السعادة
طريق السعادة لا يمر بمبدأ 20/80 : إنه مجرد كذبة

إن ما  يبدو أنه اختصاراً (و هو مبدأ 20/80) لـ السعادة لا يؤدي أبد إلى تحقيق إنجاز بارز .

إن مبدأ 20/80  هو مجرد كذبة . إذ أن هناك اعتقادات كثيرة بشأن هذا المبدأ : فهو ناجح ، و فعال للغاية ، و عندما تشعر بالإرهاق من العمل يمكن أن يمنحك استراحة أنت بأمسِّ الحاجة إليها.  

و مع ذلك ، فإن ما لا يمكن القيام به بنسبة 20٪ من العمل للحصول على 80٪ من النتائج هو توفير للمعنى و الرضا و السعادة، و النتائج غير العادية.

قد يبدو الأمر بسيطاً للغاية ، أليس كذلك؟  فما عليك إلا أن تعمل ليوم واحد في الأسبوع و هكذا تكون قد انتهيت من عملك .

و يمكنك بعدها أن تستمتع بوقت فراغك ، و أن تقوم ببعض الأنشطة مثل الإبحار أو قضاء بعض الوقت على الشاطئ . 

و يمكنك أن تلاحظ أن مبدأ 20/80 قد ينتج عنه بعض المشاكل الخفية و التي لا تؤدي بك إلى السعادة.


المشكلة الأولى

تتجلى المشكلة الأولى في أنه و في معظم الأوقات ، ينتهي الأمر بيوم واحد في الأسبوع  على نحو سيء تماماً لأنه سيكون مزدحماً بالعمل ، و بهذا سيكون كل يوم في ذلك الأسبوع بائساً  - و لهذا السبب أنت تريد أن تقوم بكل عملك بشكل أتوماتيكي في المقام الأول.

و دعني أطرح عليك سؤالاً :

ما الذي ستفعله مع متجر الشحن البارز هذا الذي تبلغ قيمته 5000 دولار أمريكي في الشهر؟

  • هل ستحاول الحصول على موَّرد أرخص من  موقع "علي بابا" ؟

  • و هل تريد بيع المزيد من إعلانات التيك توك المجمعة  لقنوات اليوتيوب  ؟ 

  • أم هل تريد شراء ميزة جديدة لواجهة متجر Shopify الخاص بك ؟

و  إذا قمت بإنشاء  نشاط  تجاري  قائم  فقط على الموازنة الجغرافية ، بحيث يكون كل مكون هو نتيجة لسباق لا ينتهي من أجل الحصول على الأرخص ، فلن أرغب في العمل علي ذلك أيضاً .

لأنه سيكون أمراً موجعاً للروح . بالإضافة إلى ذلك ستجد دائماً ما يشبه شخصية جيميني كريكت  Jiminy Cricket هذا العجوز الطيب، و الذي يسأل دائماً عن سبب قيامك ببيع المزيد من الأشياء عديمة الفائدة و التي لا يحتاجها الناس ، عندها لن تتمكن كل  وجباتك المفضلة من التغلب على هذا النوع من الحزن والأسى.

 

المشكلة الثانية فهي:

أن مبدأ 20/80 لن يمنحك أبداً الشعور بأنك قد بذلت قصارى جهدك، و بالتالي لن تشعر أبداً بالاكتفاء  و الرضا الذي يؤدي إلى السعادة.

عمل فيلفريدو باريتو  Vilfredo Pareto ،و هو الرجل الذي اكتشف هذا المبدأ ، بلا كلل على تحسين و تتبع حديقته النباتية.

و قد كانت هذه هي الطريقة التي عثر بها على ديناميكية المدخلات والمخرجات العالمية. و هنا تتجلى السخرية ، فقد قدم  باريتو 150٪ في  مشروع شغفه  ، مما أدى إلى تحقيق إنجاز علمي مهم .

و هكذا ،  إذا لم تبذل قصارى جهدك بشأن شيء ما ، فلن تصل أبداً إلى القمة في أي شيء.

لذلك ، و بمجرد أن تجدها ، فإن الطريقة الوحيدة للسير في طريقك إلى العظمة و السعادة، ستكون من خلال إكمال السير إليها على طوال الطريق.

و لا يعد هذا السبيل الوحيد الممكن  فقط  لتحقيق نتائج جيدة في أي شيء ، بل هو أيضاً الخيار الوحيد لخلق شعورعميق ودائم بالرضا تجاه عملك  ، و هذا لا يعني أن تستهلك كل وقتك ولا يعني أن تلتزم بالعمل الجاد حتى تنهار ، ولكن يلزمك استهلاك الكثير من الوقت والجهد فعلاً.

إذا كنت لا تقدم 100٪ بشكل منتظم و دائم ، فستشعر دائماً بأنك لم تتحقق شيئاً ، و لن تستطيع إدراك ما أنت قادر عليه حقاً.  


و مع ذلك ، و في كل يوم تفعل فيه ذلك ، ستذهب إلى الفراش وأنت تشعر بالطمأنينة والرضا  حول هذا العالم و ستقول لنفسك  : اليوم بذلت قصارى جهدي - و كان ذلك كافياً لشعوري بالرضا .

 

المشكلة الثالثة

تتمثل المشكلة الثالثة بشأن مبدأ 20/80 في أنك لن تختبر متعة فقدان الذاكرة الناتج عن الخبرة

إن فقدان الذاكرة الناجم عن الخبرة ، المترجم من علم النفس ، يعني أنه و بمجرد أن تصل إلى مستوى من الكفاءة حيث تؤدي عملك و بشكل  تلقائي  و دون وعي ، فإن عقلك سيتجول إلى حد يجعل من الصعب وصف كيف فعلت ما فعلت - أو حتى تتذكر كيف  حدث.

و  يشرح ماثيو سيد Matthew Syed كيف يبدو هذا بالنسبة لروجر فيدرر Roger Federer ، و هو أحد أعظم لاعبي التنس على مر العصور:

"إن السمات الحركية الخاصة ب روجر فيدرر Roger Federer متأصلة وبعمق ( بمعنى أنها تلقائية بدرجة كبيرة )  ، و إذا سألته كيف يمكنه لعب ضربة أمامية متقنة و منضبطة في التوقيت ، فلن يكون قادراً على إخبارك بشأن ذلك 

و قد يتحدث عما كان يفكر فيه في ذلك الوقت أو عن الاستراتيجية الخاصة بالتسديدة ، لكنه لن يكون قادراً على تقديم أي فكرة عن آليات الحركات التي قام بها ، لماذا؟

 لأنه تدرب لفترة طويلة ، و قد تم تشفير تلك الحركات في ذاكرة ضمنية خاصة به وليست ذاكرة صريحة."

تشير الدراسات إلى أن إدراكنا و حركاتنا مرتبطة  ارتباطاً  وثيقاً ببعضها البعض ، فالأصل الأساسي للرياضيين ليس أجسادهم ، بل عقولهم .


و هكذا فإن ما يهم أكثر هو البرنامج و ليس  الأجهزة .

إن  تحركات فيدرر في الملعب قريبة جداً من ردود الفعل التي تجعل جسده يقوم بالعمل فقط خلال المباراة. 

و نتيجة لذلك ، فهو حر في التفكير بشأن ما سيفعل ، لكنه سيجد صعوبة في وصف ما فعله بدقة.

و الأمر يشبه ما فعله سيدني كروسبي Sidney Crosby    عندما سجل هدفاً في الوقت الإضافي في مباراة ذهبية الهوكي الأولمبية لكندا في عام 2010 .

إذ أنه لم يستطع تذكر أي تفاصيل بعد هذه الخطوة مباشرة. 

