البؤس يحب الصحبة ، أليس كذلك؟
نعم بالتأكيد لا تعتبر العدوى العاطفية دائماً أمراً سيئاً. فيمكن للسعادة مثلاً، أن تنتقل بالعدوى ، إلا أن هناك أيضاً جانب سلبي للعدوى العاطفية، و هو أن العواطف السلبية هي أيضاً تنتشر بالسهولة ذاتها .
و من المحتمل أنك قد اختبرت الحقيقة وراء هذا القول مباشرة من خلال البحث عن موسيقى حزينة عند الشعور بالإحباط أو التنفيس عن مشاعرك لأحبائك عند الغضب أو الانزعاج.
كما يمكن أن تسير الأمور بطريقة أخرى مغايرة أيضاً . حيث أن سماع أغنية حزينة في يوم رائع يمكن أن يغير مزاجك بسرعة.
و إذا كنت ذلك الشخص الذي يقدم أذناً مصغية ، فقد تشعر بالحزن أو بالاكتئاب لدى سماعك لمشاكل صديقك.
و لكن : كيف يحدث هذا؟ هل يمكن للعواطف حقاً أن تنتشر مثل البرد أو الأنفلونزا؟
في الواقع نعم يمكنها ذلك . و هذا ما يسميه الباحثون بالعدوى العاطفية emotional contagion .
و يحدث ذلك عندما تقوم عادة بمحاكاة مشاعر وتعبيرات الناس من حولك ، بدون جهد واعٍ.
لماذا يحدث ذلك؟
يقدم علم الأعصاب الناشئ المصدر الموثوق Trusted Source أحد التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة : نظام الخلايا العصبية المرآة mirror neuron system .
و قد نشأ مفهوم الخلايا العصبية المرآة عندما اكتشف الباحثون الذين يدرسون أدمغة قرود المكاك macaque monkeys أن هناك البعض من الخلايا العصبية قد بدأت في الثوران أو بدأت حرارتها تزداد عندما قامت القرود بفعل شيء ما وعندما شاهدت القرود الأخرى تفعل الشيء ذاته .
و مما يبدو عليه الوضع ، أنه من المحتمل وجود عملية مماثلة لذلك تحدث عند البشر.
و يعتقد بعض الخبراء أن نظام الخلايا العصبية المرآة يمتد إلى ما هو أبعد من الإجراءات الجسدية وقد يفسر كيف نشعر بالتعاطف مع الآخرين.
كيف يحدث ذلك؟
يعتقد الخبراء الذين يدرسون العدوى العاطفية أن العملية تحدث بشكل عام في ثلاث مراحل: المحاكاة mimicry ، و ردود الفعل، و العدوى.
المحاكاة أو التقليد Mimicry :
لتقليد عواطف شخص ما ، يجب عليك أولاً التعرف على المشاعر و تمييزها . و غالباً ما تكون الإشارات العاطفية خفية ، لذلك فمن المحتمل أنك لا تكون واعياً دائماً لهذا الإدراك.
و بشكل عام ، يحدث التقليد من خلال لغة الجسد body language . فعند تتحدث إلى صديق ما ، على سبيل المثال ، من الممكن أن تبدأ في نسخ وضعهم الجسدي أو إيماءاتهم أو تعابير وجههم دون وعي.
إذا بدأت المحادثة ببعض التعبير عن القلق أو الضيق ، و كان وجه صديقك يبدو مرتاحاً و غير متحفظ ، فقد ترتاح تعابير وجهك أيضاً.
و يمكن أن يساعدك التقليد و المحاكاة في التواصل مع الآخرين من خلال فهم تجربتهم ، لذا فهو جانب رئيسي من التفاعل الاجتماعي . إلا أنه مجرد جزء من عملية العدوى العاطفية.
ردود الفعل Feedback :
إنك تبدأ في تجربة المشاعر من خلال محاكاتها .و في المثال أعلاه ، فقد يساعدك تعبير وجهك المريح على الشعور بالهدوء.
و يقترح الدكتور موري جوزيف Maury Joseph ، وهو طبيب نفساني في واشنطن العاصمة ، أن هذا يمكن أن يحدث أيضاً مع المزيد من التجارب العاطفية والمزاجية العميقة ، مثل الاكتئاب.
وعلى سبيل المثال ، يمكن للشخص المصاب بالاكتئاب أن يعبر عن مشاعره من خلال لغة الجسد أو أنماط الكلام أو تعابير الوجه وكذلك الكلمات.
ويشرح جوزيف قائلاً: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث تفاعل عاطفي مماثل في الأشخاص الذين لديهم ضعف أكثر تجاه هذه الإشارات".
العدوى Contagion :
عادة ما يثير تقليد ومحاكاة المشاعر تلك العاطفة فيك ، فعندها ستصبح جزءاً من تجربتك الخاصة.و ستبدأ بالتعبير عنه أو ربطه بالآخرين بنفس الطريقة ، وهكذا ستكتمل عملية العدوى.
نصائح للبقاء إيجابياً :
لا تعتبر العدوى العاطفية دائماً أمراً سيئاً. فمن منا لا يريد أن ينشر السعادة؟ إلا أن هناك أيضاً جانب سلبي يتمثل في أنه : من الممكن أن تنتشر العواطف السلبية بالسهولة ذاتها .
"لا أحد لديه مناعة أو حصانة ضد العدوى العاطفية". الدكتور موري جوزيف
ولكن من الممكن مراقبة العواطف السلبية ودعم الأشخاص من حولك دون أن تلتقط عدوى كآبتهم . و إليك الطريقة لفعل ذلك .
1- أحط نفسك بالأشياء التي تجعلك سعيداً :
من غير المرجح أن تستسلم أو تخضع لمزاج سيئ لشخص آخر إذا حافظت على البيئة المحيطة بك مليئة بالأشياء التي تجلب لك السعادة. فإذا كنت تميل إلى مواجهة الكثير من السلبية في العمل ، فاجعل مكتبك "مكاناً سعيداً " لنفسك.
و إليك بعض الأفكار لفعل ذلك :
- قم بإحضار بعض من النباتات أو حتى السمك إذا كان مكان عملك يسمح بذلك.
- ضع صوراً لحيوانك الأليف أو شريكك أو أطفالك أو أصدقائك في مكان عملك.
- استخدم سماعات الرأس للاستماع إلى ملفات البودكاست أو الموسيقى المفضلة لديك أثناء العمل.
و حتى إذا بدأت تشعر وكأنك ستواجه حالة سيئة من السلبية أو أنك ستنجرف إليها ، فقد تساعدك الأشياء المحيطة بك على الشعور بتحسن.
2- قدم الإيجابية :
إذا كنت لا تريد أن تؤثر سلبية شخص آخر عليك ، فحاول أن تقوم بقلب الأدوار و ذلك عن طريق الابتسام ومحاولة إبقاء صوتك مرحاً.
أما إذا كنت قد بدأت بالفعل بالشعور بالآثارالسيئة لشخص ما عليك ، فقد تشعر بأن ابتسامتك بدأت بالانحسار ، إلا أن ما أسلفنا ذكره يمكن أن يساعدك .
و قد يساعدك الابتسام على الشعور بمزيد من الإيجابية ، ولكن قد يحاكي الشخص الآخر لغة جسدك و يصاب بالعدوى من حالتك المزاجية بدلاً من ذلك ، مما يجعلها مكسباً للجميع.
3- تعرف على ما يحدث :
إذا حدث و أصبت بالعدوى من مزاج شخص آخر ، فقد لا تدرك ذلك على الفور. إلا أنك قد تشعر بالسوء فقط دون فهم السبب.
و يقول جوزيف Joseph : "قد يستغرق الأمر الكثير من الوعي الذاتي لإدراك أن سلوك شخص آخر يجعلك تشعر بالاستياء".
لذلك فإن إدراك الكيفية التي ترتبط بها مشاعرك بتجربة شخص آخر يمكن أن يسهل معالجتها دون التصرف بناءً عليها.
وإذا تمكنت من معرفة كيفية الاعتراف عندما يؤثر المزاج السلبي لشخص ما عليك ، فعندئذ يمكنك التدرب على إبعاد نفسك عن الموقف.
4- اضحك :
يمكن أن يساعد الضحك في تحسين مزاجك وتخفيف التوتر. كما يمكن أن ينتشر أيضاً إلى الأشخاص من حولك.
لذلك وعندما تشعر بالسلبية تتسلل إليك ،قم بمشاركة مقطع فيديو مضحك ، أو قل نكتة جيدة ، أو استمتع بالكوميديا المفضلة لديك لتعزيز الإيجابية.
5- لا تأخذ الأمر على محمل شخصي :
مما لا شك فيه أن العدوى العاطفية تتعلق بالتعاطف. فإذا كان شخص ما تهتم به يواجه وقتاً عاطفياً عصيباً ، فقد تستجيب له من خلال استيعاب تجربته دون وعي والتواصل معه بهذه الطريقة. و هذا مجرد جزء من كونك إنساناً .
لذا حاول أن تضع في اعتبارك ما يلي:
- أنت لست مسؤولاً عن مشاعرهم
- قد لا تتمكن من المساعدة
- إنهم يشاركون تجربتهم بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها
و قد يكون هذا صعباً بشكل خاص إذا كان أحد أفراد الأسرة أو أحد أحبائك يتعامل مع حالة صحية نفسية مزمنة ، مثل الاكتئاب.
إذ لن تتمكن في هذه الحالة من مساعدتهم كثيراً و خاصة إذا لم تكن في حالة جيدة أيضاً.
كما قد يكون تشجيعهم للتحدث إلى معالج نفسي فكرة لا بأس بها .
و بإمكانك أيضاً التفكير في طلب الدعم لنفسك ، إذ أن هناك العديد من المعالجين ممن يعملون مع الشركاء وأفراد أسر الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
لماذا نضحك ؟ و ما هو السر الذي يكمن و راء الضحك ؟