الرغبة . يحدث شيء مثير في الدماغ البشري عندما نحصل على ما نريد.
إننا عندما نتخيل الأهداف التي نريد تحقيقها ، غالباً ما نفعل ذلك مع توقعنا بأن نرتقي بنوعية و جودة حياتنا بطريقة ملموسة ، وبمجرد وصولنا إلى ذلك المكان ، سنكون قادرين على "الهبوط مرة أخرى coast".
و إن حالة الهبوط coast ، كما هو الحال هو ،هو حالة من السماح بالرحيل let go . والاسترخاء في الحياة. و هو أن تدع الأمور تكون هكذا و ببساطة ، لفترة من الوقت.
في الحقيقة إن هذا ليس ما يحدث
فمن الناحية العصبية ،عندما نحصل على شيء نريده حقاً ، فإننا نصبح راغبين بالمزيد . وا..... قد أثبت بحث جديد في طبيعة مادة الدوبامين الكيميائية dopamine - والتي كان يُعتقد في السابق أنها القوة الدافعة وراء وجود الرغبة والشهوة و الحصول على الأشياء و اكتنازها- أنه أكثر تعقيداً مما كان يعتقد سابقاً.
و قد أوضح دانييل ليبرمانفي Daniel Z. Lieberman في كتابه "جزيء الأكثر" The Molecule of More ، أن الخبراء الذين درسوا هذا الهرمون قد اكتشفوا أنه عندما يتم تعريف الفرد على شيء يرغب فيه بشدة ، فإن طفرة الدوبامين ستقل بعد الاستحواذ.
حيث اتضح أن الدوبامين ليس هو المادة الكيميائية التي تمنحك المتعة ، بل إنها المادة الكيميائية التي تمنحك متعة الرغبة في المزيد the pleasure of wanting more .
إذاً ، ما الهدف الكبير الضخم الذي تعمل على تحقيقه؟ إنك ستصل إلى هناك ، وبعد ذلك سيكون هناك جبل آخر لتتسلقه من جديد.
و لذلك ، فهذا هو واحد من العديد من الأسباب التي تجعلنا ندمر بعمق ما نريده حقاً. و نحن نعلم ، و بشكل غريزي ، أن "الوصول" لن يمنحنا حقاً القدرة على الإحجام أو الامتناع عن الحياة ، بل إن ذلك سيجعلنا أكثر جوعاً و توقاً للمزيد .وإلا أننا و في بعض الأحيان ، لا نشعر بأننا بمستوى هذا التحدي.
لذلك ، و بينما نحن في الطريق ، يبدأ خليط سام من التحيزات و الآثار العصبية تتراكم فوق بعضها البعض ، ثم نبدأ بالاستياء ، و إصدار الأحكام وحتى ذم الموضوع الذي تتمحور حوله أعظم رغبة لدينا.
و في سبيل فهم هذه المعضلة لابد لنا من طرح السؤال التالي : ماذا يحدث عندما نبدأ في مطاردة ما نريده حقاً:
1- نحن نقاوم القيام بالعمل الذي يتطلبه الأمر فعلاً للحصول عليه لأننا خائفون للغاية من عدم امتلاكه و الحصول عليه ، إذ أن أي مسحة أو لمحة للفشل تجعلنا نلغي جهودنا ونتوتر.
2- عندما نمضي وقتاً طويلاً دون الحصول على ما نريده حقاً ، فإننا ننشئ ارتباطات لا واعية بين امتلاكها و "كونها سيئة" ، لأننا حكمنا على الآخرين بسبب امتلاكها لها.
3- عندما نحصل على ما نريد ، فنحن نخشى أن نفقده بشدة بحيث نبعده و نقوم بدفعه بعيداً عن أنفسنا ، و ذلك من أجل ألا نضطر إلى تحمل الألم.
4- نحن غارقون جداً في الحالة الذهنية (العقلية) المتمثلة في "الرغبة" ، ولا يمكننا التحول إلى حالة "التملك أو تملك ما نريده بشدة ".
لذلك ، دعنا ننهي هذا و نقوم بكسر هذه القواعد .
أولاً، عندما نرغب بشيء للغاية ، فغالباً ما سيكون السبب هو وجود توقعات غير واقعية مرتبطة به. إذ أننا نحن نتخيل أنه سيغير حياتنا بطريقة هائلة ، وفي كثير من الأحيان ، لا يكون الحال هكذا .
