في تجربة جديدة في عالم الحيوان أجريت على القرود ، اكتشف العلماء أن هناك منطقة صغيرة، و لكنها قوية من الدماغ قد تكون مسؤولة عن تفعيل الوعي و هي، المهاد الجانبي (الوحشي) المركزي central lateral thalamus .
و تشير الدراسة إلى أن تنشيط المهاد الجانبي المركزي، و الطبقات العميقة للقشرة الدماغية cerebral cortex تقود مسارات محددة في الدماغ ، و التي تنقل المعلومات بين الفص الجداري parietal lobe و الجبهي الأمامي frontal lobe في الدماغ.
و يقول الباحثونK إن هذه الدائرة الدماغية تعمل بمثابة "محرك للوعي engine for consciousness " ، الأمر الذي يجعلها قادرة على تفعيل التفكير و الشعور الواعي في الرئيسات.
و للتركيز على دارة الدماغ هذه ، قام فريق علمي بتخدير قرود المكاك macaque monkeys ، ثم قام الفريق بتحفيز أجزاء مختلفة من دماغهم بواسطة أقطاب كهربائية electrodes بتردد 50 هيرتز .
و قد انطلق الباحثون في الأساس ، في مناطق مختلفة من الدماغ، و راقبوا ردود فعل القرود و استجابتها .
إذ انه عندما تم تحفيز المهاد الجانبي المركزي ، استيقظت القرود، و تم استئناف وظائف الدماغ - و ذلك على الرغم من أنها كانت لا تزال تحت التخدير.
و بعد ثوانٍ من انتهاء العلماء للتحفيز ، عادت القرود إلى النوم مباشرةً.
و للعلم فإنه قد تم نشر هذا البحث في فترة قريبة في مجلة الخلايا العصبية Neuron.
و في البحث تقول ميشيل ريدنبو Michelle Redinbaugh ،و هي مؤلف مشارك في البحث ، و باحثة في جامعة ويسكونسن University of Wisconsin ، ماديسون :
"إن العلم لا يترك -في كثير من الأحيان- فرصة للبهجة ،و لكن هذا ما كانت عليه تلك اللحظة بالنسبة لأولئك الذين كانوا معنا في الغرفة".
و على الرغم من أن الدراسة لم تُجر على البشر ، إلا أن ريدنبو Redinbaugh و زملاؤها يشيرون إلى أن البحث في المهاد الجانبي المركزي قد يؤدي إلى علاجات جديدة للأشخاص الذين يتم علاجهم من صدمات الدماغ ، أو الإصابات ، أو اضطرابات الوعي.
و توضح ريدنبو أن فهم هذه الآليات يجعل من الممكن استهداف الأنظمة التالفة بشكل صحيح في المرضى الذين يعانون من اضطرابات الوعي. فذلك الاستهداف بدوره كما تضيف : يمكن أن "يساعدهم على العيش حياة أفضل".
تسريع "محرك الوعي ENGINE OF CONSCIOUSNESS " :
سجل الفريق النشاط العصبي لاثنين من قرود المكاك ، و هي فصيلة من القرود تنتمي إلى قرود العالم القديم Old World monkey.
إذ تعتبر أدمغة هذه القرود واحدة من أقرب النماذج الحيوانية لعقل الإنسان. و الأهم من ذلك ، أن الفريق قام بتسجيل النشاط في وقت واحد عبر مناطق متعددة من الدماغ.
و تؤكد الدراسة أن : هناك منطقة صغيرة من الدماغ ربما تكون السبب الكامن وراء تفعيل الوعي
و لتأكيد النتائج على حالات مختلفة للقرود فقد قام الباحثون بدراسة الحيوانات أيضاً عندما كانوا مستيقظين ، نائمين ، ومخدرين.
و توضح ريدنبو أن الباحثون استخدموا أيضاً عدداً كبيراً من الأقطاب الكهربائية الصغيرة المصممة على شكل منطقة الدماغ المستهدفة، و قد قاموا ايضاً بمحاكاة النشاط المرغوب لخلايا الدماغ في المنطقة المستهدفة.
و هذا " قد سمح لنا بالتعامل مباشرة مع الوعي و تسجيل التغييرات في الاتصالات و تدفق المعلومات مع درجة عالية جداً من الخصوصية المكانية والزمانية " تقول ريدنبو .
و من خلال اتباع هذا النهج الدقيق ، تمكن الفريق البحثي من تضييق نطاق مناطق الدماغ المشاركة في الوعي بشكل أكثر تحديداً بالمقارنة مع الدراسات الأخرى في هذا المجال.
و قد توقع الفريق منذ البداية أنهم قد يتمكنون من إيقاظ الحيوانات بهذه التقنية ،و ذلك لأن الدراسات السابقة أظهرت أن تحفيز الدماغ يمكن أن يثير و يوقظ الإنسان و الحيوان ، و كذلك علاج أمراض مثل الشلل الرعاشي Parkinson's ، و الخرف dementia والتصلب المتعدد multiple sclerosis .
و أن ما فاجأ الفريق، كما تقول ريدنبو، بحق هو رؤية "مدى قوتها" .
إذ أنها -ريدنبو - تصف الأمر قائلة : "لقد وصل الأمر إلى أن يقوم الحيوان من مرحلة التخدير العميق إلى مرحلة فتح عينيه و النظر في جميع أنحاء الغرفة ، و حتى الوصول إلى الأشياء بسرعة(خلال ثوانٍ قليلة فقط) من إعادة التحفيز "
و تتابع : "و بعد وقت قصير من انتهاء التحفيز ، يعود إلى حالة اللاوعي و كأن شيئاً لم يحدث ".
و لتأكيد النتائج فقد كرر الفريق التجربة بعد بضع دقائق و شاهد نفس النتيجة.
و تؤكد ريدنبو على أن هذه التأثيرات المذهلة تشير إلى وجود علاقة متبادلة بين منطقتين في الدماغ - المهاد الجانبي المركزي و الطبقات القشرية العميقة - و هذه العلاقة تعمل مثل "محرك الوعي" .
مسألة الوعي :
إن الغوص في دماغ القرد يجعلنا على بعد خطوة واحدة من اكتشاف كيف يعمل الوعي البشري (القدرة على تجربة البيئة و الحالات الداخلية) في الدماغ.هذا ما أكدته ريدنبو.
وتضيف قائلةً: " تعد قرود المكاك Macaque monkeys أفضل نموذج حيواني متاح للمقارنة مع البشر ، إذ أنها تتقاسم معهم الكثير من أوجه التشابه الرئيسية من حيث بنية الدماغ ووظيفته ".
و تتابع : "إن هذا يوفر الكثير من الأمل في أن هذه النتائج يمكن أن تترجم سريرياً " .
و لطالما حير العلماء الكيفية التي يختبر بها كل من البشر والكائنات الحية الأخرى العالم - بوعي.
و تشرح ريدنبو Redinbaugh ذلك الأمر بقولها أن القدرة على شم زهرة أو الشعور بالوخز تعتمد على التفاعلات بين خلايا الدماغ في القشرة الدماغية على سطح الدماغ والمهاد thalamus ، وهو جوهر (لب) الدماغ brain’s core .
ولكن حتى هذه المرحلة ، لم يتمكن العلماء من تحديد المسارات pathways أو البنى المعنية بالضبط. و الآن ، فقد لفتت هذه الدراسة انتباه الباحثين الآخرين إلى دائرة المهاد الجانبي المركزي central lateral thalamus circuit كآلية محورية.
و تقول ريدنبو : "هناك العديد من الآثار و التطبيقات المثيرة لهذا العمل. ومن المحتمل أننا قد نتمكن من استخدام هذه الأنواع من الأقطاب الكهربائية المحفزة في أعماق الدماغ لإخراج الناس من الغيبوبة ".
يمكن أن تضمن الدراسة أيضاً إبقاء المرضى تحت السيطرة في الجراحة ، أو مساعدة الأشخاص الذين يعانون من أنواع مختلفة من اضطرابات الوعي
و بالتأكيد فإنه لايزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات - المجراة على البشر ، وليس الرئيسيات primates - و ذلك لاستكشاف كيف يعمل المهاد الجانبي المركزي في الدماغ.
و هكذا فإننا لا نزال بعيدين عن الإجابة على مسألة الوعي consciousness question .
و تختتم ريدنبو بقولها : "تشير نتائجنا إلى أهمية مسارات عصبية محددة للوعي ، ولكن البحث لا ينتهي عند هذا الحد".
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
لماذا لا نستطيع أن نفهم الدماغ بشكل صحيح؟
لماذا يصعب العثور على السعادة في الدماغ ؟
موجات الدماغ أنواعها، و دورها في التشافي