تعد هذه الطريقة وسيلةً رائعة لتحفيز العصب المبهم vagus nerve – و إثارة حالة من الهدوء في كامل الجسم.
إذ ترتبط الطريقة التي يتنفس بها الشخص بشكلٍ لا ينفصم مع الطريقة التي يشعر بها. و هذا هو المبدأ الأساسي للعديد من أشكال الطب الشرقي و الكثير من الأشياء، بدءاً من اليوغا و التأمل إلى التاي تشي (فن عسكري دفاعي صيني) و الكاراتيه. و تؤكد كلٌ من هذه التدريبات على أهمية التنفس الدقيق و المنضبط لصحة الجسم و سلامة وظائفه.
و على الرغم من أن الطب الغربي اعترف منذ فترة طويلة بالتنفس السريع أو المضطرب كعرض من أعراض المرض، إلا أنه لم يكن يُنظر إلى التنفس بشكلٍ تقليدي كعاملٍ قابل للتعديل في تطور المرض أو علاجه. غير أن الأمور بدأت تتغير الآن.
فقد شهد العقدان الماضيان زيادةً في التدخلات المتعلقة بالتنفس و الخاصة بالاضطرابات المرتبطة بالألم و القلق و التوتر، بالإضافة إلى أمراض الأمعاء و القلب و الدماغ. و كلما وجد الأطباء التنفس شكلاً من أشكال الوقاية من المرض و علاجه، كلما امتلكوا أدلةً على أهميته.
و قد كشفت دراسة أُجريت عام 2012 في مجلة Pain Medicine أن خمسة دقائق من التنفس العميق أدت إلى تحسنات ذات دلالة إحصائية في الكشف عن الألم و احتماله بين مجموعة من الأصحاء البالغين.
و وجدت دراسة أجريت عام 2005 أن دقيقتين من التنفس البطيء المتحكم فيه أدى إلى انخفاض بنسبة 6٪ في قياسات ضغط الدم بين مجموعة من الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم.
فوائد التنفس العميق على صحة الدماغ
تمتد أبحاث التنفس أيضاً إلى الدماغ؛ إذ كشفت دراسة أُجريت عام 2015 في مجلةClinical Interventions in Aging أن ستة أشهر من التدريب على التنفس أدت إلى تطورات في المرونة الذهنية و غيرها من مقاييس الأداء المعرفي بين كبار السن.
كما وجدت الأبحاث أيضاً أن التنفس البطيء و العميق يقوي من ذاكرة الفرد.
و يسلط مؤلفو كل هذه الدراسات الضوء على قوة التنفس المهدئة و القادرة على تقليل التوتر كأكثر تفسير محتمل لتأثيراته المفيدة.
و هذا أمرٌ منطقي: لقد ركز الجزء الأكبر من الأبحاث المتعلقة بتمارين التنفس على قدرتها على مكافحة القلق و التوتر.
تقول إيرينا ستريغو Irina Strigo ، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا،
معهد ويل لعلوم الأعصاب في سان فرانسيسكو: "إن التنفس هو الوظيفة الفيزيولوجية الوحيدة التي تخضع لسيطرتنا الطوعية، و لإبطاء التنفس تأثيرات فيزيولوجية عميقة و فورية".
و قد توصلت بعض أعمال ستريغو إلى الطريقة التي يؤثر بها التنفس "السريع" على عملية التوازن داخل الجسم و الدماغ، و على وجه التحديد الطريقة التي يهدئ بها التنفس البطيء و العميق النظم الداخلية المسؤولة عن إظهار التوتر.
و تقول إن التنفس البطيء و المتعمد يعمل على إيقاف نشاط الجهاز العصبي الودي sympathetic nervous system ، و هو فرع من الجهاز العصبي المركزي الذي يحكم استجابة الجسم للقتال أو الهروب Fight-or-flight response.
التنفس العميق يثير حالة من الهدوء في كامل الجسم
تقول ستريغو أن الزفير العميق و المطول – و الذي يشمل إفراغ الرئتين بشكل أساسي- هو الشيء الذي يبدو أنه يحفز العصب المبهم أكثر من غيره، و بالتالي يثير حالة من الهدوء في الجسم.
