التنفس الواعي ببساطة ، إنه دليل واضح للتركيز الذهني الكامل mindfulness.
إن مجرد الاستفادة من التنفس يمكن أن يساعد في إخراجك من عقلك المزدحم بالأفكار، و يعيد اتصالك بالواقع، فهل فعلاً تعرف كيف تتنفس بشكلٍ صحيح؟
أتذكر، منذ بضع سنوات فقط ، أنني كنت أتصفح رفوف الكتب في مكتبتي المحلية حيث وقعت يدي بكل راحةٍ على كتاب صغير معنون ب "كيف تتنفس؟".
تمتمت قائلاً : " كيف تتنفس؟!" أنا أعرف بالفعل كيف أتنفس والجميع يعرف ذلك. و لكن ، ما الذي يقصده الكتاب بـ كيف تتنفس؟"
و هكذا ، مفتوناً بعنوان الكتاب ، التقطته و بدأت أتصفحه وأقلب أوراقه. لقد كنت أتوقع أن يحتوي الكتاب دليلاً لعملية التنفس بحد ذاتها، من حيث سعة الرئة وتشبعها بالأكسجين، و لكنني فوجئت باكتشاف أن هذا الكتاب لم يكن كتاباً عن العلم على الإطلاق، بل كتاباً يتحدث عن التركيز الكامل للذهن (اليقظة الذهنية mindfulness) ، وعن راحة البال.
و على الرغم من أنني لم أتمكن من قراءة هذا الكتاب الصغير بالكامل، إلا أنه غيّر وجهة نظري حول كل شيء فيما يتعلق بالحياة وراحة البال ، والأهم من ذلك كله "أنفاسي".
و كما قال ثيتش نهات هانه Thich Nhat Hanh: "تأتي المشاعر و تذهب كالغيوم في سماء عاصفة، و لكن التنفس الواعي هو مرساتي و ملاذي ".
لكن تحديداً ماذا يعني ذلك؟
التنفس هو مرساتي anchor ؟!
دعنا نكتشف ماذا عنى بذلك .
التنفس الواعي Conscious Breathing كمرساة (ملاذ) :
يعتبر الكثيرون منا أنفاسنا أمراً بديهياً، و من الممكن أن نُسامح على هذا فيما لو كنا نفعل ذلك. إذ أن التنفس ليس بالضبط ما يجب أن نفكر فيه، فنحن نتنفس فقط.
و نستطيع القول و بكل تواضع بأنه يمكن لتنفسنا في الواقع أن يكون أداة قوية حقاً عندما يتعلق الأمر بسعادتنا العقلية وراحة بالنا.
و النقطة المحورية الهامة هي، أننا جميعاً مشغولون بشكلٍ لا يصدق، وكلنا مندفعٌ، بلا توقفٍ، هنا و هناك ، قاطعين على أنفسنا عهداً بأخذ إجازة عند نقطةٍ اعتباطيةٍ، غير محددةٍ في المستقبل (لا تأتي هذه النقطة أبداً ).
وكنت قد قرأت تغريدة مرحة للكاتب كرامسكي Kramski ثم قمت بتلخيصها على نحو متقن كالآتي:
" إنني أحب الكيفية التي تقول بها لنفسك -كشخصٍ بالغٍ- : ولكن بعد هذا الأسبوع ستسير الأمور على ما يرام، و تستمر بذلك حتى تموت".
و لكن للأسف هكذا يعيش الكثيرون منا ؛ نكذب من أجل أن نحاول دائماً إنجاز الأمور، و لكن علينا ألا نتوقف أبداً عن الاستمتاع بهذه اللحظة.
كما أن تركيزنا دائماً ما يكون على الماضي والمستقبل وليس على الوقت الحاضر، دائماً يجب أن نكون هنا و الآن (now).
ومن هنا تأتي ضرورة التنفس الواعي.
كيف يمكن للتنفس أن يساعدك؟
بصرف النظر عن الأسباب الواضحة لذلك، فإن أنفاسنا يمكن أن تساعدنا في العديد من الطرق ، وخاصة عندما يتعلق الأمر بنقل وعينا إلى الشيء الوحيد المهم حقاً ألا وهو: الآن الحقيقية right now.
و لو أننا أمعنا النظر للحظةٍ، لكنا أدركنا أن أنفاسنا تتدفق دائماً داخل وخارج أجسادنا، وبمجرد أن نأخذ نفساً يصبح ذلك النفس من الماضي، ولكن كل شهيق وزفير جديد موجود في اللحظة الحالية.
وكلما شعرنا بالتوتر أو القلق بشأن المستقبل فإنه يمكننا الاستفادة من أنفاسنا، إذ أن كل ما نحتاج إلى القيام به هو، البدء في التركيز على تدفق الأكسجين داخل وخارج رئتينا، و متابعته و هو يتحرك من خلالنا.
