ما هو تصوُّرك عن الواقع ؟ أكثر نماذجنا الشائعة لتصوُّرنا عن الواقع خاطئة

الواقع
ما هو تصوُّرك عن الواقع ؟ أكثر نماذجنا الشائعة لتصوُّرنا عن الواقع خاطئة

كم سيكون مثالياً لو أن الواقع و تصوّرنا عنه اندمجا ليكونا الشيء نفسه. تهدف نمذجة الواقع لتفسير كيفية نشأة الكون وكيف يعمل.

و قد تظن أن هذا هو تعريف الواقع ذاته، لكنك مخطئ، فالأمر الذي يمكن توضيحه بالنظر إلى أكثر النماذج الشائعة، والتي تُعرف بالواقعية الساذجة Naïve realism.

الواقعية الساذجة

باختصارٍ شديد، تقول الواقعية الساذجة أن ما تراه موجودٌ حقاً. وبعبارةٍ أخرى، يمكننا الثقة في الواقع الذي ندركه بحواسنا الخمس.

و مثل هذه الرؤية تحتكم إلى الفطرة السليمة للإنسان. وتعتمد على الخبرات والتجارب التي نسلّم بها. و لكن يوجد عالم مادي "خارجي" منفصل عن تجاربنا الذاتية "الداخلية".

و كما هو معلوم فإن العالم المادي قد سبق ظهور البشر بنحو 13.8 مليار عام، أي منذ الانفجار العظيم Big Bang. 

و إذا كان كلا العالمين حقيقياً، فيكون من الواضح إذن أن ما نفكر فيه، أو نشعر به، أو نرغب فيه "داخلياً" لا يؤثر البتة على الواقع "الخارجي".

 و بالنظر إلى ما وصل إليه العلم الحديث من تطورٍ غير معقول، تتبدى غرابة قبول معظم العلماء بالواقعية الساذجة، عادةً بدون أية أسئلة، على الرغم من أن جميع حقائق الفطرة السليمة التي ذكرناها قد تم تكذيبها.

  • لم يفلح أبداً تقسيم الواقع إلى عقل ومادة، إذ أن هذا التقسيم يعجز عن إخبارنا من أين أتى العقل في المقام الأول، أو كيف يرتبط بالدماغ.
  • ليس لمرور الزمن، سواء بالميللي ثانية milliseconds أو بالدهور المتعاقبة منذ الانفجار العظيم، أية صلاحية محددة. إذ لا يظهر المجال الكمي quantum field، الذي يعتبره الفيزيائيون أدق مستوى للطبيعة، في توقيت زمني خطّي linear clock time ، وأصل المجال الكمي يعدّ أبدياً.
  • تشير إحدى المسائل الفيزيائية المتواجدة منذ زمنٍ طويل، والتي تُعرف بمسألة القياس الكمي، إلى ضرورة وجود مُراقب لإنتاج المردودات الأساسية التي بدورها تخلق الجسيمات particles. وبعبارةٍ أخرى، يحتوي الواقع المادي على مكوّن نفسي لا ينفصل عنه -  أي أننا نعيش في كونٍ تشاركي.  

 و من الواضح أنه لا يمكننا الوثوق بحواسنا الخمس، والتي تخبرنا على نحوٍ خاطىء أن الشمس تشرق من الشرق، وأن العاصفة الرعدية تحدث بعد ظهور ومضة من الضوء، وأنه قد لا توجد أشياء بصغر حجم البكتيريا والفيروسات، لأن أبصارنا لا تستطيع رؤيتهم. 

أخطاء الواقعية الساذجة

تعد الواقعية الساذجة خاطئة بدءاً من جذورها العميقة، الأمر الذي تصارع بشأنه أكثر الفيزيائيين البارزين. 

  • فهي تخطيء بشأن العقل mind ؛ إذ أنه لا يمكنها الربط بين العقل والدماغ brain
  • ولا يمكنها إخبارنا عن نشأة الفضاء، والزمن، والمادة، والطاقة
  • كما أنها تتعارض مع السلوك الغريب للمجال الكمي
  • وتعجز عن ربط العالم العياني (عالم الأشياء الكبيرة التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة) بالعالم المجهري (عالم الأشياء التي لا يمكن رؤيتها إلا بالمجهر الإلكتروني) - وبعبارةٍ أخرى، فإن ما نطلق عليه الوحدات البنائية للواقع تعيش في مجال منفصل ومنعزل تماماً عن الواقع اليومي.

 وبينما تُعدّ هذه الإخفاقات معروفةً بشكلٍ واسع بين الفيزيائيين، إلا أنه يتم تجاهلها بشكلٍ كبير.

إذ يمكن لجزءٍ كبير من العلم ومعظم التكنولوجيا أن تستمر في التقدم بدون الحاجة لنموذج نظري عن الواقع. و في كتابه "التصميم العظيم" The Grand Design الذي نشره قبيل موته، أعترف ستيفن هوكينج Stephen Hawking بالاحتمالية الكبيرة لفشل النماذج العلمية في مطابقة الواقع الذي يُفترض بها تفسيره وشرحه.

و إذا استمر العلم في المضي قدماً بدون نمذجة واقعية قابلة للتطبيق، فإن أمراً كهذا لن يكون ثانوياً. إننا نحتفي بجاليليو Galileo ، و كوبرنيكوس Copernicus ، و نيوتن Newton ، و أينشتاين Einstein من أجل فهمهم لبعض الأشياء بطريقة صحيحة، وليس ببساطة من أجل إطلاقهم لافتراضات ميتافيزيقية metaphysical suppositions.

ولذا فإنه من الأهمية بمكان أن نحرص على أن تكون الأشياء صائبة الآن. و إذا كانت النمذجة الواقعية الحالية لا تعدو كونها -في الحقيقة- مجموعة مبهمة من الصيغ الرياضية المعلقة في فضاء نظري رياضي، فبالتأكيد هناك شيءٌ ما خاطئٌ.

ففي القرون الوسطى اُضطر العالم للخضوع للقانون الإلهي؛ والآن يجب أن يخضع للقانون الرياضي، إلا أن المغالطة تظل كما هي في الحالتين. 

يوجد هناك طريقٌ للخلاص..

أولاً: علينا الاعتراف بحقيقة بسيطة، وهي أن: النماذج محقة بشأن ما تتضمنه، ومخطئة بشأن ما تستبعده. 

فالواقعية الساذجة مخطئة بشدة بشأن الوعي لإنها تستبعد العقل لصالح التفسيرات الفيزيائية. 

ثانياً: ينبغي أن نقبل أن الواقع لا يمكن قولبته في نموذج. 

فالجرأة الكبيرة التي تكتنف تقليص العالم المادي في وحدات بنائية ضئيلة قد وصلت إلى جانبها المفيد.

فالنظريات الرائدة تقول أن الكواركات quarks و الأوتار الفائقة superstrings قد لا تكون موجودةً حقاً في الواقع. ومما يوضح الفكرة أكثر، أننا نعيش بداخل الفضاء، والزمن، والمادة، والطاقة وحتى الآن لا نمتلك سيناريو يوضح أصل كلٍ منها والمكان الذي أتت منه.

بدون نمذجة، ما الذي يتبقى لنا؟ 

إن الشيء الوحيد:

  • الذي ينفذ خلال الواقع
  • ويمد الحواس الخمس بالحياة
  • ويسمح للأفكار بأن تنشأ داخل عقولنا
  • ويعطي للعالم لونه وهيئته
  • والذي يخبرنا بأننا لا نزال على قيد الحياة

إنه الوعي.. أكثر الأشياء التي تسقطها الواقعية الساذجة، و هو الشيء الذي يحمل في طياته جميع الإجابات.

لقد حدث انحدارٌ مؤسف بعد العقود الأولى للثورة الكمية، عندما تناول جميع الفيزيائيين العظماء مشكلة العقل.
عوضاً عن المفكرين العِظام، تحولت الفيزياء إلى مجموعة من العمليات الرقمية والذرات المتصادمة، والتي تظل وظيفتها الأساسية، ولكن على مستوى جديد من مليارات الدولارات.

بيد أنه كانت هناك بعض الاستثناءات من العلماء مثل: جون فون نيومان John von Neumann ، و جون أرتشيبالد ويلر John Archibald Wheeler ، و ديفيد بوم David Bohm ، الذين واصلوا البحث عن رابط بين العقل والمادة.

وعلى الرغم من احترام جميع هؤلاء المفكرين، ولكن تم تهميشهم لصالح مسرعات الجزيئات الكبيرة bigger particle accelerators  والتليسكوبات telescopes ، ويتمتعون اليوم بانتقام الحاضر، إذا جاز التعبير. بعد استنفادهم للنمذجة الواقعية التي أهملت وأسقطت الوعي من حساباتها،

يدرك الفيزيائيون المتطلعون للأمام اليوم أن العقل لابد أن يتم تفسيره،

الأمر الذي يبدو إدراكاً بسيطاً، لولا أن خيّمت عليه سحائب الواقعية الساذجة. فقد كان الفيزيائيون القانعون بالرؤية التي تفرضها الفطرة السليمة للواقع في حياتهم اليومية سعداء بالتفكير في العقل على أنه ليس أحد مهام وظيفتهم.

بيد أنه تظل هناك عقبةٌ هائلة وهي الفتنة الكبيرة للتفسيرات الفيزيائية..

ما هو العلم بدون الحواس الخمس؟ 

كيف تبدو الحياة إذا تخلصنا من الاعتماد عليها؟  

ليس هذا سؤالاً بلاغياً. فبالتأكيد ستتحول الحياة تماماً إذا هجرنا خديعة العالم المادي والمعلومات الخاطئة التي تمدنا بها الحواس الخمس.

و بالطبع فالعقل البشري يتميز بقدرة فريدة على التعمق فيما وراء المظاهر، وعندما نقوم بذلك، يكون الوعي وجهتنا ومقصدنا دوماً.

ولا توجد حاجة لتسميته الوعي "المتسامي". فأفضل منه مصطلح الوعي "الكلي"، وهو الحالة الأصلية والأرضية لكل ما هو كائن وموجود.

فسّرْ الوعي فتفسر كل شيء. إننا لا نحتاج لنماذج. فالتفكير اليومي هو الساحة التي يرتع خلالها الوعي. 

التزم به.. واختبره بعمق.. وكن واعياً بذاتك. حينها فقط يكون الواقع قد تم استيعابه وفهمه بالكامل، بمعزل عن أية نمذجة على الإطلاق.

بقلم ديباك شوبرا Deepak Chopra ، دكتوراه في الطب MD

المصدر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل