قد يكون الطفل الذي بداخلك هو أكثر ناقد، قد يسبب لك الضرر. و ذات يوم سوف يخطر ببالك، أنك لست الشخص الذي أنت عليه الآن.
ربما كنت تعتقد -عندما نضجت- أنك تمتلك الكثير من الأشياء المبهرة ، وأنك ستقضي كل وقت فراغك كما يحلو لك، و تصرف دخلك الشهري في المراكز التجارية.
بل ربما اعتقدت أنك ستكون شخصاً مشهوراً ، وربما تظن أنك سوف تكون قادراً على اكتشاف معالمك الخاصة بسلاسة و بيسر، و أن هذا الطفل الذي بداخلك سوف يتزوج وأن الزواج سوف يتبعه ترقي اكثر و أكثر في الحياة العملية، و سيتبع ذلك الكثير من الحفلات الغريبة و المبهجة، و هذا أيضاً سيتبعه رحلات كثيرة ممتعة، هذا السفر الذي سيمتص كل خلية في جسمك.
أحلام الطفولة.. أحلام اليقظة
ربما عندما قالوا لك "أن تحلم أحلاماً كبيرة"، عندها كنت عازماً بما فيه الكفاية من أجل هذا الأمر ، و اعتقدت أنك تستطيع تحقيق أي شيء، إنك بالتأكيد قد تجاوزت الواقع الخاص بك. كنت تخلط بين الأشياء، وفجأة لا شيء يبدو كافياً -تماماً- كما يجب.
لقد قمت بتحديد تواريخ ومواعيد نهائية لنفسك، وتوقعات اجتماعية أبعد من أن تفهمها ، بينما أن اللغز الكبير هو أنك مازلت دون وعي متشبثاً بها حتى الآن..
وفي يوم من الأيام ستكبر.. و ستفكر ملياً أن هناك شيئاً ما، غير صحيح يحصل معك و لا يسير في السياق الصحيح. ستفكر أن حياتك الطبيعية، و كفاءاتك هي نوع من الفشل الأخلاقي.
فحياتك لا تتحول إلى الطريقة التي تحدثوا معك عنها ، ولكن الحقيقة الغريبة جداً أنهم لا يحذرونك منها.
وعندما تصبح شاباً ، فإنك ستقوم بتطوير كل هذه الأفكار حول ما ستكون عليه حياتك. و بالمناسبة فإن أغلب هذه الأفكار هي لسيت أفكارك، و هي ليست ملكاً لك، إنها أفكار تم نقلها إليك من أشخاص حولك.. إنها توقعات و أفكار والديك ، و الأعراف الثقافية ، و آراء أصدقاؤك، حول الحياة.
إنها لا تزال تعتبر -بالنسبة لك- كلقطات من أفلام، أو مجلات، او أفكار تستحضرها عندما تضع نفسك كبطل لرواية، و تنتظر من قلبك أن يرقص طرباً و ينتشي حيال ذلك.
كيف كنت تفكر و أنت طفل؟
إنك عندما تكون صغيراً -ذلك الطفل الصغير- لم تكن تعرف ما يكفي عن العالم لاتخاذ قرارات مهمة و واضحة، بشأن ذلك الشخص الذي ستكون بداخله.
فالأمور الوحيدة التي تعرفها -أنت ذلك الطفل - هي فقط التي تختص بكيفية التعامل مع الأطفال، و مدى التفاعل مع البالغين الذين كانوا حولك. و الأمر الوحيد الذي تعرفه -أنت ذلك الطفل- عن التقارب، و الألفة، و العلاقات الحميمة، هو ما كنت تراه في المنزل الذي كنت تعيش فيه.
و كذلك فالشيء الوحيد الذي تعرفه عن الحياة هو -فقط- ذلك الذي تعرضت له عن قرب و أنت صغير. و بالتأكيد فإن الأشياء الوحيدة التي تستطيع -و تعرف- كيف تحلم بها، هي تلك التي عرضها -عليك و أمامك- الآخرون، أو تلك التي أخبروك بأنها ممكنة..
إنك في يوم من الأيام سوف تكبر، وتكسر قلب الطفل الذي بداخلك.
و سوف تدرك أنك قد صممت حياةً لشخصٍ في الماضي (أنت الطفل الصغير)، وليس للشخص الذي أنت عليه الآن. و سيكون عليك أن تتعلم أن طفلك الداخلي لن يكون مدين لك بشيء، على الأقل ليس على كل تلك الأحلام التي كانت ستكبر و تتحقق و لم تتحقق.
و الأهم من ذلك كله، إذا كنت شخصاً خائفاً من أن:
ترتقي إلى أحلام طفولتك.. و أنك لن تحصل على الزواج المثالي.. و لن تبدو كنموذج خارق.. و لن تحقق حلم المليون دولار.. أو أن تلبس ملابس المصمم المبدع.. و أن تكون ذلك الكاتب المهم و الحقيقي.. أو ذلك الرياضي أو الموسيقي المشهور.. فإن الشيء الذي -بالفعل- تريد أن تعرفه... هو أنك ربما لن تحقق شيئاً على الإطلاق.
و هذا صحيح، حتى لو أنجزت بالفعل أياً من هذه الأشياء، فأنت متمسك بمعيار "المستحيل".. إنها فكرة عن حياتك اخترعتها قبل أن تعرف حتى من -كنت- أنت. إنها لا تناسبك بعد الآن ، ومحاولة دفع نفسك نحوها سيسبب لك المزيد من الضيق أكثر مما يعطيك أي نوع من الدافع أو الإلهام.
إن الطفل الذي بداخلك لن يشعر بخيبة أمل لأنك لن تصبح رائد فضاء.
إن ما تدين به -حقاً- لنفسك عندما كنت صغيراً -لذلك الطفل الذي بداخلك- هو حياة جيدة ، حياة كاملة، تلك الحياة التي تلائم ما يجب أن يكون عليه في الواقع ، لشخص متخيل، لم يظهر بعد. و بالتأكيد، إن ما تدين به له، هو الكرامة والوضوح و النقاء، لتحميه و تصونه، لتشافيه ، و تقدّره.
و ذلك لا يعني أن ترضخ و تستسلم لتوقعاته (طفلك الداخلي)، بل يتعين علينا أن نبدي له ما هو الأفضل، وما هي الأشياء المتوفرة هناك، وما هو -بالفعل- قادرٌ على تحقيقه.
فأنت لا تحتاج لأن تكون الأكبر و الأعظم، أو الأفضل، و الأعلى في المواصفات و المعايير، لذلك الشخص الناجح المطلوب. بل أن مهمتك الآن، هي تحديد أفضل طريقة لتعيش حقيقتك، و أن تعطي و تقدم للعالم ما انت موجود -هنا- من أجله..
و عند القيام بذلك، ستجد الرضا satisfaction، و الهدوء و السكينة peacefulness، والبهجة joy في عيش الحياة.. إنها المشاعر -ذاتها- التي أعتقد الطفل الذي بداخلك أنك ستشعر بها عندما يصبح رائد الفضاء.
كم أن ذلك شيءٌ سحري، أن تبرهن لطفلك الداخلي أن النعيم لم يكن في أحلام اليقظة daydream بل إنه كان هنا و الآن، طوال الوقت.