وهذا ما قصده بالضبط ثيتش نهات هانه Thich Nhat Hanh عندما قال إن التنفس الواعي هو مرساته.
التنفس الواعي يربط الإنسان بالوقت الحاضر.
كيف يمكن أن يمنعنا هذا التمرين من الشعور بالقلق الشديد والتوتر؟
حسناً، إنه في الواقع بسيط جداً...
- بمجرد ظهور المشاعر السلبية ، يتعين علينا أن نلاحظها، و يتوجب علينا أن نعترف بوجود هذه المشاعر دون إصدار أي حكم .
- ثم قم بالتركيز على أفكارك ومشاعرك والأحاسيس الجسدية في جسمك.
- بعد ذلك ، كن مدركاً و واعياً لأنفاسك .... خذ شهيقاً عميقاً طويلاً ، ثُم زفير ،
- ثم قم بالتركيز على تنفسك لفترة قصيرة ، و راقبه بينما يتحرك ذهاباً و إياباً.
عند قيامك بذلك ، سوف تبدأ أفكارك ببطء في التبدد وسيبدأ ذهنك المشغول بالاستقرار لأنه يتنفس. و سيزول التشويش و الضبابية، و الذي ستتمكن بغيابه من رؤية العالم على حقيقته - بدلاً مما تخبرك به أفكارك عنه.
كيف تتنفس ؟
إن ممارسة تمرين التنفس الذهني mindful breathing ليست مجرد شيء يجب علينا استخدامه عند شعورنا بالتوتر فقط، بل إنها أيضاً عادة مفيدة بشكل لا يصدق يمكنها أن ترافقنا جميعاً في حياتنا اليومية.
هل سمعت من قبل بمصطلح "التأمل" meditation؟
بالطبع سمعت ☺ ... إن التأمل هو في الأساس تنفس ذهني – و لكنه تنفس ذهني مصحوب بهدف.
فعندما تتأمل ، فإنك تكرس فترةً زمنيةً محددةً على وجه التحديد للتنفس الذهني.
كما أن هذا التأمل ينطوي على استخدام التنفس لفترات زمنية محددة على أساسٍ يوميٍ، بدلاً من استخدامك لأنفاسك فقط عند حاجتك لها. و لكن لماذا ذلك ؟
لأنه من خلال قيامك بذلك يمكنك تعزيز قدرتك على انتزاع نفسك من أفكارك.
هل فهمت مقصدي؟! فعندما تتدرب على التأمل كل يوم ستصبح جيداً فيه، وبهذه الطريقة ستصبح ماهراً في وعي الوقت الحاضر- و بهذه الطريقة وعندما تكون في أمس الحاجة إليه سيصبح من الأسهل الاستفادة منه.
و لابد هنا من الإشارة إلى أن المتأملين المتمرسين هم أشخاص مدربون على نحو جيد جداً على تغيير أفكارهم، فإذا شعروا بالقلق فسوف يلجأون فقط إلى أنفاسهم وبتعبير آخر أفضل " سوف يلتقطون أنفاسهم".
إنها مهارةٌ يمكننا -جميعاً- الاستفادة منها، فما نقوم به ليس تأملاً وإنما هو إعادة تدريب عقولنا.
فهل أقصد -بهذا الكلام- أن التنفس الذهني هو علاج فوري للقلق و الاكتئاب والمرض العقلي؟ بالطبع لا.
وهل أنا أقول أن التأمل يمكن أن يساعد في تخفيف الأعراض حتى لو لم تكن -أنت- عرضة لها؟ بالتأكيد نعم.
و في النهاية
بينما نعلم جميعاً كيفية التنفس ، فإن ما لا يدركه معظمنا هو القوة الكاملة للوعي الذهني mindful awareness ، إذ أن أنفاسنا هي الأداة المثالية التي يمكننا من خلالها ممارسة التركيز الذهني (اليقظة الذهنية).
وعندما نكون متوترين أو قلقين بشكل مزمنٍ أو لحظيٍ ، فإن مجرد الاستفادة من التنفس يمكن أن يساعد في إخراجنا من عقولنا المزدحمة وإعادة الاتصال بالواقع.
إن ممارسة التنفس أمر بسيط كما يبدو. فعندما تقفز فجأة لحظات من الاضطراب و القلق ، يجب أولاً أن نلاحظ ما نشعر به ، ثم يجب أن نركز باهتمام على أنفاسنا وفي النهاية يمكننا أن نراقب بسلام، بينما يبدأ عقلنا الفوضوي في الاستقرار.
في بعض الأحيان ، إنه حقاً بهذه البساطة ...
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
التنفس الصحيح لنوم مريح ... سبعة تمارين مهمة
فوائد التنفس العميق : هل تريد أسرع وسيلة لتخفيف التوتر؟ خذ نفساً واحداً عميقاً