مدى فعالية "حمامات الصوت" في مواجهة التوتر و الألم و الغضب و الارتباك
تخيل أنك تجلس في غرفة هادئة و عيناك مغمضتان، تنفسك بطيء و متساوي، عضلاتك مسترخية، يتسلل إليك ضوء الشمس من خلال نافذة قريبة، مدفئاً الهواء من حولك. و كل شيء هادئ.
و لكن بعد ذلك و دونما سابق إنذار، تنطلق صرخة صفارات الإنذار القريبة أو ينفجر بوق سيارةٍ ما، محطماً هذا الصمت.
تأثير حمامات الصوت على الإنسان
لعقود من الزمن، عرف العلماء (و محررو أصوات أفلام الرعب) أن هناك أشياء قليلة تثير القلق مثل الضوضاء الصاخبة وغير المتوقعة.
فقد أظهرت الأبحاث التي أجريت على الحيوانات أن التعرض للضوضاء ينشط آليات التوتر في الدماغ ويؤدي إلى إفراز الهرمونات المتعلقة به، مثل الكورتيزول.
و قد وصفت منظمة الصحة العالمية التلوث الضوضائي Noise pollution بأنه "أحد أهم المخاطر البيئية على الصحة" والتي قد تتسبب في أمراض القلب و اضطرابات الصحة العقلية و غيرها من الحالات المرتبطة بالتوتر.
و لكن إذا كانت هناك أصوات معينة لديها القدرة على الازعاج، و حتى التسبب في الاختناق، فمن المنطقي أن أصواتاً أخرى لديها القدرة على التهدئة. و هناك أدلة على أن حمامات الصوت sound baths ، المعروفة باسم التأمل الصوتي sound meditation
و الممارسات الصحية الأخرى القائمة على الصوت قد تكون علاجية بشكل فريد.
تقول تامارا غولدسبي Tamara Goldsby ، الباحثة في علم النفس بجامعة كاليفورنيا the University of California ،
سان دييغو: "يمكن للصوت – و خاصة تأملات الصوت الشفائية باستخدام أوعية الغناء التبتية Tibetan ، و الأجراس، و أوعية الغناء المصنوعة من حجر الكوارتز- أن تكون مهدئةً للغاية".
الأثر الإيجابي للتأمل الصوتي في تخفيف التوتر و الألم و الغضب و الارتباك
في دراسة أُجريت عام 2017 ونُشرت في مجلة Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine ، طلبت غولدسبي و زملاؤها من 62 رجلاً و امرأة أخذ حمام صوتي لمدة ساعة واحدة.
و قد تضمن ذلك الاستلقاء على حصيرة يوغا و الاستماع إلى الأصوات التي تصدرها مجموعة من أوعية الغناء التبتية و البلورية، و الأجراس، و آلات الديدجيريدو didgeridoos ، و غيرها من الآلات الصوتية.
و لم يُطلب من الأشخاص الخاضعين للدراسة ممارسة التأمل الرسمي؛ بل سُمح لهم بترك أذهانهم تهيم، و أن يستسلموا للنوم إذا شعروا به.
و قد كان قد ملأ المشاركون في الدراسة -قبل و بعد جلسة التأمل الصوتية- استبيانات مصممة لقياس مستويات التوتر و الغضب و القلق و الاكتئاب و الألم و غيرها من جوانب الصحة البدنية و العاطفية.
و لوحظ أنه بعد الجلسة التي استغرقت ساعةً من الزمن؛ قد تحسنت كل هذه المقاييس بشكلٍ ملحوظ، بيد أن التأمل الصوتي كان فعالًا بشكل خاص في مواجهة التوتر و الألم و الغضب و الارتباك.
تقول غولدسبي:
"يبدو أن التأمل الصوتي يعمل جزئياً من خلال إيقاف استجابات التوتر الخاصة بآلية القتال أو الهروب بالجسم – و هي نفس الاستجابات التي تعمل الأصوات الصاخبة أو غير المتوقعة على تنشيطها".
و توضح غولدسبي قائلة:
"أن الشفاء الصوتي يقاوم استجابة (التوتر) تلك عن طريق استدعاء الجهاز العصبي نظير الودي، الذي يبطئ معدل ضربات القلب، و يقلل من ضغط الدم، و ينشط الشفاء في الجسم".
أصوات معينة لها تأثير إيجابي كبير
علاوةً على قدرة الصوت على إحداث الاسترخاء ومقاومة التوتر، تقول غولدسبي، أن هناك تكهنات بأن أصواتاً معينة – و تحديداً، النبضات التي تنشأ من خلال إنتاج نوعين مختلفين من الترددات الصوتية في نفس الوقت - قد تحول نشاط الدماغ إلى حالات من الموجات الدماغية المفيدة.
تماماً مثلما تتذبذب الأصوات بترددات مختلفة، و التي يتم قياسها بالهرتز Hertz، فكذلك النشاط الكهربائي للدماغ يتم قياسه بذلك.
و هناك أدلة على أن الاستماع إلى نغمات محددة بكلتا الأذنين قد يعدل النشاط الكهربائي للدماغ بطرق تقلل من القلق و الألم بالإضافة إلى تعزيز الذاكرة و تحسين الانتباه.
و يُذكر ان دراسة غولدسبي لم تشتمل على مجموعة مراقبة، و بالتالي لم تستبعد التفسيرات الأخرى للتأثيرات التي لاحظتها هي و زملاؤها.
على سبيل المثال، يمكن للاستلقاء -ببساطة- على حصيرة اليوغا، لمدة ساعة، أن يقلل من التوتر و الألم و ما إلى ذلك).
و لكن هناك المزيد من الأبحاث التي تشير إلى أن بعض الأصوات و الترددات الناتجة عنها قد تكون لها خصائص مهدئة أو علاجية.
و قد كشفت دراسة نُشرت عام 2015 في مجلة Pain Research and Management أن خمسة أسابيع من محاكاة الصوت منخفض التردد – و هو بشكل أساسي، مزيج من الأصوات و الترددات المحددة بدقة - حسّنت بشكلٍ كبير من النوم، و قللت الإحساس بالألم لدى 19 شخص يعانون من الألم العضلي الليفي fibromyalgia.
و يقول لي بارتل Lee Bartel ، أحد العاملين على هذه الدراسة و أستاذ فخري في كلية الموسيقى وعلوم التأهيل بجامعة تورنتو University of Toronto’s Faculty of Music and Rehabilitation Sciences Institute:
"عندما تعرّض الأذنين لنبض متناسق كلياً، ستلاحظ زيادة في عدد الخلايا العصبية التي تنطلق عند هذا المعدل".
و بعبارة أخرى، فإن تعريض الدماغ لأصوات معينة أو ترددات اهتزازية يبدو أنه يدفعها نحو حالاتٍ مماثلة من النشاط.
يقول بارتل: إن حالات موجات الدماغ المختلفة مرتبطة بأنماط مختلفة من الإدراك أو اليقظة.
و على سبيل المثال:
- يرتبط نشاط دلتا delta activity في نطاق 1 إلى 4 هرتز بالنوم،
- ويرتبط نشاط ثيتا theta activity في النطاق من 4 إلى 7 هرتز بالاسترخاء و التفكير الإبداعي،
- و يرتبط نشاط بيتا beta activity في النطاق من 12 إلى 20 هرتز بحل المشكلات المعقدة والتركيز.
و من خلال دفع الدماغ نحو هذه الحالات المختلفة، يقول بارتل، فإنه من الممكن أن تؤدي بعض العلاجات القائمة على الصوت إلى تحسين النوم و علاج القلق، و زيادة التركيز بالإضافة إلى فوائد أخرى.
و هناك أيضاً أدلة على أن العلاجات القائمة على الصوت أو الترددات قد تغير من نشاط الخلايا المتخصصة بطرق تحسن من تدفق الدم أو صحة العظام.
هناك حاجة لمزيدٍ من البحث
جميع هذه الأمور التي ذكرناها، مبشرة للغاية، إلا أن بارتل يقول أننا نفتقر إلى البحث حتى الآن – و هذا صحيح بشكلٍ خاص عندما يتعلق الأمر بالأوعية الغنائية و غيرها من الأشكال "الغريبة" من العلاج الصوتي.
و يضيف: "عندما تنظر إلى العديد من الادعاءات و النظريات المتقدمة على الإنترنت تحت عنوان" العلاج الصوتي"، فإنك تجد أن الكثير منها يندرج تحت شعوذة العصر الجديد بدون أساس علمي حقيقي".
و بينما يعمل بارتل، و باحثون آخرون على ترسيخ علم العلاج بالاهتزاز الصوتي، تشير الدراسات التي أجريت حتى الآن،
على التأمل الصوتي و الأشكال الأخرى للشفاء الصوتي إلى أن الممارسات الشائعة - بما في ذلك حمامات الصوت التي أصبحت الآن شائعة في نوادي اليوغا في جميع أنحاء الولايات المتحدة – آمنة على أقل تقدير و قد تكون لها قيمة علاجية حقيقية.
و تضيف اخيراً غولدسبي قائلة:
"إن الصوت ظاهرة شخصية جداً، و قد يلقى الأشخاص المختلفون صدى لدى أنواع معينة من العلاجات الصوتية".
و بالتالي يمكن أن "تجرب أنواعاً مختلفة من العلاجات الصوتية لتلاحظ الأفضل بينها".
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :