إن الأمر لا يتعلق بـ الروتين ، بل بـ الممارسة. فأنت لا تحتاج إلى الاستيقاظ في الساعة 5 صباحاً كل يوم ، و لكنك تحتاج إلى بعض النقاط الأساسية لحياتك لتعيش بسعادة و هدوء.
ففي عالم بات كل شيء فيه غير مؤكد ، حيث تسارعت وتيرة تغير الأشياء ، و حيث تسود فيه الفوضى ، فإن ما نحتاجه هو شيءٌ بسيط للغاية.
نحن بحاجة إلى ممارسات
أنا هنا لا أتحدث عن الروتين، على الرغم من أهمية الروتين اليومي، و أن كثير منا يعتمد عليه ، إلا أن الحقيقة هي أن الروتين هو نظام فارغ .
ألم توضح الجائحة الحالية ذلك، بالنسبة للجميع؟
فلم تعد تأخذ أطفالك إلى المدرسة، أو تنتقل إلى المكتب، أو أنك تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية المفضلة لديك في وقتك المفضل الذي أعتدت عليه.
لقد تغيرت جميع أجزاء روتينك التي نتجت عن تلك الأفعال .
و لكن من جهة معاكسة فالممارسة مختلفة بعض الشيء.
إذ ان الممارسة هي تلك الأشياء التي تقوم بها بانتظام - ربما يومياً ، و ربما لا - و لكن بدون ترتيب معين.
الممارسات .. أشياء تعود إليها ، مراراً و تكراراً ، تعود لتفعلها ، تعود للتركيز عليها و فعلها .
الاستيقاظ كل يوم في الساعة 6 صباحاً و مشاهدة الأخبار أثناء تناول قهوتك ؟ هذا جزء من الروتين ، الذهاب إلى الفصل 9 صباحًا هو روتين. أما ممارسة الرياضة بانتظام هي ممارسة.
و يكمن الاختلاف بين الروتين و الممارسة من ناحية:
-
المرونة:
يمكن أن يتلف الروتين الخاص بك بسبب شيء بسيط مثل الضغط على زر الغفوة بشكل خاطيء و لكن الممارسة أكثر مرونة من ذلك بكثيير.
-
زمن التطبيق:
يدور الروتين حول الإيقاع اليومي ، في حين أن الممارسة هي سعي مدى الحياة لتنفيذ و تجريب الشيء.
-
المبدأ:
الروتين هو شيء اختلقته ، و أما الممارسة فهي شيء تفعله بانتظام.
و حول دراسة روتين المبدعين ، كتب أوستن كلاونAustin Kleon ، "إنها مجموعة بارزة من السلوك البشري ، القراءة عن عادات الكتَّاب و المبدعين وحدها تشبه زيارة حديقة حيوانات بشرية.
إذ يحب بعض الفنانين الهدوء قبل أن يستيقظ الآخرون ، بينما يحب البعض الآخر الهدوء بعد أن ينام الجميع. و يتعامل البعض مع عملهم على أنه من الساعة 9 إلى 5 ، بينما يعمل البعض الآخر لساعات مختلفة.
و البعض اعتاد على القيلولة فى منتصف اليوم ، أما البعض الآخر فقد اعتاد على الجري فى نفس الوقت ، و لا يوجد روتين متشابه.
و مع ذلك ، فإن الممارسات الرئيسية عالمية تقريباً:
- تصفح الجرائد
- لحظات هادئة للتفكير و التأمل
- ممارسه الرياضه
- القراءة
- المشي
و يُعد ونستون تشرشل Winston Churchill نموذجاً رائعاً على الكيفية التي يجب أن تكون بها الحياة جيدة، مع كل من الروتين و الممارسات على حدٍ سواء .
فعندما كان في تشارتويل Chartwell ، كان يحب أن يستيقظ في نفس الوقت و يفعل نفس الأشياء كل يوم ، خاصةً عندما كان يكتب.
و قد كان هناك الوقت الذي يأخذ فيه قيلولة بعد الظهر ، و الوقت الذي يتناول فيه شرابه الأول. و كذلك الوقت الذي يقوم فيه بالاستحمام . و قد كان ذلك جزءاً من الروتين اليومي.
و لكن الممارسات الأساسية - مثل قراءة التاريخ و الشعر ، و الرسم ، هذه الأشياء تجاوزت اليوم. فهي عبارة ممارسات يفعلها مدى الحياة.
و قد كانت تلك الأشياء التي يعود الى ممارستها بصرف النظر إفيما لو اندلعت الحرب، أو إذا كان يشعر بالاكتئاب مثلاً.
إننا عندما نتحدث عن السكون و الاسترخاء ، فإننا لا نعني بالضرورة غياب النشاط .
و في الواقع ، ما نشير إليه هو الأنشطة التي تخلق السكون و الهدوء .
يكتب إيوجين هاريغال Eugen Herrigal في طرق الزن The Method of Zen ، عن البوذيين الذين مارسوا تمارين التأمل بكل هدوء خلال حدوث زلزال رهيب.
و هذا ما يمكن أن تقدمه لنا الممارسة.
و بالتالي ليس هناك الكثير من الفوائد التي يمكن أن تأتي من تلك الجائحة ، و لكن هناك شيء واحد يمكننا فعله في هذا الوقت هو استخدامها لإعادة ضبط و إعادة تنظيم العناصر الأساسية لأيامنا و حياتنا.
في عالم مليء باليأس و الفوضى و الحزن، ما نحتاجه هو الأمل و الاعتماد على أنفسنا. فجميعنا لديه القوة لخلق الطقوس الخاصة به و بناء لحظات السلام التي ننطلق منها.
ارتباك الروتين
ربما تم العبث بروتينك ، و أنا أيضاً كذلك ، و يذكرني ذلك بما عشته عندما كان لدي أطفال.
بقدر ما كنت أرغب في أن تكون الأبوة و الأمومة بسيطة، و يمكن التحكم بها ، فهي ليست كذلك على أيةحال.
فقد كان علي أن أعمل على تخفيف التزامي بالروتين الذي بنيته بمرور الوقت، و التركيز أكثر على الممارسات التي لا تعتمد على قدرتي على فعل الشيء نفسه كل يوم بطريقة مماثلة فى نفس الوقت .
و أينما كنتُ ، و مهما كان ما يحدث معي، فما أعرفه هو أنني قادر على تخصيص الوقت للممارسات اليومية ، و التمرين ، و المشي ، و الكتابة.
و يمكن أن يتغير الترتيب ، و لكن تظل الأنشطة كما هي. فلدي قواعد أيضاً.
فعلى سبيل المثال ، لا ألمس الهاتف لمدة ساعة بعد استيقاظي .
و لا أشاهد أخبار التلفزيون ، و لا أضع أكثر من ثلاثة أشياء في جدولي يومياً، و أنا دائماً أحمل كتابا معي .
و إذا لم أتمكن من القيام بهذه الأشياء أو إذا تم كسر القواعد لتلك الأنشطة ، فإن إنتاجيتي و صحتي العقلية تتأثران.
و يؤكد الباحثون أننا نفعل ذلك بشكل متكرر - عندما نتمكن من أداء تلك الممارسات بمرونة ، فإن ذلك أقل أهمية من التزامنا الديني مثلاً و ذلك لوجود الأوقات المتاحة لتلك الممارسات.
و ربما يكون لديك أطفال في منزلك ، ربما يكون عملك قائماً على التغيير و التبديل، و لا تعرف الجدول الزمني الخاص بك في الأسبوع القادم على سبيل المثال ، ربما كل شيء بالنسبة لك غير مؤكد ، لا يهم كل ذلك.
و قد يكون الروتين بعيداً عن متناول يديك، و لكن الممارسة ليست كذلك أبداً.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
لماذا يتوجب الأشخاص الأذكياء قراءة عدد أٌقل من الكتب و الاستماع إلى بودكاست (مدونات صوتية) أكثر؟