إن التعقيد المذهل لـ الأمعاء و أهميته لصحتنا العامة هو موضوع زيادة البحث في المجتمع الطبي.
أظهرت العديد من الدراسات في العقدين الماضيين وجود روابط بين صحة الأمعاء (بكتيريا الأمعاء) و الجهاز المناعي ، و المزاج ، و الصحة العقلية ، و أمراض المناعة الذاتية ، و اضطرابات الغدد الصماء ، و الأمراض الجلدية ، و السرطان.
و للعلم يشير مصطلح "ميكروبيوم الأمعاء" تحديداً إلى الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أمعائك.
حيث يمتلك الشخص حوالي 300 إلى 500 نوع مختلف من البكتيريا في جهازه الهضمي. و في حين أن بعض الكائنات الحية الدقيقة ضارة بصحتنا ، فإن الكثير منها مفيدٌ جداً - بشكلٍ لا يصدق- بل و ضرورى لصحة الجسم.
أبحاث حديثة
أظهر الباحثون لأول مرة ، الكيفية التي يمكن فيها لـ ميكروبيوم الأمعاء gut microbiome - و هي كما ذكرنا، مجتمع الكائنات الحية الدقيقة microorganisms التي تعيش في الأمعاء - التأثير على جهاز المناعة لدى البشر. و يمكن أن يؤدي عملهم إلى علاجات جديدة للحالات المتعلقة بالمناعة.
و قد تتبع الباحثون في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في نيويورك Memorial Sloan Kettering Cancer Center in New York ، شفاء ميكروبيوتا الأمعاء و الجهاز المناعي للمرضى بعد عمليات زرع النخاع العظمي (BMTs) بعد علاج سرطان الدم.
حيث يستخدم أخصائيو الرعاية الصحية العلاج الكيميائي chemotherapy والعلاج الإشعاعي radiation therapy لتدمير خلايا الدم السرطانية في حالات مثل سرطان الدم leukemia و سرطان الغدد الليمفاوية lymphoma. و بعد الانتهاء من العلاج ، الذي يقتل أيضاً الخلايا المناعية السليمة ، يقوم المتخصصون بحقن المرضى بخلايا جذعية من دم المتبرع أو نخاع العظم.
و تستعيد خلايا المتبرع بها هذه ببطء قدرة المرضى على تكوين خلايا الدم الخاصة بهم.
و مع ذلك ، يجب على المرضى تناول المضادات الحيوية في الأسابيع القليلة الأولى بعد الزرع لأنهم لا يزالون عرضة للعدوى. إذ تقوم هذه الخلايا المزدرعة بالتسبب بحدوث خلل بتوازن الجراثيم المعوية ، وتقتل "البكتيريا الصديقة friendly bacteria " وتسمح للسلالات الخطرة بالنمو.
فرصة فريدة :
بمجرد أن تصبح أجهزة المناعة لدى المرضى قوية بدرجة كافية ، يمكنهم التوقف عن تناول المضادات الحيوية ، مما يسمح لميكروبات الأمعاء بالتعافي.
و قد استخدم الباحثون في سلون كيترينج Sloan Kettering هذه الفرصة الفريدة لدراسة كيفية تأثير الجراثيم على جهاز المناعة.
و يوضح عالم أحياء الأنظمة جواو كزافييه Joao Xavier ، وهو أحد كبار العلماء ، و مؤلف أول مشارك للورقة البحثية مع باحث ما بعد الدكتوراة السابق جوناس شلوترJonas Schluter قائلاً :
"لقد قبل المجتمع العلمي بالفعل فكرة أن ميكروبيوتا الأمعاء مهمة لصحة الجهاز المناعي للإنسان ، ولكن البيانات التي استخدموها لتحقيق هذا الافتراض جاءت من دراسات كانت قد أجريت على الحيوانات".
و يقول الدكتور شلوتر Schluter ، والذي يعمل الآن أستاذاً مساعداً في جامعة نيويورك لانغون هيلث في نيويورك NYU Langone Health in New York :
" إن كلاً من التعافي(الاسترداد) الموازي للجهاز المناعي والميكروبات ، والذين كان كلاهما تالف ثم تمت استعادته ، يمنحانا فرصة فريدة لتحليل الارتباطات بين هذين النظامين".
إذ أنه، و من خلال استخدام عينات الدم والبراز لأكثر من 2000 مريض كانوا قد عولجوا في مركز السرطان بين عامي 2003-2019 ، تمكن الباحثون من تتبع التغيرات اليومية في ميكروبيوتا الأمعاء وعدد الخلايا المناعية في دمائهم.
الآلاف من نقاط البيانات :
يقول الدكتور كزافييه Dr. Xavier : "تُظهر دراستنا أنه يمكننا تعلم الكثير من البراز - العينات البيولوجية التي يتم التخلص منها حرفياً في المرحاض".
و يضيف قائلاً : "إن نتيجة جمعها هي أن لدينا مجموعة بيانات فريدة تحتوي على آلاف نقاط البيانات التي يمكننا استخدامها لطرح أسئلة حول ديناميكيات هذه العلاقة."
و قد استخدم الباحثون خوارزمية التعلم الآلي machine-learning algorithm لتحديد الأنماط في البيانات ، والتي تضمنت معلومات حول أدوية المرضى والآثار الجانبية التي عانوا منها.
و قد نصت إحدى النتائج على أن وجود ثلاثة أنواع من بكتيريا الأمعاء - تسمى Faecalibacterium و Ruminococcus 2 و Akkermansia - كان مرتبطاً بزيادة تركيزات الدم في الخلايا المناعية التي تسمى العدلات neutrophils .
و على النقيض من ذلك ،فقد ارتبط نوعان يسمى Rothia و Clostridium sensu Stricto 1 بانخفاض عدد هذه الخلايا المناعية.
كما تنبأت المحاكاة الحاسوبية التي أجراها الباحثون أن إثراء الكائنات الحية الدقيقة بالأجناس الثلاثة "الصديقة" من شأنه تسريع تعافي أجهزة المناعة لدى المرضى.
و يقول المؤلف المشارك مارسيل فان دن برينك Marcel van den Brink : "يمكن أن يقترح هذا البحث في النهاية طرقاً لجعل زرع النخاع العظمي أكثر أماناً من خلال تنظيم أكثر دقة للميكروبات".
و الجدير بالذكر أن الدراسة كانت قد ظهرت في مجلة الطبيعة Nature.
العلاجات المحسنة :
و في ختام بحثهم ، كتب المؤلفون:
"إن إثباتنا بأن الجراثيم تؤثر على المناعة الجهازية لدى البشر يفتح الباب أمام استكشاف التدخلات المحتملة التي تستهدف الجراثيم لتحسين العلاج المناعي والعلاجات للأمراض الالتهابية التي تتم بوساطة المناعة."
و قد وجدت دراسة سابقة أن وجود تنوع أكبر للأنواع البكتيرية في الأمعاء يرتبط بفرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة بعد زرع الخلايا الجذعية.
كما وجد هذا البحث أيضاً أن التنوع المنخفض للبكتيريا يزيد من احتمالية الإصابة بمرض الطعم ضد المضيف graft-versus-host disease ، عندما تهاجم الخلايا المناعية المانحة أنسجة المتلقي.
و كان باحثو سلون كتيرينغ Sloan Kettering قد نشروا في عام 2018 ، نتائج تجربة إكلينيكية استخدموا فيها عمليات زرع البراز لاستعادة الكائنات الحية الدقيقة للمرضى بعد علاج سرطان الدم.
حيث استخدموا مادة براز المرضى الخاصة بهم ، والتي تم جمعها وتجميدها قبل زرع نخاع العظم ، وقبل أن يؤدي العلاج بالمضادات الحيوية إلى تعطيل ميكروبات الأمعاء.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
بكتيريا الأمعاء تؤثر على المزاج ، و تمنع الاكتئاب
ميكروبات الأمعاء و دورها في الحفاظ على كتلة العضلات حتى مع التقدم بالعمر