في تغريدة أطلقتها نجمة الموسيقى الريفية ريبا ماكينتير Reba McEntire في عام 2018 قالت مؤكدة أنه بالنسبة لها إن غناء الأغاني الحزينة : " له طريقة في علاج الحالة. إذ أنها (الحالة) تضعف و تتعرى عندما تظهر إلى النور خارجة من قلب الظلام " .
لماذا يستمتع الناس بالموسيقى الحزينة ؟
و تتطرق كلمات ماكينتير McEntire إلى المفارقة التي وصفها باحثو علم النفس بأنها "واحدة من أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام في تاريخ علم الموسيقى." .
أي : لماذا يستمتع الناس بالموسيقى الحزينة؟ . إذ أنه ابتداءاً من بيتهوفن Beethoven وصولاً إلى البيتلز Beatles ، فإن العديد من الألحان الأكثر أثيرية عند الناس و حباً لها في العالم تبدو سيئة و كئيبة . ولا تقتصر هذه الظاهرة على الموسيقى فقط .
فالناس لديهم عاطفة و تاثراً خاصاً بالأفلام الحزينة ، والأدب الحزين ، وغيرها من أشكال التعبير الفني الحزين.
الحزن اللطيف
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا؟ . تشير الدراسات حول ما يسميه بعض الباحثين "الحزن اللطيف" "pleasurable sadness " إلى أن الناس المختلفين يستمتعون بالفن الحزين لأسباب مختلفة. و تقول جونا فوسكوسكي Jonna Vuoskoski ، وهي أستاذ مشارك في قسم علم الموسيقى the Department of Musicology في جامعة أوسلو Oslo في النرويج Norway : " إن إحدى التقنيات المركزية التي تم تسليط الضوء عليها في العديد من الدراسات الحديثة تتضمن مشاعر الاضطراب ( الهيجان العاطفي) أو التأثر العاطفي ".
و قد وجدت بعض الأبحاث التي أجرتها فوسكوسكي Vuoskoski أن الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من التعاطف يميلون إلى أن يكونوا الأكثر تأثراً بالموسيقى أو الأفلام الحزينة ، وأن هذا الشعور يرتبط بزيادة التسلية أو اللهو . وكما تقول فإن : " جوانب التعاطف المتعلقة بمشاعر التعاطف والترابط القوي مع الشخصيات الخيالية في الكتب والأفلام تبدو أفضل الدلائل المتنبئة للإستمتاع بالموسيقى الحزينة" .
وقد اكتشف بحثها أيضاً أن الموسيقى الحزينة والأشكال الأخرى من الفن - إلى جانب قدرتها على تحريك الناس أو التأثير فيهم - تستحوذ على المشاعر التي يراها الكثير من الناس على أنها ممتعة .
كما كتبت هي وزملاؤها في الدراسة أنه و في استجابة للفن الحزين فقد كانت مشاعر " الحنين إلى الماضي ، والهدوء ، و التعجب و الإندهاش واضحة بشكل كبير أيضاً" ، وكثير من الناس يستمتعون بهذه المشاعر .
زاوية أخرى للتفسير
هناك تفسير آخر لذلك أيضاً ، وهو أن تجربة شيء محزن يمكن أن يقلل من الحزن الذي يشعر به الشخص. و قد اكتشفت دراسة أجريت عام 2019 تابعة لجامعة جنوب فلوريدا University of South Florida الأذواق الموسيقية للأشخاص الذين يعانون من اضطراب اكتئابي كبير( بمرض الاكتئاب الحاد ).
كما أوضح مؤلفو الدراسة ، أنه تم التوثيق بشكل جيد أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب depression ينجذبون عادةً نحو "المحفزات الحزينة" "sad stimuli" ، بما في ذلك الموسيقى. و يرى بعض الباحثين بأن هذا نوع من الجذب غير المتكيف ( أو السيء التكيف مع المجتمع ) الذي يعزز أو يزيد من شعور الناس بالمصيبة أو المحنة .
إلا أن فريق USF اختلف مع هذه النظرية. وكتبوا قائلين : "إن النداء القوي للموسيقى الحزينة للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، قد يكون مرتبطاً بآثاره الهادئة أكثر من كونه رغبة في زيادة مشاعر الحزن أو الحفاظ عليها ".
"بإمكان أي عمل فني أو أغنية يرتبط بها شخص ما أن توفر الراحة دون وجود أي ثقل أو عبئ من التفاعل الاجتماعي مع إنسان آخر"
ربما يكون للموسيقى الحزينة خاصية علاجية
ويقول باحثون آخرون ممن يدرسون جاذبية الموسيقى الحزينة : إن الاستماع إليها قد يكون ذو خاصية علاجية للأشخاص الذين يتعاملون مع أو يعانون من الحزن أو الخسارة .
و يقول توماس إيرولا Tuomas Eerola ، أستاذ علم الموسيقى في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة Durham University ، مشيراً إلى أن هذه الأنظمة تحفزها الموسيقى : " إننا نمتلك أنظمة نفسية وهرمونية وفسيولوجية موحدة و مدمجة تسهل التعامل مع [هذه المشاعر] ".
و يقول إيرولا Eerola إن التحدث إلى صديق أو أحد أفراد الأسرة ذو نية حسنة يمكن أن يوفر الراحة و العزاء حتى يبكي و ويعبر عن مشاعره الحزينة ، إلا أننا بإمكاننا أن نقول أن هناك عزاء أعمق يمكن العثور عليه في أغنية تتحدث عن انفصال حبيبين أو إنهاء لعلاقة ما .
و يضيف قائلاً : " إن حقيقة أن الموسيقى أو الفن غير تفاعلي هي في الواقع ميزة في حالات الضياع والحزن لأنه لا يوجد حكم ، ولا تحقيق .
كما أن بإمكان أي عمل فني أو أغنية يرتبط بها شخص ما أن توفر الراحة دون وجود أي ثقل أو عبئ يترتب على التفاعل الاجتماعي مع إنسان آخر. "
نعود إلى تفسير آخر
قد تمت دراسة تفسير آخر محتمل لجاذبية فن الحزن في دراسة أجريت عام 2011 والتي ، من قبيل الصدفة ، أخذت عنوانها من أغنية البيتلز Beatles " فليكن " "Let it Be". واستكشفت الدراسة عملية قبول المشاعر السلبية ، بدلاً من محاولة تجاهلها أو قمعها.
وكتب مؤلفو الدراسة: " إنه لمن المفارقات إلى حد ما ، أن تجنب التجارب العاطفية السلبية قد يرتبط بنتائج سلبية بينما قبول التجارب العاطفية السلبية قد يرتبط بنتائج إيجابية".
و تدعم أبحاثهم فكرة أن المشاركة بالنسبة لبعض الناس في أفلام أو موسيقى حزينة أو التعامل معها قد تكون شكلاً من أشكال القبول العلاجي.
و قد توفر أغنية أو فيلم حزين أو قطعة فنية أخرى نوعاً فريداً من التنفيس ، و ذلك في حال احتلت هذه القطعة الفنية مكاناً خاصاً في قلب هذا الشخص .
و يقول إيرولا Eerola موضحاً : "هناك الكثير من الدراسات التي توضح كيف أن بعض المقاطع الموسيقية ذات الصلة الشخصية قد وفرت الراحة والعزاء في المواقف الغارقة في العواطف السلبية " .
وبدلاً من إطالة أمد الحزن ، يبدو أن الأغاني والكتب والأفلام الحزينة تضفي مزيداً من الراحة والسعادة على الناس - وربما شعور أكبر بالاتصال العاطفي مع البشر الآخرين.
و أخيراً : من هم أولئك الذين لم يتمكنوا من استخدام الكثير من الفن بأنواعه للتنفيس عن أحزانهم و الاستفادة منها ؟