم. و الانتباه لما يتم عرضه، ضمن حالة من عدم التسليم لما يتم فرضه في المعروض. و هذا يلائم الفعل في اللغة الإنكليزية Accept. و بالرجوع لمعاني تتوافق مع فعل "قَبِل" فسنجد: استحسن، أطرى، تلقى. و بالتالي فالقبول هو الاستعداد النفسي لإدخال المعروض بكل احتمالاته ضمن الوعي الذاتي.
إن القبول هو مساحة واسعة لخيارات ذاتية في التعامل مع المعروض.
هذا على المستوى اللغوي و لكن ماذا عن المستوى العملي؟
بالتأكيد هناك خلافات كثيرة تتم أثناء الحوارات و النقاشات، حول مدى جدية الطرف الآخر بالاستماع لما يتم عرضه و السير قدماً في النقاش. فغالبيتنا لا يستطيع التمييز بين أمرين:
الأول- مجال القبول:
أي أن ما يتم طرحه هو أحد الخيارات التي من الممكن أن تكون متاحة (و ليست مفروضة) و أن مجرد قبول أي خيار، هو سلوك جيد من المستمع أو المتلقي، يعطي فيه مساحة مناسبة لهذا الخيار ليظهر بأنه صحيح (و ينتقل بذلك إلى سوية الموافقة) أو أنه غير صحيح (و يخرج بذلك من دائرة الحوار -على الغالب- لكلا الطرفين).
فعلى سبيل المثال يتقدم شاب لخطبة فتاة، و عند الإجابة بنعم لقبول زيارة الشاب لمنزل الفتاة، أو للقائها، فذلك لا يعني بالضرورة الموافقة المسبقة على ما سيتكلم به الشاب أثناء اللقاء بين الشابين.
و الثاني- مجال الموافقة:
أي أن ما يتم طرحه هو خيار الطرف الآخر، و بالتأكيد له الحق بطرحه و الدفاع عنه (دون أدنى شك). و لكن ذلك لا يلزم من يستمع إليه بتبنيه على أنه صواب، إلا في حالة تأكد المستمع أو المتلقي (بناءً على بنيته العقلية) أن ما يتلقاه صواباً بالنسبة له
و عندها فإنه بالتأكيد سيقبل به و سيوافق عليه - أي سيتبناه. فمثلاً، لو كنت في زيارة لأحد الأصدقاء أو الأقارب و قد سألك : هل تشرب الشاي؟ و أجبت بنعم، فذلك يعتبر موافقة على العرض الذي قُدِّم لك.
و كمقارنة بين القبول و الموافقة من خلال المثال الأخير، فإنه مجرد استماعك لسؤال صديقك أو قريبك في طلبه لك بشرب الشاي فإن ذلك يعتبر قبولاً. و عند إجابتك بـ "نعم" فأنت شخصياً انتقلت من سوية القبول إلى سوية الموافقة.
و الأمثلة كثيرة جداً، فلو تم عرض قضية فكرية -يختلف عليها الناس- للنقاش، فإنك ستجد بعض الناس يرفضون قبول الاستماع ابتداءاً (و بالتأكيد هم يرفضون كل المعروض)، مما يحرمهم متعة الانتقال إلى سوية الموافقة أو الرفض الطبيعيين، بشكل طبيعي.
و لكن؟ هنا سينقدح في ذهنك سؤالنا التالي:
كيف يمكننا التمييز بين القبول و الموافقة؟
إن الموافقة تحصر الإنسان في حيز القرار، بناءً على المعلومات السابقة، و بناءً على مبدأ القياس العقلي المنطقي.
في حين أن القبول يفتح المجال واسعاً أمام فضاء الاحتمالات التي قد يتيحها العرض.
و لتمييز مفهوم الموافقة يمكننا الاتكاء على قضية "الأدلجة".
ففي الغالب يصعب على "المؤدلجين" (و أعني هنا بالمؤدلجين، من يتبنى رأي أو فكرة و يحاول الثبات عليها لمدة من الزمن) يصعب عليهم الابتعاد عن الإطار الذي قد رسمه لهم عقلهم، و ذلك بما يسمى بآلية التعاطي مع ما يطرح بمنطق المقارنة و القياس (الصواب و الخطأ مثلاً).
و بالتالي فإن دائرة الخيارات و الاحتمالات تضيق -في الغالب- إلى حد الإجابة بـ "نعم" أو "لا" على العرض، دون الخروج قليلاً خارج الإطار.
فيصبح مفهوم الموافقة نوع من العقيدة أو الأيديولوجية التي يتم بناءً عليها تحديد ما يسمى بـ "المبادئ" و " الثوابت"، و التي يصعب -أو يستحيل- القياس بدونها أو بدون الرجوع إليها.
و من جهة أخرى، لتمييز مفهوم القبول، فإنه يمكننا الاعتماد على مبدأ "الانفتاح و التوسع".
فمن يملك سعةً في الاحتمالات و الخيارات، و انفتاحاً على مآلات هذه الخيارات و الاحتمالات، سيمتلك -و بالتأكيد- فرصة لاستقبال أي احتمال (عرض) مطروح بصيغة الإمكانية، و ليس بصيغة الجزم و البت.
مع الاحتفاظ بمساحة كبيرة لمشروعية القبول و الرفض لأي احتمال عند حدوثه.
و كذلك يمكننا التفريق بين مفهومي القبول و الموافقة، من خلال مفهوم "الزمن".
فمن يعيش في الزمن لا يستطيع الخروج من سيطرة العقل (الذي يعتمد الزمن كمرجع حتمي لقرارته)، و بالتالي لا يستطيع السماح لحالة القبول بالدخول إلى وعيه الذاتي، و هو بذلك سيعتمد على صيغة القبول و الرفض كأساس لتعاطيه مع ما يُعرض.
أما من يعيش "هنا و الآن"، فبالتأكيد قد خرج من دائرة الزمن (أو يكاد) ، و استطاع أن يفلت من سيطرة العقل (و لو حتى في مسألة واحدة مطروحة)، و كذلك فإنه يكون قد سمح لحالة القبول بالتمدد.
هذه الحالة التي تفتح أمامه مجموعة من الخيارات و الاحتمالات، تكون متاحة في اللحظة التي يمكن أن تتجلى فيها. و هو أيضاً، "هنا" لا ينتظر حدوثها، و كذلك لن يرغمها على الحدوث بقراره. إنه مراقب و حسب، لتجليات اللحظة.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
الوعي الخالص : سكون الوعي هناك تستطيع اكتشاف حقيقتك
فوائد الحد و التخفيف من التوتر القائم على الوعي
فكرة جديدة في الوعي .. كيفية حل مشاكل الحياة؟ الدكتور ديباك شوبرا