العقل
العقل المتوازن : دور التأمل كنموذج أفضل ديباك شوبرا

يستخدم العقل بعض التقنيات لإعادة التوازن إلى نفسه، و لـ التأمل دور يقوم فيه بالعمل على تعميق ما يفعله العقل مسبقاً بشكل طبيعي .

و أنا أعتقد أن التأمل لن ينجح ما لم يكن لدى العقل مسبقاً آلية لإعادة التوازن.

, الآن، و بما أن التأمل قد انتشر على نطاق واسع ، فقد حان الوقت لفهم أسباب نجاحه.

حيث تعطي النتائج الفيزيائية المقاسة بعلم الأعصاب تلميحات مثيرة حول التغييرات في نشاط موجات الدماغ ، و هذا تأثيرٌ, و ليس سبب.

و ينطبق الشيء ذاته على التغيرات الفيزيولوجية خارج الدماغ ، مثل انخفاض معدل ضربات القلب و ضغط الدم .

و هكذا ، فإن كيفية و سبب التأمل يجب أن تكون " موجودة بشكل أساسي و دائم in here " ، في التجربة الذاتية للمتأمل.

إذ لا يعتبر سلوك تقنيات التأمل طريقاً غامضاً .  حيث أن دراسات الألم تعتمد على مقدار الألم الذي يشعر به الشخص ؛ إذ لا توجد وسيلة موضوعية لقياس هذا.

أما في حالة التأمل ، فإنني أؤمن بأن النموذج الصحيح يكمن في أن العقل عندما يكون في حالة  التأمل إنما يعيد التوازن إلى نفسه. و قد عرفت الدراسات الطبية منذ فترة طويلة أن الجسم يميل نحو حالة من التوازن الديناميكي المعروف باسم حالة التوازن homeostasis.

فإذا قمت بدفع جسمك إلى خارج هذا التوازن عن طريق جرف الثلج من الممر أو كنت تجري في  سباق الماراثون ، فإنه وبمجرد إيقاف هذا النشاط ، فإن كلاً من معدل ضربات القلب و ضغط الدم و الأكسجين المستخدم في العضلات

و حتى الهضم و الجهاز المناعي تعود كلها إلى حالة التوازن المتماثل homeostatic balance .

و هنا، لابد من الإشارة إلى أن هناك شيء مشابه لهذا تدعمه الدراسات النفسية في حالة الانفعال أو العاطفة -  حيث يبدو أن لدى الجميع نقطة محددة لمستوى من المزاج يعودون إليه بعد حدث عاطفي ما

و سواءً أكان ذلك الحدث سعيداً أم حزيناً.  إلا أن المفهوم الذي يتناول أن العقل يعيد التوازن إلى نفسه يعتبر فكرة جديدة .

إننا جميعاً نولي اهتماماً رئيسياً للنشاط الذي يدور في رؤوسنا ، و لا يستغرق هذا النشاط سوى فترات مؤقتة قصيرة هنا و هناك ، و ذلك في انتظار الوقت الذي ننام فيه ، حيث يتوقف النشاط الواعي ( إلا في الأحلام).

لذلك لم يبدُ أبداً أن العقل يعيد التوازن إلى نفسه. و في الواقع  ، ما الذي سيبدو عليه الأمر ؟؟

إنني أعتقد أن التأمل لن ينجح ما لم يكن لدى العقل مسبقاً آلية لإعادة التوازن rebalancing mechanism. كما أن الأمر لا يبدو كما لو كان التأمل شيئاً سحرياً.

فهو (التأمل) يقوم فقط بالعمل على تعميق ما يفعله العقل مسبقاً بشكل طبيعي ، و هي الطريقة التي تعمل بها تقنيات الاسترخاء على تعميق الحالة المريحة التي يعود إليها الجسم في حالة التوازن homeostasis .

و إذا نظرنا عن كثب في تجربتنا الخاصة ، فإنه ليس من الصعب تحديد الحالات الذهنية التي تعيد التوازن إليها.

و لذلك فإن الأسماء التي نعطيها لأنواع مختلفة من تقنيات التأمل تبين لنا الطريق و توضحه .

  • التركيز الكامل للذهن Mindfulness
  • التحقيق أو الاستجواب الذاتي Self-Inquiry
  • الانعكاس Reflection
  • التأمل Contemplation
  • التركيز Concentration
  • الدعاء أو الصلاة Prayer
  • العقل الهادئ Quiet mind
  • التنفس المخطط أو المسيطر عليه  Controlled breathing
  • النعيم  أو الجنة Bliss

إنني أعتقد أن هذه التقنيات هي ببساطة طرق لتعميق عملية يستخدمها العقل بشكل مسبق لإعادة التوازن إلى نفسه.


عملية التركيز الكامل للذهن  : Mindfulness
  

التركيز

تعتبر عملية التركيز الكامل للذهن Mindfulness هي الكيفية التي يعيد بها العقل التوازن لحالة الإلهاء و التشتت التي تصيبه . و فيها يتم إرجاعك إلى اللحظة الحالية.

و هذا هو المكان الذي تعيش فيه كل خلية في جسدك. و هو أيضاً المكان الذي ينبغي للعقل أن يعيش و يحيا فيه .


التحقيق أو الاستجواب الذاتي
 : Self-Inquiry

الاستجواب الذاتي، هو الكيفية التي يعيد بها عقلك التوازن للعادات.

فعندما تسأل نفسك ، "لماذا أفعل هذا؟" ، فأنت بذلك تقوم باستحضار خيار واعٍ، في موقفٍ كانت تحكمك فيه:

  • العادات،
  • و الروتين
  • والسلوك الاستحواذي
  • و ردود الفعل التلقائية و الغافلة
  • و المعتقدات البالية.

 

الانعكاس Reflection  : 

و هو الكيفية التي  يعيد فيها عقلك التوازن إلى حالة الطيش و عدم الاكتراث.

حيث تنظر بعين الاعتبار إلى سلوكك ، و تقوم بفهم أو تصور الحالات التي تؤدي إلى سلوك الهزيمة الذاتية أو التهور و الاهمال أو الاستهتار، و أنت تدرك بالفعل ما يحدث .

فالعقل عميق و كثير التفكير عندما ينعكس على نفسه أو يفكر ملياً بنفسه .


التأمل  :Contemplation
 

إن التأمل، هو الكيفية التي يعيد فيها عقلك التوازن إلى حالة الارتباك أو الفوضى .

فعندما تواجه خيارات متعددة ، لكل منها نقاطها المؤيدة والمعارضة ، فأنت تقوم  بفرز كل شيء عن طريق التفكير في الموقف حتى تحصل على الوضوح و الصفاء.

و هكذا فإن العقل يفضل بطبيعة الحال الوضوح على الارتباك أو الحيرة .


التركيز  : Concentration
 

و يعرف على أنه الكيفية التي يقوم بها عقلك بإعادة التوازن إلى حالة اللاهدف  أو العبث أو ما يمكننا أن نسميه بالحمق .

إذ أنه من غير المعقول القيام بعمل مهمل أو غير مدروس ،  وجود آراء طائشة ، والتواصل مع أشخاص آخرين بطريقة كسولة و مهملة.

و عندما تشعر أن الحياة لا طائل من ورائها فإن ذلك يخلق العديد من أنواع المشاكل.

كما أنه و من خلال تركيز العقل على نفسه ، فإنه يصبح متشبعاً بشيء عميق بما فيه الكفاية بحيث يصبح هناك غاية ما .

و هذا يرضي رغبة العقل الطبيعية في إيجاد حياة ذات معنى.


الصلاة أو الدعاء  Prayer :
 

الصلاة و الدعاء

الدعاء أو الصلاة هي الكيفية التي يعيد فيها عقلك التوازن إلى حالة العجز التي قد تنتاب المرء. 

إذ أنه و من خلال الاتصال بقوة أعلى ، لم تعد تشعر بالعزلة ، والوحدة ، و الضآلة أو الضعف ، و الضياع .

تلك هي صفات العجز ، و قد دعا البشر الله أو الآلهة لعدة قرون، وصلُّوا لهما، و ذلك من أجل جذب قوة أعلى و استحضارها إلى حياتهم .

و هكذا فإن العقل يريد بطبيعة الحال أن يتخلص من الشعور بالعجز.


عقل هادئ Quiet mind
: 

عقل هادئ

العقل الهادئ، هو الكيفية التي يعيد فيها العقل التوازن إلى حالة الأرق و القلق .

فالعقل  يعمل باستمرار على معالجة الحياة اليومية والتحديات التي تواجهها ، و لكن عندما يصبح النشاط العقلي مضطرباً ،  عندها يكون هناك خطر الإرهاق (الاستنزاف) و القلق و التهيج أو الهيجان العقلي .

إذ أن العقل يريد بطبيعة الحال أن يكون هادئاً عند ما لا يوم هناك حاجة للنشاط .

و حيث أن السلام و الهدوء يكمنان في القناعة البسيطة للوجود ، إلا أنه  هناك أيضاً احتمال مواجهة الوضع التالي الذي يتطلب استجابة معينة ما .


التنفس المخطط أو المسيطر عليه  Controlled breathing :
 

و هو الكيفية التي يعيد فيها العقل التوازن إلى حالة  التوتر أو الإجهاد Stress .

و يعرف التوتر على أنه مصطلح، الذي ابتكرناه لحالة ذهنية غير متوازنة و جسم غير متوازن نتيجة للضغط. و فيها يصبح التنفس سريعاً و غير منتظم .

و قد تظهر العديد من علامات الخلل خلف الكواليس.

و هكذا فإن التنفس مرتبط بكامل مسألة الاستجابة للضغوط.

إذ أنه و عن طريق أخذ بعض الأنفاس العميقة ، و التنهد بعمق ، أو النوم ( و هي حالة طبيعية للتنفس المنتظم و المسترخي ) ، يمكننا اتخاذ خيار للعودة إلى حالة التوازن.


النعيم  أو السعادة Bliss :
 

و هو الكيفية التي يعيد فيها عقلك التوازن إلى حالة المعاناة .

حيث أن العقل  يفضِّل بشكل طبيعي الرفاهية و السعادة على المعاناة ، و ذلك بغض النظر عن مقدار ما نبرره من أسباب و منطق  بأن بعض أشكال المعاناة جيدة بالنسبة لنا. إن كلاً من النعيم ( السعادة) ، الفرح ، أو النشوة و الابتهاج هي حالة من السعادة الكاملة.

و من الواضح أنها تجيء على نحو لا يمكن التنبؤ به ، إلا أننا مررنا بها جميعاً ، و ما يريده العقل هو أن يتواجد هناك في تلك الحالة قدر الإمكان.

إن النعيم ( السعادة ) هو حالة طبيعية. و المعاناة هي عبارة عن تشوه و تحريف غير طبيعي ، و هي نوع من الذبذبات السيئة المستمرة التي تدمر ذبذبات العقل الجيدة.

إن هذا النموذج الجديد يتناقض مع وجهات النظر القديمة حول اعتبار العقل وكأنه قرد و هي استعارة غالباً ما يتم الاستشهاد بها من التقاليد الهندية ، أو مثل الصراع بين الفضيلة والخطيئة أو الملائكة والشياطين ، والتي (المصطلحات) هي في الغالب ما تكون مسيحية بشكل أكبر.

إننا بحاجة إلى تجاوز الاستعارات الآن . إذ من الواضح أن العقل البشري هو مصدر أعظم إنجازاتنا.

وهذا وحده كاف لدعم فكرة أن العقل ليس ساحة معركة للسعادة مقابل المعاناة.

إن العقل هو عملية توازن ذاتية  في حركة ديناميكية ثابتة و مستمرة تخضع للاختلالات (اللا توازن) التي تخلق الصراع والارتباك والمعاناة.

 إن ميزة هذا النموذج هو أنه يسمح للتأمل أن يصبح أكثر مركزية كطريقة أو شكل للشفاء.

فمن خلال إبراز و تأكيد قدرة العقل على إعادة التوازن وتعميقه ، وعن طريق وضع الميول الطبيعية للعقل تحت سيطرتنا الواعية

فإن التأمل بجميع أشكاله هو الطريقة الأكثر طبيعية لشفاء عقولنا من الصعوبات اليومية ، دون وجود أي آثار جانبية. و لذلك  ، و انطلاقاً من هذا الأساس المتواضع ، يمكن استكشاف جميع وعود الوعي الأعلى و الأسمى ، لأنها مجرد تعميق إضافي لنفس العمليات.

بقلم الدكتور ديباك شوبرا



عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.  


ننصحك بقراءة المقالات التالية :

سر التأمل Meditation

الواقع و العقل : لغزان يجب على الجميع حلهما

هل النفس أو الذات هي المعالج المطلق ؟ ديباك تشوبرا


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن