الأمعاء - المزاج
الدماغ و الأمعاء: كيف تتحدث أمعائك مع دماغك لتقوم بتغيير مزاجك؟

 هناك حديث مستمر بين الدماغ و الأمعاء ،  إليك كيفية إبقاء الأمور في صالحك .

 إنها حقيقة غريبة بعض الشيء أن مضادات الاكتئاب هي علاج شائع لمرض القولون العصبي  ،

و لكن لماذا نعطي  دواء "بروزاك " لشخص يعاني من آلام في البطن؟

تصلح  مضادات الاكتئاب لعاج تلك الحالات لأن الأمعاء و الدماغ مرتبطان ارتباطاً قوياً.،

إذ أن  ما يحدث في الأمعاء لا يبقى في الأمعاء - إنه ينتقل إلى الدماغ .

و بالفعل  يعاني أكثر من نصف مرضى القولون العصبي من اضطراب و تغيرات سيئة في المزاج .

و من ناحية أخرى ترتبط القناة الهضمية و الدماغ بالعصب الذى يربطهما  ، و يسمى أحياناً "محور الدماغ و الأمعاء".

و عادةً ما  تجرى المحادثة التي تقع بينهما من خلال هذا الطريق الذى يوصف بأنه ثنائي الاتجاه تحت سيطرة ما يسمى  "الميكروبيوم".

و هذا الأخير هو الاسم الذي يطلق  على الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أمعائك .

لقد عرفنا عن علاقة الأمعاء و الدماغ هذه من خلال دراسة عميقة منذ وقت بعيد،

و التي أفادت أن الفئران الخالية من الجراثيم تعاني من "ردود فعل فيزيولوجية مبالغ فيها للإجهاد و التوتر"،

و التي يمكن ملاحظة تغير ردود الأفعال تلك  بسهولة  و ذلك عندما يتم تزويد أحشاءهم ببكتيريا صحية .


ما يعرف باتصال "السيروتونين" :

يوجد الناقل العصبي  و الذي يطلق عليه  ناقل السيروتونين serotonin  في طرفي العصب المبهم  ،  و هو منظم مهم لرفع حالة المزاج.

و تسبب المستويات المنخفضة منه الاكتئاب  ،  و يعتبر تدهور إنتاج السيروتونين من أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تطور أعراض الاكتئاب .

و السيروتونين هو مادة كيميائية توصف بأنها تهب ( السعادة ) ،  كما تستطيع التأثير على شعورك.

إذ أن وجوده يبشر بوجود هرمون  "الميلاتونين" melatonin ،  و هو هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ و يقوم بتنظيم التوقيت الداخلي في جسدك،

كما يساعدك على النوم ليلاً بشكلٍ جيد .

 يعد السيروتونين أمراً هاماً لوظائف المخ و التحكم في الحالة المزاجية ، بيد أن أكثر من 90 ٪ من إمدادات الجسم من السيروتونين توجد في الأمعاء .

و لأول وهلة ، يبدو أن السيروتونين في الأمعاء لا علاقة له بالسيروتونين في الرأس  ، و لا يمكنه عبور حاجز الدم في الدماغ ، و هو حارس البوابة الذي يتحكم في مرور المواد الى الداخل  ، لذلك يجب على الدماغ أن يقوم بتوصيل الإمدادات بطريقته الخاصة .

و لهذا السبب ، لم يعتقد العلماء (حتى وقت قريب) أن السيروتونين في الأمعاء يمكن أن يؤثر بأي حال من الأحوال على الحالة المزاجية.

و لكن خلال العقد الماضي كانت هناك الكثير من الأبحاث و التي توحى بغير ذلك .

إذ تعمل مثبطات امتصاص السيروتونين بما في ذلك " بروزاك " عن طريق الاحتفاظ بالسيروتونين في الدماغ في محاولة لتحسين الحالة المزاجية.

كما أنه عادة ما يعيد الجسم امتصاص السيروتونين بمجرد استخدامه .

و كما يبدو أن أدوية المثبطات تلك لا تعمل في الدماغ فقط و إنما لهم آليات عملهم في الأمعاء أيضاً.

لأنه قد ثبت في بحث قد أجرى على الفئران أثبت أن تناول مثبطات " السيروتونين " قد أدى إلى زيادة كبيرة في النشاط و إلى تقليل مشاعر الآكتئاب،

و بالمثل لدى الإنسان، فقد ثبت أن التحفيز الكهربائي للعصب المبهم قد أدى الى إشارات انخفاض مستويات مشاعر الاكتئاب لدى الأشخاص المصابين بما يسمى الاكتئاب المستعصي .

و قد لا يدخل السيروتونين الموجود أمعائك إلى الدماغ ، لكنه يرسل رسائل إلى الدماغ عبر هذا العصب المبهم.

و يتم توجيه انتقال هذه الرسائل عن طريق البكتيريا الصحية في أمعائك.

و لكن ما إذا كان كل هذا يسير وفقاً للخطة أم، فلا يعتمد على مقدار "التريتوفان" tryptophan الذي تقوم باستهلاكه في نظامك الغذائي .


دور "التربتوفان"

مثل جميع الناقلات العصبية ، يتكون السيروتونين من البروتين الذى تحصل عليه في نظامك الغذائي  ، و يتكون البروتين من الأحماض الأمينية ، و يتطلب انتاج السيروتونين  وجود الحمض الأمينية المعرو ب "التربتوفان" .


