إن هذه الحالة الضبابية تحدث في الدماغ لسبب ما، دعوني اسرد عليكم حالتي الخاصة. ذات مرة -ليس بفترة طويلة- وقبل وفاة زوجي بسبب السرطان ، كنت شخصاً لي مقدرة كبيرة و مميزة.
إذ أنه كان بإمكاني أن أقوم بمهام متعددة خلال أيام العمل و لمدة تصل إلى أربعة عشرة ساعة، و كنت أيضاً أستطيع التنقل بين عشرات المهام و تأديتها بكفاءة عالية.
فقد كنت أذهب إلى متجر الأجهزة لشراء البند X ، وأثناء وجودي هناك ، أتذكر أيضاً انه ينبغي علي الحصول على العنصرين Y و Z.
لقد كان بإمكاني تشكيل جمل مختلفة، والعثور على كل الكلمات الصحيحة في لعبة الكلمات المتقاطعة. وقد كان أيضاً بإمكاني اتباع حجة منطقية و السؤال عن الثغرات في الأحاديث و الحجج.
أما الآن فأنا لم أعد هذا الشخص.
آمل أن يكون لدي نفس الدماغ ليعمل مرة أخرى بشكلٍ صحيح في يوم من الأيام ، ولكنني الآن أتعلم كيف أعيش مع هذه الحالة الضبابية الثابتة و التي تخيّم على مشابك العصبية في دماغي.
في البداية ، اعتقدت أن هذه الحالة ربما تكون بسبب قلة في النوم ، مثلما حدث بعد أيام من ولادة ابننا الصغير ، و لكنني أراقب الساعة من تسع إلى عشر ساعات في الليلة. وهذا ليس استنزافاً لصحتي و لحياتي للحياة ، مثلما كنت أوازن بين العمل في المزارع و العمل بدوام كامل.
و بعد ذلك قرأت بعض الكتب عن الكآبة grief و الحزن العميق (خاصة ذلك الحزن الناجم عن فقدان شخص محبوب) ، وتحدثنا عن الكآبة من الناحية الفيزيولوجية ضمن مجموعة لدعم حالة الفقد التي أعاني منها ، وأدركت -تماماً- أن عقلي لم يتوقف عن العمل.. إنه مشغول -في التفكير لا أكثر.
وعلى المستوى الأساسي لدينا -نحن كحيوانات- وعلى الرغم من أنني أعرف أن زوجي قد توفي ، فإن عقلي يواجه مشكلة في فهم هذا الأمر.
وعلى ما يبدو ، وضع ذهني قدراً كبيراً من "أين زوجي؟" على الحرّاق الخلفي لموقد تفكيري. إنه يحاول التوفيق بين أكثر من 11 عاماً من الذكريات حيث كان زوجي – دائماً- قريبٌ مني، و بين الواقع الحالي المتمثل في عدم وجوده.
إنشاء الوصلات و الروابط
لعدة أشهر بعد أن فقدت زوجي، لم أستطع التغلب على ذاكرتي عن آخر أربعة أيام. وفي بعض النواحي ، كانت تلك الأيام جميلة ومثالية. ولكن كان من المروع للغاية معرفة أنه محاصر داخل جسده المشلول ، غير القادر على التواصل.
و لكن لا يزال بإمكاني رؤية عينيه ، و اللتان دائماً ما كانتا مفتوحتان و لامعتان قليلاً. لقد بقيت أشعر بأنه كان يحاول أن يقول لي شيئاً.
هذه الذكريات أرعبتني.. كيف يمكنني أن أتذكر زوجي بشكلٍ دائم؟
كيف يمكن لتلك الأيام الأربعة الأخيرة أن تمحي كل الذكريات السعيدة التي عشناها معاً؟
ماذا لو أنني بدلاً من أن أتذكر رجلاً متألقاً ، ذكياً، و ضاحكاً و مفعماً بالحيوية ، سأحتفظ بصورة الرجل الضعيف ، الذي لا حول له ولا قوة ، الذي صار إليه زوجي؟
لذلك حاربت ضد تلك ذكريات النهاية.
و كنتيجة لذلك فإني قد استنزفت كل طاقتي في حل هذا اللغز، لماذا زوجي ليست هنا؟
لكن ربما ظل دماغي يعيدني إلى تلك الأيام الأربعة، لأنه (الدماغ) كان بحاجة إلى أن يفهم أن زوجي قد مات. إنها بالتأكيد ذاكرة الربط بين زوجي حيٌ و موجود و بين أنه ميت و قد ذهب و انتهى.
ثم إنني كنت -و بوعي- أتجنب التفكير في ذلك الوقت ، و لكن دماغي كان بحاجة إلى إعادة الحياة إلى التجربة وتشريحها من أجل التصالح مع الخسارة.
و مع انشغال دماغي بالتساؤل: أين ذهب زوجي؟ ، كنت أعمل بنصف طاقتي. وهذا الأمر هو الذي يؤدي إلى الحالة الضبابية لـ الدماغ ، وكذلك إلى الإرهاق و الاستنزاف المستمر.
إنني لست متعبة، و لكن ليس لدي الكثير من الطاقة. فكل طاقتي قد استنزفت في حل هذا اللغز : لماذا زوجي ليس هنا؟.
أجد نفسي أقول (عادةً -إلى الباعة- عندما أنسى الدفع مقابل الأشياء التي اشتريها) أنني لم أتناول ما يكفي من الشاي بعد، أو أنني لم أحصل على قسط كافٍ من النوم.
و بالتأكيد إنه من الأفضل تقديم هذه الأعذار، أفضل من القول "ذهني مرتبك لأن زوجي مات".
علاج الذاكرة يمكن أن يساعد
إن إحدى الطرق التي يمكنني من خلالها مساعدة الدماغ على التصالح مع حالة وفاة شخص عزيز هي تبادل أو مشاركة الذكريات share memories.
إذ أن هذه الطريقة تُذكِّر الدماغ بأن الماضي ليس هو الحاضر.
ولكن ليس من السهل دائماً مشاركة الذكريات المتعلقة بزوجي.
إن تذكير الناس بوفاته سيغير مزاجهم و متعتهم، و في نفس الوقت يجعلني أشعر بالضعف. فعندما أبكي، فإن هذا أمر صحي بالنسبة لي، ولكنه يسبب شعوراً بعدم الارتياح للآخرين.
أما الطريقة في ذلك فهي كالتالي:
1. شيء ما يذكرني بزوجي.
2. أقرر ما إذا كنت مرتاحةً بما فيه الكفاية مع الأشخاص أو الوضع، حتى يبكي ، إذا كان من الواجب فعل ذلك.
3. إذا كان المكان مناسب و آمن ، أشارك ذكرياتي مع زوجي مع الآخرين.
4. و في حال وجود لحظة من الاحراج للموجودين معي، سيتساءل الموجودين عن ماذا سأقول بعد ذلك، و سيقولون: هل يتوجب عليهم تغيير الموضوع أم يستجيبون للذكريات؟
عندها أشعر بالأسف نصفه اتجاه مشاركتهم ذكرياتي مع زوجي ، و نصف الأسف الآخر إزاء وفاة زوجي.
5. و عندما يتم تغيير الموضوع، عندها لا أبكي.
و بالمناسبة فأنا لست أفضل من أي شخص آخر عندما يتعلق الأمر بمثل هذه المواقف. فقد كنت في الطرف المتلقي عندما يشارك شخص ما ذكريات المتوفى ، وكل ما أريد فعله هو أن أمنحهم لحظة صمت ثم أتركهم يواصلوا الحديث.
إنه شعور قاسي للحفر بشكل أعمق -في الذكريات- عن طريق طرح أسئلة أو المخاطرة بقول الشيء الخاطئ.
ولكن لابد لك من أن تعرف، أنه من المجاملة اللطيفة أن يشارك شخص ما معك ذكرياته و خصوصاً المؤلمة. فهؤلاء الناس -من يشاركون ذكرياتهم- يشعرون بالأمان معك، إنهم يخاطرون بالشعور بالضعف معك ، مع العلم أنهم قد يبكون.
و أخيراً فتبادل الذكريات أمر مهم للتصالح مع الخسارة ومساعدة الدماغ على التركيز على الحاضر.
و أنت -أيها الطرف الآخر- بالتأكيد ستساعد من خلال الاستماع الجيد.
أما بالنسبة لكيفية الرد بطريقة أخرى غير تغيير الموضوع فقد توصلت إلى بعض الأفكار:
- شارك بعض ذكرياتك الشخصية مع هذا الشخص -المفجوع- إن استطعت.
- و أن تقول له: "هل تريد التحدث عن ذلك أكثر؟ يمكنني الاستماع و الانصات"
و في النهاية، إذا كنت تريد مساعدة شخص تحبه لإخراجه من حالة حزن عميق ، فما عليك إلا بإنشاء مساحة آمنة خاصة دون ضغوط زمنية، و ما عليك إلا بمشاركة ذكرياتك الخاصة. فقط افتح الباب و راقب ما إذا كانوا مستعدين للدخول من خلاله.
مقال رائع ومؤثر..
وبالفعل بعد وفاة حبيبتي امي وجدت نفسي اشارك ذكرياتي مع صديقاتي وأهلي...
ولكن الحمدلله على نعمة النسيان