العقل شيء عجيب ، لكنه بالتأكيد ليس مثالياً.
ففي بعض الأحيان ينسى تفاصيل مهمة ، مثل موعد طبيب الأسنان الذي تأخر موعده، أو اجتماع مع عميل مهم.
أو قد تفشل في ملاحظة الأشياء الأساسية في بيئتك ، مما يؤدي بك إلى ارتكاب أخطاء قد تتسبب في إصابتك ، أو تعرضك لخطر المرض ، أو أن تقوم بمجرد التشكي و التذمر.
و إذا كنت قد نسيت يوماً تذكُّر المكان الذي أوقفت فيه سيارتك، و قضت الكثير من الوقت في البحث عنها ، فذلك يدعوك للتساؤل -بجدية- عن هذا الأمر.
إنك قد تميل إلى تصنيف هذه الأنواع على أنها من الأخطاء البسيطة، أو انك تقوم بإلقاء اللوم على أشياء مثل الإجهاد أو التوتر أو ضيق الوقت. و لكن الحقيقة هي -في بعض الأحيان- أن "تسريب العقل" هو المشكلة.
و هذا أمر لا مفر منه. و مع ذلك ، فإن فهم كيف يمكن أن يحدث ذلك، يمكن أن يساعدك في التعامل مع الأمر.
و ذلك حتى تتمكن من الاعتناء بنفسك و عائلتك ، و البقاء في أمان ، و الشعور بأنك تسيطر على حياتك.
عقلك يحب الاختصارات
إن واحدة من أكبر أوجه القصور في العقل هي أنه -في بعض الأحيان- هو مجرد كسول.
و عند محاولة حل مشكلة ما أو اتخاذ قرار ، فغالباً ما يرجع عقلك إلى قواعد الجاهزة أو الحلول التي نجحت في الماضي.
و في كثير من الحالات ، هذا هو نهج مفيدٌ و فعال.
إذ أن استخدام الاختصارات يتيح لك اتخاذ القرارات بسرعة دون الاضطرار إلى فرز كل حل ممكن بجهد معتبر.
بيد أنه -في بعض الأحيان- يمكن لهذه الاختصارات العقلية ، و المعروفة باسم الاستدلال heuristics ، أن تفشلك و تتسبب في ارتكابك للأخطاء.
على سبيل المثال ، قد تجد نفسك مرعوباً من الطيران على متن طائرة لأنه يمكنك أن تفكر فوراً في العديد من حوادث الطائرات المأساوية البارزة.
و في الواقع ، يعد السفر عن طريق الجو أكثر أماناً من السفر بالسيارة ، و لكن نظراً لأن العقل يستخدم اختصاراً عقلياً mental shortcut يُعرف بمدى التوافر الإرشادي availability heuristic ، فأنت -حينها- ستُخدَع و تميل إلى الاعتقاد بأن الطيران أكثر خطورة مما هو عليه بالفعل.
مع العلم أن هذا لن يبقيك في حالةٍ أكثر أماناً، و لكن من المؤكد أنه سيبقيك أكثر عقلانية أثناء الرحلة.
تفكيرك متأثر بالتحيزات الخفية Hidden Biases
هذه هي الاستعدادات التي يمكن أن تؤثر على كيفية إدراكك للناس (مثل تأثير الهالة halo) ، و كيف يمكنك أن تتصور الأحداث (تحيز الإدراك المتأخر hindsight bias) ، و ما هي جوانب الموقف التي تسترعي انتباهك عند اتخاذك للقرار (التحيز المنسوب attributional bias).
و الأمر الآخر هو انحياز (تحيّز) التأكيد confirmation bias، و الذي يمكن أن يدفعك إلى التركيز بشكل أكبر، أو حتى البحث عن الأشياء التي تؤكد ما تؤمن به بالفعل.
بينما أنك تتجاهل في الوقت نفسه أي شيء يعارض أفكارك الحالية أو ينتقص منها.
و يمكن أن تمنعك هذه التحيزات المعرفية من التفكير بوضوح و اتخاذ قرارات دقيقة بشأن أموالك و صحتك و حتى الطرق التي تتفاعل بها في العالم.
