كشفت دراسة كيف أن الحصول على نوم أقل من المعتاد، قد يضعف قدرة الدماغ على تنظيم الخوف.
و تساعد هذه النتيجة في تفسير سبب جعل اضطرابات النوم المتكررة الناس أكثر عرضة للقلق و اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD post-traumatic stress disorder).
و بالفعل يلعب النوم دوراً مهماً في الحفاظ على الصحة العقلية.
على سبيل المثال ، الأشخاص الذين يعانون من الأرق أكثر عرضة للإصابة باضطراب القلق بثلاث مرات تقريباً مقارنة بمن ينامون بشكل طبيعي ، و ذلك وفقاً لمراجعة منهجية لأبحاث نُشرت في عام 2019.
كذلك وجدت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم المتكررة – و هي مشكلة شائعة للعاملين الصحيين و العسكريين - لديهم مخاطر أعلى للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
و يبدو أن عدم الحصول على قسط كافٍ من نوم (الريم) حركة العين السريعة (rapid eye movement REM) ، و هي مرحلة النوم التي تحدث فيها معظم الأحلام ، يعتبر عامل مهم بشكل خاص في هذا الخطر المتزايد.
من المعروف أن النوم بشكل عام ، و نوم حركة العين السريعة على وجه الخصوص ، يلعبان دوراً حيوياً في "إطفاء و إخماد الخوف".
و هذه هي عملية التعلم حيث تصبح المنبهات المرتبطة سابقاً بالأحاسيس أو التجارب غير السارة، الآن غير ضارة.
من ناحية أخرى تُظهر دراسة جديدة لتصوير الدماغ ظهرت في مجلة Biological Psychiatry: Cognitive Neuroscience and Neuroimaging كيف أن قلة النوم تعطل قدرة الدماغ على نسيان الذكريات التي تثير الخوف في اليوم التالي.
ثلاث ليال في مختبر نوم
قام باحثو النوم بقيادة آن جيرمان Anne Germain، البروفيسور في جامعة بيتسبرغ ، بنسلفانيا ، و إدوارد بيس شوت Edward Pace-Schott ، البروفيسور في كلية الطب بجامعة هارفارد و مستشفى ماساتشوستس العام في تشارلزتاون ، ماساتشوستس ، بدعوة 154 متطوعاً لقضاء 3 ليالي في مختبر النوم.
في الليلة الأولى ، سمح لهم الباحثون بمتابعة أوقات نومهم المعتادة. و لكن في الليلة الثانية ، قام العلماء بتقسيمهم عشوائياً إلى واحدة من ثلاث مجموعات:
- مجموعة النوم الطبيعي
- مجموعة تقييد النوم
- و مجموعة الحرمان من النوم.
حيث سُمح لمجموعة النوم العادية بالذهاب إلى الفراش و الاستيقاظ في أوقاتها المعتادة ، بينما أيقظ فريق البحث مجموعة تقييد النوم بعد أن ناموا نصف الوقت المعتاد للنوم.
و لم يُسمح لمجموعة الحرمان من النوم بأي نوم على الإطلاق.
و في صباح اليوم التالي ، خضع المتطوعون لإجراء تجريبي قياسي لتكييف و إخماد الخوف fear conditioning and extinction ، بينما قام الباحثون بفحص أدمغتهم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي functional MRI.
حيث يتضمن إجراء تكييف الخوف إظهار ثلاثة ألوان مختلفة ، واحد في كل مرة و التالي بعده، على الشاشة أثناء وضعهم في الماسح الضوئي.
و قد رافقت صدمة كهربائية خفيفة عرض لونين. و قد علم هذا المشاركين ربط هذه الألوان بالصدمة.
و لإخماد هذا الخوف من التعلم ، تم تقديم أحد هذه الألوان في غياب أي صدمة ، مما أتاح للمشاركين معرفة أنه أصبح الآن "آمناً".
و في المساء ، تم تزويد المتطوعين مرة أخرى بالألوان داخل ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي لاكتشاف ما إذا كانوا قد نجحوا في محو حالة الخوف.
للعلم كشفت عمليات المسح أنه أثناء إجراء إخماد الخوف ، اشتبكت أدمغة أولئك الذين ناموا بشكل طبيعي مع شبكة من المناطق تسمى الشبكة البارزة (الناتئة) salience network ،
والتي تشارك في الخوف المشروط. كما استخدموا مناطق تنظيمية في قشرة الفص الجبهي تمنع المشاعر مثل الخوف.
و في المقابل ، في أدمغة الأشخاص الذين كان نومهم مقيداً ، تم تنشيط الشبكة البارزة و مناطق تجنب الألم pain aversion regions بقوة في جميع المراحل. و ظلت مناطقهم التنظيمية regulatory regions هادئة نسبياً.
مواضيع ذات صلة :
يقول الدكتور بايس شوت:
"وجدنا أنه من بين المجموعات الثلاث ، أظهر أولئك الذين حصلوا على نوم نصف ليلة فقط، نشاطاً أكثر في مناطق الدماغ المرتبطة بالخوف و نشاطاً أقل في المناطق المرتبطة بالتحكم في المشاعر.
و في الليلة الثالثة في المختبر ، سُمح لجميع المتطوعين بالنوم كالمعتاد.
أهمية نوم حركة العين السريعة
يتكهن الباحثون بأن النوم في النصف الأول من الليل فقط يحرم الشخص من معظم نوم حركة العين السريعة ، و الذي يحدث غالباً في نهاية فترة النوم العادية.
لقد وجدت الدراسات أن نوم الريم يساعد الناس على التخلص من الذكريات المخيفة من اليوم السابق. و يشير البحث الجديد إلى أنه من المهم أيضاً التخلص من تكييف الخوف في اليوم التالي.
و للعلم فقد فوجئ الباحثون باكتشاف أن المناطق المرتبطة بالخوف في أدمغة المشاركين الذين حرموا تماماً من النوم لم تنشط أثناء مرحلتي تكييف و إخماد الخوف في التجربة.
و في المساء ، عندما اختبر الباحثون ذكريات المشاركين عن إخماد الخوف ، كان نمط النشاط في أدمغتهم مشابهاً لذلك في أدمغة الأشخاص الذين ينامون بشكل طبيعي.
و يتكهن العلماء بأن آلية تعويضية قد تبدأ عندما يكون الناس محرومين تماماً من النوم ، مما يحمي أدمغتهم من تكييف الخوف.
و كتب العلماء أن آلية مماثلة قد تفسر لماذا يعاني بعض الأشخاص المصابين بالاكتئاب من تخفيف مؤقت لأعراضهم من خلال علاج الحرمان من النوم.
و مع ذلك ، تشير الدراسة الحالية إلى أن الحرمان الجزئي من النوم يفشل في تنشيط آلية الحماية هذه.
يقول الدكتور بايس شوت :
"غالباً ما قام العاملون في المجال الطبي و الجنود بتقليص أو انقطاع النوم بدلاً من فقدان ليلة نوم كاملة [...] و تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن هؤلاء الأفراد الذين يعانون من الحرمان الجزئي من النوم قد يكونون عرضة بشكل خاص للحالات المرتبطة بالخوف مثل اضطراب ما بعد الصدمة."
قد يكون للنتائج أيضاً آثار على علاج التعرض لاضطراب ما بعد الصدمة و علاج الرهاب phobias ، و الذي يتضمن تعريض المرضى لمحفزات تثير الخوف في بيئة علاجية خاضعة للرقابة.
و في النهاية يقترح العلماء أن العلاج قد لا يعمل بشكل جيد بعد ضعف و قلة النوم ليلاً.
كذلك فقد لاحظ المؤلفون أن أحد القيود المهمة لدراستهم هو أنها اختبرت تأثير ليلة واحدة من قلة النوم.
إذ يمكن أن يكون للحرمان المزمن من النوم تأثيرات مختلفة على الدماغ، و على قدرته على التخلص من الذكريات المخيفة.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :