هل مشاركتك لمشاعرك يكون دائماً شيء صحي ؟ في بعض الأحيان لا يعتبر البوح (الفضفضة) مجرد جواب طويل
في دراسة مؤثرة ، طلبت مجموعة من الباحثين في جامعة ستانفورد Stanford من أزواج من الأشخاص (لم يلتقوا من قبل) مشاهدة فيلم وثائقي عن تفجيرات هيروشيما وناغازاكي Hiroshima and Nagasaki في الحرب العالمية الثانية.
و كجزء من الدراسة ، طُلب من بعض المشاركين "التصرف بطريقة لا يعرف الشريك أنه يشعر بأية مشاعر على الإطلاق". وبالمقارنة مع الأشخاص الذين كانوا أحراراً في التعبير عن مشاعرهم ، فإن أولئك الذين طُلب منهم إخفاء (أو كبت) مشاعرهم حصل معهم ارتفاع ضغط الدم وشيء من الاضطراب. و كذلك بمقارنتهم بالأزواج الذين سمح لهم بالتعبير عن أنفسهم بشكل طبيعي ، فإن كلا الشخصين في مجموعات "كتم" المشاعر مالوا إلى الشعور برابطة علاقة أقل و إيجابية أقل تجاه بعضهما البعض.
و تعتبر هذه الدراسة هي واحدة من بين العديد من الدراسات التي تشير إلى أن العواطف المكبوتة يمكن أن يكون لها تداعيات سلبية كبيرة - سواءً بالنسبة للشخص الذي يكبت مشاعره أو بالنسبة لمن حوله. و قد ربطت كثير من الأبحاث كبت (قَمْع) المشاعر بارتفاع معدلات القلق والأرق وغير ذلك من النتائج غير الصحية.
وفي حين أن كتمك لمشاعرك غالباً ما يكون سيئاً ، إلا أن بعض الخبراء يقولون أنه يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج أفضل.
وبالطبع ، هناك مواقف اجتماعية واضحة - التي يواجهها الكثير منا يومياً - حيث يكون التعبير عن مشاعرك غير مريح أو محرج ، كما يقول ديفيد كاروسو David Caruso ، وهو طبيب نفسي و أحد الباحثين في مركز ييل Yale Center للذكاء العاطفي، فعلى سبيل المثال إذا كنت في اجتماع مع مدير أو عميل ، و نطقوا شيئاً قد تجده "سخيفاً تماماً" ، ففي هذه الحالة سيكون من غير النافع أن تخبرهم عن شعورك تجاه ما قالوه.
ولكن حتى عندما تتعامل مع أشخاص قريبين منك - أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء - فهناك حالات قد يؤدي فيها البوح (الفضفضة في الحديث) spilling your guts إلى تفاقم المشاعر السلبية ، و ليس تهدئتها.
و يقول كاروسو: إن "المشاعر معدية ، ويمكنك التأثير على مشاعر الآخرين من خلال مشاركتهم شعورك". و يشير كاروسو إلى أن المشاعر غالباً ما تبرز بشكل فجائي ، و قد تكون عابرة ، و مرتبطة أو معتمدة بشكل كبير على الكثير من العوامل السياقية, بالإضافة إلى أنها تتموضع في مجال طيف واسع من .. كيف نمت جيداً ... إلى.. ماذا أكلت منذ لحظة. فيقول كاروسو : إن ما تشعر به في هذه اللحظة ربما يكون نتاج كل هذه الأشياء غير المترابطة. وعن طريق التعبير عن ما تشعر به ، فإنك لا تنقل بعض مشاعرك إلى الأخرين و حسب ، بل إنك ستتعامل -و تتأثر- بنتائج هذا البوح.
قل ذلك -في حالة من الغضب أو الإحباط- ففي هذه الحالة أنت تشارك مشاعرك السلبية مع زوجك أو صديقك المقرب بطريقة تجعل هذا الشخص يشعر بالمسؤولية. و في هذا الخصوص يقول كاروسو إن البوح و الفضفضة قد يكون مرضياً في الوقت الحالي ، و لكنه قد يكون مدمراً لعلاقاتك على المدى الطويل. و في العديد من الحالات -يقول كارسو- سيكون من الأفضل لجميع المتشاركين (للمشاعر) إذا أخذت بعض الوقت -في خلوة- للسيطرة على الجذر الحقيقي لمشاعرك.
"هناك حالات قد يؤدي فيها البوح (الفضفضة) إلى تفاقم المشاعر السلبية ، وليس إلى تهدئتها"
ضريبة كبت المشاعر
و كذلك يضيف كاروسو "هناك جميع أنواع التكاليف (الغرامات) المرتبطة بكبت المشاعر و العواطف". و "جنباً إلى جنب مع العبء النفسي لمحاولة الاحتفاظ بمشاعرك لنفسك ، ستدفع غرامة حقيقة على مستوى العلاقة" . بالإضافة إلى ذلك يقول كاروسو أنه "عندما تعبر عن مشاعرك للآخرين ، فأنت ترسل لهم بيانات حول كيفية تصرفك ، وهذه طريقة جيدة للحصول على دعم الآخرين".
أيضاً ، فإن محاولة إخفاء أو ابتلاع مشاعرك هو نوع من دفع الضرائب Taxing. و هنا يؤكد لنا كاروسو قائلاً: "إن قدرة دماغنا على استحضار المعلومات ومعالجتها تكون -عادةً- محدودة عندما نستخدم الموارد المعرفية لكبتها أو للتحقق منها عاطفياً". ( ومن هنا جاءت النتيجة التي توصل إليها فريق ستانفورد Stanford من أن كبت الانفعال يمكن أن يشتت الانتباه). و يضيف كاروسو "لكن عندما نكتفي بالقول و نعبر عما نشعر به ، يمكن أن نقع في المشاكل".
و يتفق خبراء آخرون مع ذلك، فيقول جيمس بينبيكر James Pennebaker ، أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا University of Texas: "الطريقة التي تم تكويننا بها هي أننا نريد -بطبيعة الحال- أن نصف ما نشعر به تجاه الآخرين ، ولكن الحقيقة هي أن هذا في بعض الأحيان قد يضر بالآخرين أو قد يكون محرجاً لنا أيضاً". وعندما تتشارك مشاعرك مع شخص آخر ، فإنك تخاطر بدحض أو رفض صلاحية ما قلته لهم ، وهو أمر يمكن أن يكون مدمراً بشكل حقيقي. و في هذا السياق يقول بينبيكر Pennebaker: "في هذه الحالة ، قد ينتهي بك الأمر إلى أسوأ مما لو كنت قد احتفظت بما تشعر به لنفسك".
تفادي الكلام بالكتابة
ويضيف بينيبيكر Pennebaker إن الفحص (أو التفحّص) الدقيق لمشاعرك و التقييم الصادق للمصدر الذي تأتي منه يمكن أن يكون أكثر فائدة من مجرد البوح و التصريح عما تشعر به. فإذا كنت تركز فقط على عواطفك ، فإنك غالباً ما تفتقد هذه النقطة.
"التفحص الدقيق و العميق للمشاعر هو الجزء المفيد في القصة ☺"
و بالطبع -يضيف بينيبيكر- يمكن أن يساعد التعبير اللفظي عن المشاعر على فهمها. و هذا هو السبب في أن العلاج النفسي وأشكال العلاج الكلامي Talk therapy -التي تسمح لك بالتعبير عن مشاعرك دون خوف من أية انتكاسة اجتماعية أو شخصية- هو أمر مفيد للغاية. و لكن بينيبيكر يؤكد أن بحثه "وجد أن التعبير عن مشاعرك و عواطفك بكلمات عن طريق كتابتها يمكن أن يفعل ما يفعله الكلام و الحديث".
وقد أظهرت بعض أبحاث بينيبيكر Pennebaker أن الكتابة عن التجارب العاطفية يمكن أن تقلل من حجم الحزن و الكدر، و الاكتئاب ، وحتى أنها تساعد في تحسين وظائف المناعة. و يضيف بينيبيكر إن كتابة ما تشعر به ، يبدو أنه يقدم منافع بيولوجية ، ومزاجية ، ومعرفية يمكن مقارنتها بالمشاركة اللفظية لمشاعرك - دون التعرض لخطر إثارة غضب شخصٍ ما أو جعل نفسك تشعر بالسخافة أو الرفض.
و عن طريقة كتابة التجارب العاطفية و المشاعر يقول بينيبيكر "ليس هناك طريقة صحيحة للكتابة عن عواطفك". لكنه ينصحنا بأن "نبحث -فقط- عن مكان هادئ و نكتب ما نشعر به لمدة 15 دقيقة ، و لمدة ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً". و يوصينا بالتفكير -عميقاً- فيما نشعر به ولماذا نشعر به و خوض تجربة الكتابة بأية وسيلة، فيقول "يمكنك أن تكتب أفكارك بالطريقة التقليدية (ورقة و قلم) ، أو على الكمبيوتر - أو حتى بإصبعك على الهواء".
البحث عن جذور الفضفضة
و تتطرق بعض نصائح بينيبيكر Pennebaker إلى استراتيجية تنظيم العاطفة و المعروفة باسم إعادة التقييم Reappraisal، و هي -ببساطة- طريقة لتحديد وإعادة تأطير الأسباب الأساسية للعاطفة بطرق قد تسمح لك بتركها، و على سبيل المثال ، إذا كنت تشعر بالغضب من زوجك -مع إدراكك بأنك جائع أو مرهق، وأن هذه هي الأسباب الحقيقية وراء غضبك ، وليس شيء ما قام به زوجك– فإن ذلك يمكن أن يساعدك على تخطي مشاعرك السلبية.
وعلى الرغم من أن إعادة التقييم قد تبدو أشبه بكبت المشاعر، إلا أن الأبحاث تشير إلى أنها تؤدي إلى بعض الآثار الجانبية السلبية القليلة مقارنة بمحاولة تجاهل أو إخفاء (كبت) المشاعر.
و أخيراً يمكن أن يكون انفتاحك تجاه مشاعرك طريقة رائعة لفهمها وإدارتها ، ولكن نهج "البوح و الإفصاح الكامل" عن مشاعرك و مشاركتها مع الآخرين قد لا يؤدي -دائماً- إلى أفضل النتائج.
المصدر