و عندما يشعر الشخص بالتهديد (سواءً أكان ذلك التهديد جسدياً أو اجتماعياً أو عاطفياً) ، فإن الضغط الناتج عن ذلك يدفع الجهاز العصبي الودي إلى الاستعداد.
و تبدأ الهرمونات المرتبطة بالإجهاد و التوتر مثل الكورتيزول في التواجد بالدم، و تتسبب في تسارع معدل ضربات القلب و تسارع التنفس.
و في الوقت نفسه، تأخذ العضلات في الانقباض، و يتباطأ الهضم، و يفرز الجهاز المناعي خلايا تسبب الالتهابات. و يحكم كامل الجسم قبضته، كما لو كان يستعد للمشاركة في قتال جسدي.
و على الرغم من أن جميع عمليات الكر أو الفر الداخلية هذه مفيدة في الحالات الطارئة، فإن التنشيط طويل الأمد و المتكرر للجهاز العصبي الودي مرتبط بالحدوث الخارج عن السيطرة للالتهابات و زيادة خطر الإصابة بأمراض تتراوح من مرض السكري و أمراض القلب إلى الاكتئاب و اضطرابات المناعة الذاتية.
و يبدو أن التنفس البطيء و العميق يتعارض مع كل هذه العمليات التي يسببها الإجهاد. فتقول ستريغو يبدو أن التنفس العميق يفعل ذلك عن طريق تحفيز العصب المبهم، و هو أحد مكونات الجهاز العصبي نظير الودي، الذي يحكم استجابات الجسم للاسترخاء.
و تضيف: "جميع هذه الأنظمة مترابطة ببعضها، و من خلال دمج أحد مكونات نشاط الجهاز العصبي الودي – و هو التنفس - يمكن للشخص بشكل أساسي أن يوقف عملية التوتر بأكملها."
و دعماً لهذه النظرية، وجدت دراسة أجريت عام 2017 بريادة باحثين في جامعة ستانفورد أن تدمير خلايا عصبية معينة منظمة لعملية التنفس في أدمغة الفئران تركت الحيوانات هادئة و غير قابلة للقلق تقريباً، و لكنها لم تكن ضارة كذلك. و كتب مؤلفو هذه الدراسة أن تدمير هذه الخلايا العصبية التنفسية بدا و كأنه يوقف "تراكيب الدماغ العليا" المتضمنة في عمليات التوتر و الإثارة.
نفساً عميقاً واحداً يكفي و لكن يمكنك الزيادة
تقول ستريغو: "إذا أمسكت عن التنفس لبضع ثوان فقط - احبس أنفاسك - سيرتفع معدل ضربات قلبك و ستبدأ في الشعور بالقلق و التوتر". و من ناحية أخرى، تخبرنا ستريغو أن نفساً واحداً بطيئاً و طويلاً يكفي لتخفيف التوتر و تقليل معدل ضربات القلب و تهدئة القلق.
و يشتمل التنفس العميق الصحيح على الاستنشاق البطيء و الثابت - بشكل تدريجي و ليس بشكلٍ عاجل - يتبعه زفير بطيء و ثابت. أما الوضعية الجيدة المتمثلة في إزاحة الكتفين إلى الخلف، و الرأس إلى الأعلى – فإنها تسهّل كذلك من التنفس السليم.
و على الرغم من أن نفساً واحداً له أهمية كبيرة، إلا أن أعمال ستريغو، و آخرين أظهرت أن التنفس بمعدل خمسة أنفاس في الدقيقة من 30 ثانية إلى 15 دقيقة يعدّ وسيلةً فعالة للتخلص من التوتر.
و تضيف ستريغو: "إن عدد الاضطرابات المرتبطة بالتنفس غير المنتظم لجديرةٌ بالملاحظة حقاً، و بمجرد أن تبدأ في الانتباه إلى تنفسك، سترى كيف أنه يخضع للتغيير اعتماداً على حالتك الشعورية، و كيف يمكن أن يساعد تنظيمه على الكثير من الأمور".