و تعتمد كمية السيروتونين في الدماغ على كمية التريبتوفان الموجودة في الدماغ  ، والتي تعتمد بدورها على كمية التريبتوفان الموجودة في النظام الغذائي .

التربتوفان  هو حمض أميني "لا غنى عنه" للجسد ، مما يعني أن الجسم لا يستطيع صنعه  ، و إنما يجب الحصول عليه مباشرة من الغذاء   ،  و تلك الأحماض قادرة على عبور الحاجز الدموي الدماغي لتمكين تكيف السيروتونين بالجهاز العصبي . 

و قد ثبت أن تناول النظام الغذائي مرتبط ارتباطاً عكسياً بزيادة مستويات الشعور بالاكتئاب.

كما ثبت أن تقليل تركيزات التربتوفان يؤثر على الحالة المزاجية ، و يعيد أعراض الاكتئاب لدى المرضى الذين استجابوا بنجاح لمثبطات امتصاص السيروتونين . 

كذلك أوضح بحث تم نشره في عام 2015 في "أرشيفات التمريض النفسي" وجود تغيرات تظهر مشاعر القلق و الاكتئاب و انخفاض المزاج لدى عدد 25  من الشباب الأصحاء غير المصابين بالاكتئاب (متوسط ​​العمر 20.5)، بعد تناول نظام غذائي مرتفع أو منخفض من التربتوفان .

( يوضح هذا أن عدم تنظيم مستويات التربتوفان سواء في الزيادة أو الانحفاض قد يؤدى الى أعراض الاكتئاب و انخفاض الحالة المزاجية ) .

و في دراسة عشوائية ،  لوحظ تحسن المزاج بشكل ملحوظ على نظام غذائي عالي التربتوفان.

و كانت أعراض الاكتئاب و القلق منخفضة  بشكل ملحوظ. و مع ذلك  بعد التحول إلى نظام غذائي منخفض للتريبتوفان ، أشارت الدراسة إلى أن مزاج المشاركين قد تدهور كثيراً لدرجة أنهم وصلوا إلى حافة الاكتئاب .

كذلك وجدت دراسات مماثلة ، أجريت على مدى 40 عاماً ، أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات اكتئابية كبيرة فانه يقلل التربتوفان من حالات  سوء المزاج .

مثل السيروتونين ، يعمل التربتوفان في الدماغ لتنظيم الحالة المزاجية ، و لكن العمل الحقيقي قد يكون داخل الأمعاء.

فقد  أظهرت الدراسات أن  "الميكروبيوم" المعوي يقوم بتنظيم انتاج التربتوفان السيروتونين   ، الميكروبيوم : و هو الكائنات المجهرية في المعدة .

و من أجل التحكم في تلك المحادثة التي تقع بين الأمعاء و الدماغ ، تحتاج إلى القيام بأمرين :

  1. الأول هو،
    رفع مستويات السيروتونين عن طريق استهلاك كميات كافية من التربتوفان في نظامك الغذائي ،

  2. و الثاني هو،
    تغذية "الميكروبيوم" المعوي بشكل جيد .

"إن توافر التربتوفان يتأثر بشدة بميكروبات المعدة"


أفضل مصادر الحصول على التربتوفان:

في الولايات المتحدة ، تبلغ الكمية اليومية الموصى بها من التربتوفان للبالغين 5 ملغ / كغ من وزن الجسم يومياً.

و لا يوجد حالياً في المملكة المتحدة توصية رسمية للكمية التي قد يوصي بها للجسد من التربتوفان .

و توفر مصادر البروتين الأساسية مثل اللحوم و الأسماك ، أعلى مستوى من الأحماض الأمينية التربتوفان اللازمة لصنع السيروتونين .


العناية بالميكروبيوم المعوي الخاص بك

يسمى الميكروبيوم المعوي في بعض الأحيان بـ الدماغ الثاني.

و يتكون هذا الدماغ الثاني و المعروف تقنياً بالجهاز العصبي المعوي  من شبكة تضم أكثر من 100 مليون خلية عصبية تبطن الجهاز الهضمي.

و يتفاعل مع هذه الخلايا العصبية ما يقرب من 100 تريليون وحدة من البكتيريا ، مما ينتج عنه وزناً يبلغ حوالي 4 أرطال تقريباً.

و يجب التعامل مع الدماغ و الأمعاء بحساسية شديدة و بطرقية مناسبة. 

لأن  عدم التوازن بين البكتيريا الصحية و غير الصحية، يمكن أن يؤدي الى اختلال نظام القنوات الهضمية و إحداث ارتباك لرسائل السيروتونين في الدماغ . 

و من خلال تناول الطعام المناسب ، يمكنك التحكم في مستويات البكتيريا في أمعائك لصالح "الميكروبيوم" الصحي.

و سيكون هدفك هو اتباع نظام غذائي غني "بالبروبيوتيك"  و هو(البكتيريا الصديقة)  و "البريبايوتكس" : و هو الطعام الذي يغذى ذلك النوع من البكتيريا .



عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.


 ننصحك بقراءة المقالات التالية :

بكتيريا الأمعاء تؤثر على المزاج ، و تمنع الاكتئاب

العلاقة بين بكتيريا الأمعاء و الدماغ : هل تسيطر علينا الميكروبات؟

بكتيريا الأمعاء و الصفات الشخصية : هل يمكن لها التنبؤ بشخيصتك ؟


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن