إن المشاكل عادة ما تكون محددة ، ولكن الغريب أنها تنبع من نفس المصدر في الوعي.
بالتأكيد لم يكن أينشتاين هو أول شخص يذكر إحدى حقائق الحياة الأساسية، عندما قال: "لا يمكننا حل مشاكلنا بنفس مستوى التفكير الذي أوجد المشكلة" ، ولكن معظم الناس يحاول، و يحاول، مراراً وتكراراً التفكير في مستوى المشكلة بدلاً من إيجاد مستوى الحل. و يواصل أغلب الناس القيام بما لا يأتِ بأية نتيجة في الأصل. فهم يكررون نفس الإجراءات، متوقعين أن يؤدي ذلك إلى نتائج مختلفة ، في حين أن ذلك لن يحدث أبداً.
نحن محاصرون داخل روتين العادات و المعتقدات و التكيف القديم
في كتابي ، Metahuman: Unleashing your infinite potential ، (اطلق العنان لإمكاناتك اللانهائية) أواجه هذه المعضلة وجهاً لوجه ، بدءاً من فكرة أن تكرار نفس الإجراء غير المجدي أمر مستوطن في أسلوب حياتنا. فالغالبية العظمى من الناس محاصرين داخل الروتين والعادات والتكيف القديم والمعتقدات المستعملة وما شابه. و هم -في نفس الوقت- يكررون الماضي دون أن يتمكنوا من تحرير أنفسهم من أكثر الذكريات المؤلمة. إنهم يخافون من الأشياء الجديدة غير معروفة ، على الرغم من أن كل فكرة أو حل للمشكلة يأتي من الجديد وغير المعروف.
إن كل مجمع التفكير القديم، والعادات، يثقل كاهلنا بطرق مختلفة ، من العلاقات التي لا معنى لها، والوظائف المملة إلى التحامل المتأصل والقومية المعادية للأجانب. إن إيقاع "نفس القديم ، نفس القديم" Same old.. Same old يدقُ بشكلٍ مستمر ، ومع ذلك فإن بعض الحلول تنبثق بطريقة ما ، و يزدهر الإبداع ، و تظهر أفكار جديدة ، وتحدث لحظات "وجدتها Aha" بشكل غير متوقع.
الإبداع هو حالة من الوعي
كما نعلم جميعاً فقد تم إنفاق أموال ضخمة في وادي السيليكون من قبل شركات مثل غوغل Google -التي تعتبر أن دماء الحياة فيها هو الابتكار والإبداع- في فك أسرار الأشخاص المبدعين و ماهي الآلية التي يفكرون بها. و أذكر هنا أن مؤلفا كتاب "سرقة النار" Stealing Fire لعام 2017 ، ستيفن كوتلر Steven Kotler وجيمي ويل Jamie Wheal ، وصفا عدة محاولات لتحويل الإبداع إلى مجموعة مهارات ، وقد فشلت جميعها بشكل أساسي. و اتضح -في النتيجة- أن الإبداع هو حالة من الوعي ، وليس مهارة.
لذا فإن السؤال الحقيقي هو كيفية الوصول إلى حالة الوعي هذه. فقد اتضح أن مستوى الحل لا يختلف حيال أية مشكلة. و بالتأكيد فإن عالِماً فيزيائياً يبحث عن جسيم دون ذري جديد يفكر بشكل مختلف تماماً عن، الأم التي تحاول حمل طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات على النوم في الوقت المحدد. فالمشاكل عادة محددة ، ولكن الغريب أنها تنبع من نفس المصدر في الوعي. فإذا تركنا هذا الإدراك يتغلغل أكثر و أكثر ، فإن التكرار و الإيقاع "نفس القديم ، نفس القديم" سوف يتوقف ، إلى جانب سر كيفية العيش في اللحظة الحالية.
لا تفعل شيء ... فقط اسمح للإبداع بالظهور من مصدره..
إنني أركز في كتاب Metahuman على فكرتين اختراقتين:
الأولى هي أن الوعي هو تلك "الأشياء" الأساسية المتعلقة بالخلق،
والثانية هي أن الوجود existence يمكن أن يعتني بنفسه.
فلا يمكن تفكيك هذه الأفكار هنا في فترة زمنية قصيرة ، ولكنها تفتح الباب في الأساس لإيجاد مستوى الحل. و إذا كان الوعي هو مصدر كل شيء ، فهو يحتفظ بجميع الحلول ، و كذلك إذا كان الوجود قادراً على رعاية نفسه ، فهذه الحلول متوفرة دائماً. و أما عليك فعله فهو الابتعاد عن العمل والسماح للعملية الطبيعية للإبداع بالظهور من مصدرها.
