كتب الدكتور ديباك تشوبرا
يمكننا القول أن تطوير الذكاء العاطفي ليس أمراً صعباً، و أن له دور مهم في مواجهة قوة عاطفة غير مرغوب فيها مثل الخوف و القلق .
و بالتأكيد فإن كل ما عليك فعله هو الملاحظة و الانتباه.
و من خلال التوقف و الانتباه للأحداث في لحظة حدوثها، يمكنك ملاحظة الآلية التي تتصرف بها في أي لحظة، و تطوير أفعالك و تفاعلاتك بطريقة تفاعلية و ليست انفعالية .
بالنسبة للعديد من الشباب ، فإن تفشي فيروس كورونا COVID سيجلب تجربتهم الأولى للخوف و القلق كمزاج منتشر بين أغلب الناس.
و كمجتمع فنحن خائفون من الخوف ، و يمكننا في معظم الوقت أن ندير ظهورنا له. و لكن هذا النوع من الإنكار غير قابل للتطبيق في الأزمات.
إذ أنه و بينما تتصاعد الأخبار السيئة يومياً و يصبح المجتمع أكثر قلقاً من أي وقت مضى ، ينغمس عدد لا يحصى من الناس في مصفوفة الخوف دون معرفة كيفية الهروب منها.
و يمكن للقوى الاجتماعية أن تدفعك للمشاركة في مصفوفة الخوف أكثر و أكثر، و بالتأكيد لا يستطيع المجتمع إخراجك منه. و بالفعل فالهروب هو شيء يجب على كل شخص مواجهته بمفرده.
و بالنسبة لي فأنا أعتقد أن تحرير نفسك من الخوف و القلق أمر ممكن. و أكثر من ذلك ، يمكنك تعلم كيفية التحرر من الخوف لفترة طويلة بعد مرور أزمة كورونا COVID.
المفتاح الحقيقي هو رعاية و تعزيز الذكاء العاطفي
للعلم إن هذا المصطلح "الذكاء العاطفي" قد أثير حوله الكثير من الاهتمام قبل بضع سنوات ، و لكن قيمة الذكاء العاطفي لا تتغير أبداً. إذ أنك عندما تركز عليها ، ستحقق شيئاً يستحق العناء مدى الحياة. و فيما يلي ستة مبادئ لإرشادك خلال العملية التي يجب أن ترعاها.
- الالتزام بعدم الشكوى أو الانتقاد أو لعب دور الضحية.
- تخيل لنفسك مستقبلاً مبدعاً و إيجابياً.
- لا تندم على الماضي، فهو لم يعد موجوداً.
- كن حاضراً في كل موقف عند حدوثه.
- كن مستقلا عن نقد أو موافقة الآخرين.
- كن متجاوباً مع النتائج و ردود الأفعال.
و من الإنصاف القول أنه لا يكاد أن يوجد أي شخص إلا و انتبه إلى هذه المبادئ من خلال التجربة و الخطأ أو من خلال تجربة الحياة.
و يمكن للشخص أن يعيش فترة طويلة دون الانتباه إلى الذكاء العاطفي emotional intelligence. و من المُلفِت أنه بين الرجال ، تشير كلمة "العاطفة" في كثير من الأحيان إلى شيء غير مرغوب فيه ، كما لو أن إظهار الحساسية العاطفية يعتبر علامة على الضعف.
و لكن الذكاء العاطفي محايد بين الجنسين. و يمكننا أن نجزم بأن حقيقة أن البشر يمكنهم ملاحظة عواطفهم هي سمة مميزة.
بمجرد أن تبدأ -أنت- في ملاحظة عواطفك ، يمكنك مواجهة قوة عاطفة غير مرغوب فيها مثل الخوف و القلق.
و سواءً أعترفنا بذلك أم لا ، فإن العواطف تبهرنا ، كما تعرف هوليوود ذلك جيداً. فالتعاطف مع العواطف على الشاشة أمر سهل و ممتع ، و لكننا مرتبطون جداً بمشاعرنا الخاصة ، و لا يتطلب الأمر سوى القليل من القلق و الإذلال، و العار، و الرفض و الفشل، في تدريبنا على تجنب مجال المنْجم الكبير للعواطف -في الداخل- بشكل عام.
لذا يجدر القول أن تطوير الذكاء العاطفي ليس مخيفاً أو صعباً. فكل ما عليك فعله هو الملاحظة و الانتباه. و بالتأكيد فإنه من خلال التوقف قليلاً و الرجوع للأحداث في لحظة حدوثها، يمكنك ملاحظة كيف تتصرف في أي لحظة.
طريقة الأسئلة الموجهة للذات
و يمكنك حتى تحويل المبادئ الستة إلى أسئلة تطرحها على نفسك، بالطريقة التالية:
- هل أشكو، أو أنتقد، أو ألعب دور الضحية؟
- هل أرى مستقبلي بطريقة إبداعية و إيجابية؟
- هل أعيش الماضي بلا جدوى؟
- هل أرى ما يحدث الآن؟
- هل أخشى النقد الموجه لي من الآخرين او أنه لدي رغبة شديدة للحصول على موافقتهم؟
- هل أستمع إلى ما يحاول الآخرون إخباري به؟
هذه ليست أسئلة غامضة أو ميتافيزيقية. إذ يمكننا التوقف لسؤالها في أي وقت نريد ، و يجب علينا فعل ذلك حيال أنفسنا.
و لكننا -للأسف- محبطون بسبب التكيف القديم، وعادات الشعور بعدم الارتياح تجاه عواطفنا.
و كذلك فهناك قدر كبير من الضغط الاجتماعي للتصرف بذكاء عاطفي منخفض للغاية ، و هو نوع من التراجع عن مستوى الشعور.
و نتيجة لذلك نعمل بطرق هزيمة الذات.
و هنا إليك بعض الأمثلة:
- نكرر نفس ردود الأفعال في معظم الحالات.
- نحن نقلد سلوك الآخرين ، بدءاً من عائلتنا.
- نتصرف بطريقة الدافع دون أدنى فكرة ثانية.
- نحن لا نرى حقاً كيف يتفاعل الآخرون معنا.
- نحن نترك المشاعر السلبية مثل، الخوف و الغضب و الحسد و الاستياء، تأخذ طريقها و مفعولها.
- نستسلم بسهولة إلى الإنكار و نطلب (بل نسعى) إلى التشتيت الخارجي.
ما نحتاجه ليس ضبط النفس العاطفي بل المرونة العاطفية
و لكن هناك طريقة كاملة للحياة متضمنة في هذه الأمثلة ، فعندما يتصاعد الخوف الجماعي ، كما هو الحال الآن ، فغالباً ما يكون لدى الناس فكرة ضئيلة أو معدومة عن كيفية الهروب. و يصبح الإنكار والتشتيت أكثر حدة ، و يصبح لعب دور الضحية أكثر إغراء من المعتاد.
و بدلاً من ذلك ، نقول لأنفسنا أننا بحاجة إلى البقاء تحت السيطرة الذاتية أكثر من أي وقت مضى. و لكن ما نحتاجه ليس ضبط النفس العاطفي بل المرونة العاطفية emotional resilience.
المرونة العاطفية
هي أهم جانب من جوانب الذكاء العاطفي. غذ تسمح لمشاعرك بالارتفاع و الهبوط بشكل طبيعي ، دون محاولة إيقافها أو السيطرة عليها. و بمجرد أن تمر المشاعر ، ستشعر بتحسن ، و يمكنك العودة إلى حالة من السلام و الهدوء.
و على عكس المرونة العاطفية يمكنك أن ترى الناس عندما يكونون متيبسين، متجمدين عاطفياً ، متحفظين ، معبأين من الداخل ، مذنبين ، منعزلين ، فخورين ، أو بعيدين.
و في كل هذه الحالات ، فإن التجربة السابقة تجعل بعض المشاعر غير مقبولة. و عندها ستكون الطريقة الوحيدة للتعامل معها (مع المشاعر) هي من خلال التجنب. و هنا يمكن أن يتذكر المرء القول المأثور:
أن الأشجار يمكن أن تنقلع خلال العاصفة، في حين أن الأعشاب تنحني دون أن تنكسر.
في دلالة على تصلُّب الأشجار و مرونة الأعشاب.
و بما ان الذكاء (و العقل الذكي) بطبيعته هو الراحة و اليقظة و الهدوء و السلام ، فإن حالة التوازن هذه هي الأساس لتطوير الذكاء العاطفي. و ما تحتاجه هو تجربة التوازن من أجل العودة إليه حسب الرغبة و عند الضرورة.
و هذه التجربة تأتي بشكل طبيعي للجميع، ما لم يتم التخلص منها من خلال التوتر و الضغوط و الأزمات. و بعد أن تأتي التجربة سيستغرق الأمر القليل من التدخل من جانبنا ، من خلال التأمل ما أمكن ذلك.
إذ أن التأمل لا يعيد العقل إلى حالته المتوازنة فحسب ، بل يسمح لك أيضاً بمراقبة ما يحدث، و تجربته بشكل مباشر، و التعرف على الحالة الذهنية الهادئة ايضاً.
و في النهاية ، هذه هي الطريقة التي يمكن بها الهروب من الخوف بشكل دائم. و في الوقت نفسه ، يمكن للجميع الاستفادة من هذه الطريقة في تخفيف القلق الذي يعاني منه في كل مكان حوله.
و بالتأكيد فإن الذكاء العاطفي له دورٌ حيويٌ في توسيع الوعي، و في جعل المرء خالياً من التوتر و القلق في الوقت الحاضر.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
المعنى الحقيقي لـ الحكمة - ديباك شوبرا