إن السبب الأكثر شيوعاً لفقدان الذاكريات هو مشكلة تخزين بسيطة.
حيث أنه من الممكن أن يمتلك دماغك قدراً محدوداً من المساحة و قدرة أقل على المعالجة.
و حتى يتم إفساح المجال لذكريات جديدة ، ستبدأ الذكريات القديمة التي لا يتم تذكرها بانتظام - و التي ربما تكون غير مهمة جداً- في الابتعاد و النسيان.
أود هنا عزيزي القارئ أن أقتطف لك مقطعاً من مقال كان قد ورد في نشرة تسمى " داخل رأسك Inside Your Head "، و هي نشرة إخبارية أسبوعية تبحث في السبب الذي يجعلك دماغك يفكر ويشعر ويتصرف بالطريقة التي تعمل بها .
هذا المقال كنت قد كتبته أنا ، و كاتب رئيسي في موقع إليمنتال Elemental وعالم أعصاب سابق.
شخصياً أمتلك ذاكرة سيئة جداً.
إن هذا لا يعد وصمة عار - إذ يمكنني أن أتذكر قوائم البقالة والأشياء العملية اليومية ، لا توجد مشكلة - غير أن الأصدقاء سيرجعون أحياناً إلى محادثات أو أحداث جرت منذ سنوات مضت والتي لا أتذكرها كثيراً.
لقد أدركت ذلك النقص مؤخراً عندما ألمحت أمي ، وهي في السبعينيات من عمرها و بحسب الإحصاءات الطبيعية فان من الواجب أن يكون لديها ذاكرة أسوأ مني ، حيث أنها أشارت إلى عيد الشكر الماضي الذي قضاه زميلي في الكلية مع عائلتي.
و لكنني لا أمتلك أي ذكرى لهذا الحدث. لقد اعتقدت بصدق أن والدتي ربما تكون قد اختلقت الأمر حتى عرضت علي صوراً لنا نحن الاثنان حيث كنا نخبز الفطائر معاً في مطبخ والديّ.
إذاً : بماذا يوحي هذا؟ لماذا يمتلك بعض الناس عقول مثل فخ حديدي للذكريات بينما لا يمتلك الآخرون هذه الميزة.
هناك ثلاث عمليات رئيسية عندما يتعلق الأمر بالذاكرة - الترميز encoding، و الدمج consolidation و الاسترجاع retrieval - و يمكن أن تحدث المشكلات في أي مرحلة من هذه المراحل لتتسبب لك في نسيان الأشياء.
الترميز
يرتبط الترميز ارتباطاً وثيقاً بالانتباه ، و غالباً ما يكون ضعف الذاكرة انعكاساً لضعف الانتباه. حيث يكمن السبب الذي يجعلك تنسى دائماً اسم الشخص الذي قابلته في وقت من الأوقات ، في أنك لم تكن منتبهاً لما قالوه.
و قد تفكر فيما ستقوله بعد ذلك أو بمن يذكرك أو ماذا ستتناول على العشاء في تلك الليلة.
و لكن ، و مهما كان السبب ، فإن النتيجة هي أن المعلومات المهمة لم تخترق عقلك بما يكفي لتخزينها في ذاكرتك.
يحدث الشيء نفسه عندما لا تنتبه في الفصل أو أثناء المحادثة أو قراءة كتاب. و هكذا ، فإنك إذا كنت لا تركز على ما تفعله ، فلن تتذكره.
أما الجزء المتعلق بعملية الدمج فهو
عندما يتم نقل الذاكرة التي تتم معالجتها في ذاكرتك قصيرة المدى ، والتي تستمر لمدة 30 ثانية فقط أو نحو ذلك ، إلى ذاكرتك.
و يحدث ذلك أحياناً من خلال التكرار - تكرر اسماً مرات كافية حتى تتذكره أخيراً.
و في أوقات أخرى ، يرتبط الحدث بعاطفة تساعد على ترسيخه في عقلك.
فعلى سبيل المثال ، يتذكر معظم الناس بوضوح مكان وجودهم عندما علموا بسقوط البرجين التوأمين في 11 سبتمبر لأنه كان يوماً صادماً ، وكانت المشاعر مثل الخوف والتوتر تتصاعد.
هذه المشاعر ، وهرمونات التوتر المصاحبة لها ، تجعلك تولي المزيد من الاهتمام.
و في الدماغ ، تتم معالجة الذاكرة قصيرة المدى short-term memory في قشرة الفص الجبهي بينما يحدث التوحيد للذاكرة طويلة المدى في الحُصين hippocampus ، و ذلك على الرغم من مشاركة أجزاء أخرى من الدماغ أيضاً.
فالذكريات العاطفية ، على سبيل المثال ، تعمل أيضاً على تنشيط اللوزة المخية amygdala ، و هي تعتبر مركز الخوف واليقظة في الدماغ ، مما يؤدي إلى اندماجها بشكل أعمق وبقائها على نحو أطول.
و في الخطوة الأخيرة ، يتم نقل الذكريات طويلة المدى من الحُصين إلى القشرة المخية الحديثة ، و هي الطبقة العليا من الدماغ ، والتي تتمتع بسعة تخزين أكبر.
أما الجزء الأخير من الذاكرة فهو الاسترجاع ، و هو..
عندما تتذكر شيئاً ما حفظته سابقاً. خلال هذه العملية ، يتم سحب الذاكرة مرة أخرى ، وإعادة تنشيط الخلايا نفسها في الحُصين والقشرة المخية الحديثة حيث يتم تخزين تلك الذاكرة.
فالذكريات التي يتم تذكرها بانتظام تزداد قوة بمرور الوقت - و هذا سبب آخر يجعل الذكريات العاطفية أكثر ثباتاً ؛إذ أنه من المرجح أن تراجعها مراراً و تكراراً.
و يعد موت الخلايا في الحُصين ، مركز الذاكرة المهم الذي يشارك في كل من التوحيد والاسترجاع ، هو أحد أسباب فقدان الذاكرة.
و يمكن أن يحدث هذا بسبب أمراض مثل الخرف والاكتئاب الشديد وتعاطي الكحول بكثرة وحتى الشيخوخة الطبيعية. ومع ذلك ، فقد .
و مع ذلك ، فقد اكتشف العلماء أن الخلايا العصبية الجديدة يمكن أن تولد في الحُصين أيضاً ، وعلى الأخص كنتيجة لممارسة الرياضة ، والتي يمكن أن تعوض بعضاً من فقدان الخلايا و الذاكرة في المنطقة..
و مع ذلك ، فإن السبب الأكثر شيوعاً لفقدان الذاكرة هو مشكلة تخزين بسيطة.
فمثل الكمبيوتر ، يمتلك دماغك قدراً محدوداً من المساحة وقدرة المعالجة.
و من أجل إفساح المجال لذكريات جديدة ، تبدأ الذكريات القديمة التي لا يتم تذكرها بانتظام ومن المفترض أنها ليست مهمة جداً (مثل عيد الشكر على ما يبدو مع رفيقي القديم في السكن) في الانحلال.
و يحدث هذا من خلال انهيار الروابط - تسمى نقاط الاشتباك العصبي synapses - بين خلايا الدماغ التي يتم تشكيلها عندما تتعلم شيئاً ما أو تكون لديك تجربة جديدة.
كلما قمت بإعادة تنشيط الذاكرة أكثر ، كلما زادت قوة هذه المشابك وأصبح من الأسهل استرجاعها. أما إذا أهملت الذاكرة ، فسيتم تقليم هذه الاتصالات لإفساح المجال لتوصيلات جديدة.
و من المثير للاهتمام..
أن الهواتف الذكية تبدو و كأنها تعمل على تغيير ذاكرتنا. فقد كتبت أنجيلا لاشبروك Angela Lashbrook مقالاً رائعاً لـصالح موقع إليمنتال Elemental في وقت سابق من هذا العام حول كيف أن التقاط صور للأحداث يثبط ذكرياتك عنها.
و يعود السبب إلى أنك إذا كنت تركز على التقاط الصورة أو كتابة تعليق على Instagram ، فأنت لا تولي اهتماماً للحدث نفسه.
و من الممكن أن تكون أيضاً " تعتمد بشكل لا شعوري على الكاميرا" لتتذكرها "من أجلك"
و مع ذلك ، فإن الصور نفسها قد تثير ذاكرتك لاحقاً ، مما يساعدك في النهاية على التذكر عندما تنظر إليها.
و هكذا فأنت جوهرياً ، قد أفرغت الذاكرة الخاصة بك إلى ذاكرة هاتفك.
و لا يسعنا في نهاية المطاف إلا أن نأمل أن يكون لدى حساب الآي كلاود iCloud الخاص بك مساحة تخزين أكبر مما يمتلكه عقلك.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
النوم الجيد طريقة نوم جديدة تعزز قدرة الدماغ على الاحتفاظ بالذكريات
تأثير المعلومات المضللة و الذكريات المزيفة