إن العقل القلق، و غير الهادئ، هو مستوى المشكلة في جميع الأوقات تقريباً - نحن لا نتحدث عن الكوارث الطبيعية أو توغل أشخاص آخرين. أما مستوى الحل فيكمن أعمق Deeper من ذلك. إن كلمة "أعمق" تعني مستويات عقلية غير دقيقة حقاً ، ولكن لتبسيط الأمور ، فمن المفيد استخدام كلمة تعني الابتعاد عن النشاط العقلي السطحي ، الهدير المزعج للتفكير والتفاعل. و في المقابل، ربما، يجعل "الاتصال بالمصدر" النقطة أكثر وضوحاً.
من أين تأتي الأفكار
كما هو معلوم لنا جميعاً فإننا نواجه ونختبر أفكاراً جديدة طوال الوقت ، لكن العملية غامضة. فليس لدينا أي فكرة عن المكان الذي نذهب إليه للحصول على الفكرة التالية، وفي معظم الأحيان فهي تأتي من تلقاء نفسها.
ولكن كلاً من شكسبير Shakespeare أو نيوتن Newton أو موزارت Mozart و غيرهم من المبدعين دخلوا عميقاً إلى الداخل ، و وصلوا إلى مستوى من التفكير الإبداعي، و الذي كان غير عادي. هذا المستوى صامت silent ، و غني بالاحتمالات و الإمكانيات possibilities ، معنيٌ و مغرمٌ -بشكلٍ حيوي- بمواجهة تحديات الحياة ، بدهي ، و ذو نظرة ثاقبة كذلك.
وعلى النقيض من ذلك ، فإن معظمنا يلجُ إلى الداخل و لا يجد إلا أقل بكثير من هذه الصفات – و ربما لا شيء على الإطلاق- لأن وكالة الغموض mysterious agency التي تنتج الأفكار، والمشاعر، والأحاسيس، مشغولة عند كل شخص.
ما هو السبيل للوصول لمستوى الحل؟
ليس من الصعب الوصول إلى مستوى الحل. فكل شيء يعتمد على ما تجده عندما تصل إلى هناك. فهناك تلتقي الكلمات مع شبيهاتها عند مناقشة هذه المسألة. و حتى أننا بتعبيرنا عن ذلك بعبارة "الذهاب للداخل" فذلك يعتبر توصيفاً خاطئاً ، لأن الوعي consciousness ينتشر و يتغلغل في جسم العقل bodymind. إنه ليس داخل رأسك أو داخل زنزانة. إن العقل ليس له أبعاد بالطريقة التي تتشكل بها غرفة الطعام أو صالات العرض. و بما أن الكلمات قصيرة ، فإن فقط تجربة أن تصبح أكثر إبداعاً ، و ذو نظرة ثاقبة ، وحدسي هو ذلك الأمر المهم.
و السؤال العفوي و المهم هو: هل يمكننا تفعيل التجربة بشكل إرادي و طوعي؟ .. الجواب إلى حد ما نعم.
إن إزالة التوتر يمنح التفكير الإبداعي فرصة للظهور بوضوح.
و أن تكون مرتاحاً و منفتحاً بدون قيود يعتبر أمراً ضرورياً.
و كذلك يوفر التدريب في مجال معين ، أسس المعرفة والمهارة.
ولكن يمكنك تجهيز جميع هذه الاستعدادات و في نفس الوقت لا تستطيع إحراز تقدمٍ كبيرٍ، عندما يتعلق الأمر بحل المشاكل ، لأنك لم تغير حالة وعيك state of consciousness. و بالتأكيد لا يمكنك فعل ذلك عن طريق التفكير في الأمر، بل عن طريق تجاوز حالة وعيك الحالية.
لقد اقتبست الكلمة اليونانية "meta" ، والتي تعني "ما وراء" ، للإشارة إلى ما هو ضروري. و عنوان الكتاب Metahuman هي حالة من الوعي الذي يتجاوز ما اعتدنا عليه عادة. و هذا لا يعني أن عنوان الكتاب هو إشارة إلى شيء يستدعي الغرابة أو أي نوع من الهزل. و يمكن اعتبار أبسط وصف هو الاستيقاظ - أنت تتحول من حياة غير واعية unconscious life إلى حياة واعية ، و يقظة ، و حاضرة بشكلٍ كامل.
فهذه هي خصائص التحول في حالة وعيك. إنه لدينا لمحات من الشعور بالإبداع ، و الفهم العميق ، و الحدس ، و اليقظة و الانتباه ، و الانتفاح على تجارب جديدة.
و في النهاية فإن مشروع الاستيقاظ يتضمن أخذ هذه اللمحات وجعلها تجربة مستمرة. فلا توجد طريقة أفضل من ذلك للعيش. أن تتعرف على حقيقة نفسك، وعلى الآخرين والعالم، في نفس الوقت الذي تبرز فيه الحلول في كل هذه المجالات بشكل تلقائي ، عندما تنوي الطبيعة القيام بذلك.
بقلم الدكتور ديباك شوبرا