يحب عقلك لعب لعبة اللوم Blame Game
عندما يحدث شيء سيء ، فمن الطبيعي أن نبحث فقط عن شيء نلومه.
و بالإضافة إلى ذلك -في بعض الأحيان- نقوم بتحريف الواقع لحماية احترامنا لذاتنا. و بمعنى آخر ، ربما نكون قد ثملنا و لكن لا نريد تحمل مسؤولية ذلك.
على سبيل المثال ، بعد قضاء يوم على الشاطئ ، ستجد أنك مصاب بحروق الشمس. و قد تقرر و تقول أن واقي الشمس الذي كنت تستخدمه كان غير جيد ، بدلاً من التمسك بحقيقة أنك لم تستطع استخدامه بالشكل المطلوب.
إذا لماذا نشارك في لعبة اللوم هذه؟
يعتقد الباحثون أن العديد من التحيزات المنسوبة، تعمل كوسيلة لحماية تقديرنا لذاتنا، و تحمينا من الخوف من الفشل. و وفقاً لطريقة التفكير هذه ، تحدث أشياء سيئة لك بسبب أشياء خارجة عن إرادتك. و من ناحية أخرى، فإن نجاحاتك هي نتيجة لسماتك و مهاراتك و جهودك و خصائصك الداخلية الأخرى.
يمكن أن يكون عقلك أعمى بخصوص التغيير
يحدث الكثير في العالم في أي لحظة معينة ، و قد يكون من الصعب على العقل أن يُلِم بكل التفاصيل.
و نتيجة لذلك ، يكون من الصعب في بعض الأحيان تفويت التغييرات الرئيسية التي تحدث أمام أعيننا تماماً.
و هذا ما يسمى التغيير الأعمى.
و في مجموعة من الدراسات و الأبحاث، عندما تم تبديل شركاء المحادثة خلال مقاطعة قصيرة ، لم يلاحظ غالبية الناس التغيير.
و يعتقد الباحثون أن بعض الأشياء قد تحدث عندما يحدث هذا النوع من الأشياء.
فإذا كنت مشغولاً بالتركيز على شيءٍ واحد ، فعليك ببساطة ضبط كميات هائلة من المعلومات الأخرى التي لا يستطيع عقلك التعامل معها في ذلك الوقت.
و يمكن أن تلعب التوقعات أيضاً دوراً هاماً. فهل تتوقع أن يتحول شخص ما، فجأة إلى شخص آخر بينما كنت تتحدث معه ؟
بالطبع لا - لذلك ليس من المستغرب أنك قد تفوت تحول كبير في وضعك أو البيئة الخاصة بك.
ذاكرتك ليست حدة تماماً كما قد تظن
إن الذاكرة لا تشبه كاميرا الفيديو ، حيث تحافظ على الأحداث بدقة عند حدوثها. إنها أكثر هشاشة، و غير دقيقة، و قابلية للتأثير مما تعتقد.
على سبيل المثال ، تظهر الأبحاث أنه من السهل بشكل مفاجئ جعل شخص ما لديه ذكريات زائفة، عن الأحداث التي لم تحدث بالفعل.
ففي إحدى الدراسات ، وجد العلماء أن مشاهدة مقطع فيديو لأشخاص آخرين يفعلون شيئاً ما، دفع المشاركين بالفعل إلى الاعتقاد بأنهم قاموا بالمهمة بأنفسهم.
و نجن بالفعل، نميل أيضاً إلى نسيان كميات هائلة من المعلومات ، بدءاً من التفاصيل البسيطة التي نتعرض لها كل يوم، إلى المعلومات الهامة التي نحتاجها.
و تشير خبيرة الذاكرة إليزابيث لوفتوس Elizabeth Loftus بأن هناك بعض الأسباب الرئيسية وراء فشل الذاكرة هذا.
الفشل في استرداد المعلومات من الذاكرة ، و الوقوع ضحية للذكريات المتنافسة ، و عدم تخزين المعلومات في الذاكرة.
و ليس النسيان المتعمد للذكريات المؤلمة سوى عدد قليل من الأسباب الكامنة زوال الذاكرة (الذكريات).