كما أننا و عندما نعتمد على هدف ما أو تغير في الحياة "من أجل إنقاذنا " بطريقة ما غير واقعية ، فإن أي حادث فشل سوف يدفعنا إلى التوقف عن المحاولة. فعلى سبيل المثال: إذا كنا متأكدين تماماً من أن شريكاً رومانسياً سيساعدنا في التوقف عن الاكتئاب ، فسوف نكون حساسين للغاية في حالة الرفض ، لأنه يجعلنا نشعر كما لو أننا لن نتغلب على الاكتئاب أبداً.
و بطبيعة الحال ، فإن القضية الواضحة هنا هي أن المواعدة هي عبارة عن عملية تجربة وخطأ . لذا ، فعليك أولاً أن تفشل لتحقق النجاح.
ثم ، إننا و طوال الوقت الذي نقضيه عند عدم وجود الشيء الذي نريده ، كالعلاقة الرومانسية مثلاً ، يتعين على أدمغتنا تبرير موقفنا في الحياة و شرعنته (جعله شرعياً ) و ذلك كشكل من أشكال الحماية الذاتية. وهذا هو السبب في أننا نذم و دون وعي أولئك الذين لديهم ما نريد . كما أننا و بدلاً من أن يلهمنا نجاحهم ، فإننا نقوم بالشك بهم و بذلك النجاح . و نحن و بقيامنا بذلك أصبحنا متشككين بشأن العلاقات ، ونشعر بالغيرة من سعادة الآخرين ، ونفترض أنهم قاموا بتزويرها و فبركتها ، أو أن ذلك الحب "ليس حقيقياً" ، أو أنهم على أي حال، سوف يفترقون في النهاية .
و لذلك فإننا إذا تمسكنا بهذه المعتقدات لفترة طويلة بما يكفي ، فعلينا أن نفكر فيما سيحدث عندما نحصل على هذه العلاقة التي نريدها حقاً ؟ إننا ،بالطبع ، سنشك في الأمر وسنفترض أنها ستفشل أيضاً.
وهذا هو بالضبط ما يحدث عندما يدفع الناس ، الآخرين بعيداً عنهم ، أو يقومون بالتخلي عن أحلامهم الكبيرة ، و هنا يأتي التحدي الثاني . فعندما نكون خائفين من أننا سنخسر شيئاً ما ، فإننا نميل إلى دفعه بعيداً عن أنفسنا أولاً ، كوسيلة للحفاظ على الذات.
لذلك دعنا نقول أنك تعمل من خلال المعتقدات المحدودة و التي تخلق الكثير من هذه المقاومة في حياتك ، وتسمح لنفسك في النهاية بالبناء والحصول على ما تريده حقاً . ثم بعد ذلك ، ستواجه التحدي الأخير والأكثر صعوبة ، وهو الانتقال من "وضع البقاء على قيد الحياة" “survival mode” إلى "وضع الازدهار" “thriving mode.”
و دعني أقل لك هنا أنك إذا قضيت معظم حياتك فقط في حالة "تمر بها" ، فلن تعرف كيف تتكيف مع الحياة التي ترتاح فيها وتستمتع بها.
إذ أنك ستقاوم ذلك ، و ستشعر بالذنب ، وربما ستفرط في الإنفاق أو ستتجاهل المسؤوليات. كما أنك ، في داخل رأسك ، "توازن" سنوات الصعوبة مع سنوات الاسترخاء التام.
ومع ذلك ، فإن هذه ليست الطريقة التي تسير بها الأمور في الواقع .
إنها الرغبة بالحصول على المزيد و ليست المتعة و حسب
عندما نكون غارقين بعمق في شعور "الرغبة wanting " ، يصبح من الصعب للغاية التكيف مع تجربة "التملك having ".
وذلك لأن أي تغيير ، بغض النظر عن مدى إيجابيته ، هو تغير قلق غير مريح و ذلك إلى اللحظة التي يصبح فيها مألوفاً أيضاً.
إنه من الصعب أن نعترف بالطرق التي نميل بها إلى حد بعيد إلى التحقق من صحة الذات و شرعنتها self-validate ، إذ أننا و في نهاية المطاف نصمد و بطريقتنا التي نجدها مناسبة بسبب كبريائنا . كما أنه من الصعب للغاية الاعتراف بذلك في كثير من الأحيان ، و بأن الأشياء التي نحسدها في الآخرين هي أجزاء من أعمق رغباتنا ، تلك التي لن نسمح لأنفسنا أن نحصل عليها.
و في النهاية نقولها و بصراحة : نعم ، يميل عقلك إلى الرغبة في طلب المزيد والمزيد. إلا أننا ومن خلال فهم عملياته وميوله ، يمكنك تجاوز البرمجة والبدء في إدارة حياتك الخاصة.