و قد في مقابلة قائلاً : " أنا لا أتذكر حقاً ما حدث ، لقد أطلقتها وأعتقد من هذا المكان ، هذا كل ما أتذكره حقاً ".

إن فقدان الذاكرة الناتج عن الخبرة يشبه بشكل كبير تدفق الأفكار .


فقد يقوم كاتب محترف بالكتابة لمدة أربع ساعات متتالية و لكنه يجد صعوبة في تذكر كيف اختار كلماته التي قام بكتابتها  ، و ذلك نظراً لأن أدمغتهم تستخدم أجزاءً مختلفةً في التنفيذ عن تلك التي يستخدمها الهواة ، فيمكنهم فعل الأشياء فقط،

و تحقيق نتيجة تبدو سحرية، و لكن قد لا يستطيعون وصف ما فعلوه بالتحديد .

و لا يكمن الشكل الجمالي الخاص بهذا في أن عقلك حر في أثناء انجاز عملك  ، أو أنك لن تقلق أبداً بشأن التفاصيل خطوة بخطوة ، بل إن التجربة الكلية بشكل كلي تبدو سهلة ،

لأن التدفق هو حالة رائعة لتجربتها ، لذلك إذا قضينا أجزاء كبيرة من حياتنا في التدفق ، سنشعر بـ السعادة والإنجاز بشكل عام.  

إلا أن كل ما سبق ضاع في مبدأ 20/80 ، لأنه إذا كنت تقوم بالحد الأدنى من كل شيء ، فلن تصل أبداً إلى مستوى مرضي من الإنجاز ، و لن تواجه فقدان الذاكرة الناتج عن التدفق أو الخبرة .

و لاشك في أنه  لا حرج في الاستجمام و التنزه لفترة عندما تحتاج إلى استراحة.  فالحياة مليئة بالمهام  الضرورية  و التي تحتاج الى إنجازها .

و عندما يتعلق الأمر بالعمل في حياتك ، لا تبحث عن طريق مختصر للتكاسل بشأن انجاز عملك .  لأن  مبدأ 20/80  لن يكون الأكثر فائدة بالنسبة لك.

 و بحكم التعريف ،  فإن هناك قلة من الناس سيكونون على مستوى عالمي فيما يفعلونه ، و لكن حيث ينتهي بك الأمر ليس هو الهدف - بل الهدف هو البدء في المحاولة على النحو الذي تعنيه . .

 و عندما تحاول جاهداً أن تكون جيداً فيما تفعله ، فلن تختار أبداً هدفاً لا معنى له ،بل إنك ستقدم أفضل ما لديك في كل يوم ، مما سيؤدي إلى الرضا والسلام الداخلي بشأن ما تقوم بفعله  ، و الأهم من ذلك ،

و بمجرد الوصول لمستويات جيدة من الخبرة ، ستفهم حقاً ما تعنيه عبارة "الوقت يمضي عندما تستمتع".

إن أكبر فخ لمبدأ 20/80  يتمثل في كونه يبدو كطريق مختصر لـ السعادة بينما لا يمكن أن يقدم إحساساً عميقاً و صادقاً بالإنجاز.


 وبالمثل ، فإن العمل الجاد اللازم لنصل الى مستوى عالمي يمنعنا من المحاولة. 

و هذا أيضاً  فخ  ، و ذلك لأن كل السعادة التي تتوقعها من كونك الأفضل  تكمن في الحقيقة في الطرق  . و هكذا ، فإن  السعادة ليست نحن - بل هي شيء أصبحنا عليه .



عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

 كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.   


ننصحك بقراءة المقالات التالية :

السعادة – لويز هاي

كيف تجد السعادة ؟

ماذا تعرف عن الإنهيدونيا .. أو عدم القدرة على الشعور بالسعادة (أو التلذذ)

دراسة: المتزوجون لفترة طويلة ، يشعرون بالسعادة أكثر، ويضحكون ويحبون أكثر


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل