منطقة الراحة
من فضلك توقف عن مطالبتي بترك منطقة الراحة الخاصة بي

 ارفع يدك عزيزي القارئ  إذا كنت ممن سئموا من سماع جملة أن:  الحياة تبدأ على حافة منطقة الراحة الخاصة بك (الكومفورت زون)  comfort zone.

فأنا أعي تماماً أنني سئمت من هذه الجملة .

لاشك أنه  من المستحيل الهروب من المعلمين و المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي  ، و الذين يدعون إلى أن اختيار الأمان هو تخريب للذات self-sabotage وقد يلحق بك ضرراً بالغاً.

و  لقد أدركت أن افتقاري للشجاعة على أساس يومي و أنه بدون الشعور بعدم الارتياح، لن أتمكن من الوصول إلى أي إنجاز في الحياة. 

إلا أن الأمر كما هتف به طالب الدراسات العليا بجامعة ستانفورد Stanford ،  يوبيغ زانغ Yubing Zhang  ،  على منصة تيدكس TEDx ، تحت عنوان :

الحياة تبدأ في نهاية منطقة الراحة الخاصة بك Life Begins at the End of Your Comfort Zone ،

والذي تمت مشاهدته على نطاق واسع : "ليس مخيفاً أبداً كما يبدو"  .  و قد كانت هذه المحاضرة واحدة من عدة محادثات حول هذا الموضوع منحها المؤتمر المؤثر منبراً لها.

و يقول جاك كانفيلد Jack Canfield ،صاحب الكتب الأكثر مبيعاً حول القيادة  و المتحدث التحفيزي: " عندما تبقى في منطقة الراحة الخاصة بك ، فأنت تحافظ على معتقدات خاطئة عن نفسك أو تتمسك بالذنب والشك في نفسك ". 

كما أن  هناك عبارة ذُكرت في منشور مصور شهير على تطبيق الإنستغرام  Instagram تقول :

" لاشك أن منطقة الراحة مكان رائع ، إلا أن لا شيء ينمو هناك". 

كما كان الاقتباس الأكثر شيوعاً لإليانور روزفلت Eleanor Roosevelt و الذي يقول :

"افعل شيئاً يخيفك كل يوم" زيّن كل شيء ، من أكواب القهوة المكتبية إلى ورق الحائط.

لقد صدقت  هذه الاقتباسات ذات مرة .غير أن تجربتي علمتني شيئاً مختلفاً. فعندما قمت بدفع منطقة الراحة الخاصة بكل قوة و زخم ، كما ينصح المعلمين والمدربين، أدى ذلك مباشرة إلى شعوري بالإرهاق.

و لقد تعلمت الطريقة الصعبة لتحديد - والأهم من ذلك ، احترام - حدود منطقة الراحة الخاصة بي.

و منذ ذلك الحين ، كان ذلك شيئاً هاماً و ساعدني على اتخاذ خطوات هامة وكبيرة.

 و من خلال دفع نفسي و إجبارها تحت مسمى عدم الارتياح، قمت بالتضحية بنفسي إلى درجة الإنهاك والشعور بالتعب والتوتر.

و إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء بضع سنوات فقط ، ستجدني عالقاً  لساعتين متواصلتين في طريقي على متن حافلة متجهة من مدينة نيويورك ، في خضم ساعة الذروة.

و قد كان الكورتيزول الناتج عن الإجهاد  في معظم الصباح ، هو الشيء الوحيد الذي يمنعني من الإنهيار بسبب الإرهاق. و حتى هذه اللحظة من حياتي ، كنت مدفوعاً بعقلية الدفع بقوة أكبر:

الدراسة في المدرسة ، ثم أصبحت الأول في الترتيب على الكلية، والآن وظيفة صعبة ومليئة بالضغوط في مدينة مانهاتن.  

و قد بدا كل شيء من الخارج  خادعاً، كما لو كنت أمثل صورة للنجاح . أما في الداخل ، فقد كنت أشعر بالهزيمة والعجز.

و وفقاً لعقلية تحسين الذات  self-improvement mindset ، فقد قمت بترشيد هذه المشاعر على أنها نابعة من عدم كفاءتي الذاتية.

فإذا  حدث و شعرت أنني أبعثر جهدي في الهواء   ، فمن الواضح أنه كان علي أن أجتهد أكثر . و هكذا أقول لنفسي مذكراً إياها : "أنا فقط بحاجة إلى العمل بجدية أكبرمن ذلك"، "أنا خارج منطقة الراحة الخاصة بي، و سأتحسن و سأتكيف. "


إنشاء منزل يمكننا النجاح فيه :

و لكن مع مرور الأشهر، زاد شعوري بالرهبة.  حيث بدا كل يوم كمزيج من الخوف و القلق. 

ياترى : أي أزمة ستظهر الآن ؟

و ما هو المشروع الجديد الذي سيتم إلقاؤه على عاتقي في هذا الصباح؟ ...

و بالطبع ، فقد كانت صحتي تتدهور. و كما فهمت من الشعارات التحفيزية ، فقد كان من الواجب أنمو نتيجة لمواجهة خوفي . 

لكن، و بدلاً من ذلك ، و في منتصف العشرينات من عمري ، وجدت نفسي مستلقية على السرير، و متعبة جداً لدرجة أنني بالكاد أستطيع التحرك ، و أعاني من خفقان القلب و رؤية الكوابيس.

و بدفع نفسي بدعوى عدم الارتياح ، فقد ضحيت بنفسي إلى درجة الإنهاك.

و في النهاية ، تركت الوظيفة و قبلت أن تكون حدودي موجودة للحفاظ على سلامتي. .

هنا.. لابد ان أقول لك عزيزي القارئ أن منطقة الراحة  تشير حرفياً  إلى درجة الحرارة المثلى.

و  لكن من الناحية النفسية ، فهي تدل على الحالة التي  يشعر فيها الشخص بالراحة و القدرة على التحكم في بيئته المحيطة.


لذا : كيف أصبح التغلب على هذه الحالة هو هاجس حركة التحسين الذاتي؟  

لقد تمت الإشارة إلى ذلك في دراسة تناولتها ورقة بحثية عام 1907 من قبل عالم النفس الأمريكي روبرت ميرنز يركيس Robert Mearns Yerkes ،

و الذي  وجد أن "القلق لدى الفئران يحسن الأداء حتى يتم الوصول إلى مستوى معين من الإثارة و التحفيز".  (كان يركيس Yerkes أيضاً من دعاة تحسين النسل ويعتبر عمله ملوثاً بالتحيز العنصري).

لقد اكتسبت فكرة استخدام القلق لتحسين الأداء قوة دفع في مواجهة تحرير الاقتصاد في التسعينيات و الضغوط التنافسية الناتجة عنه. ففي عام 2009 ، كرر المنظر الإداري البريطاني المعروف ألاسدير وايت Alasdair White  تلك الحكمة الراسخة عندما كتب أنه:

"في فهم الأداء و إدارته ، فإن المفتاح هو إدارة التوتر"  .

حيث أنه وصف القلق بأنه أداة للمساعدة في عملية إدارة الأداء . و مع ذلك، فقد أوضحت ورقة بحثية كتبت في عام 2017 في جامعة ليستر University of Leicester أنه لا يوجد دليل تجريبي يدعم هذه الفكرة. و كتب المؤلف يقول :

"مع ذلك، وعلى الرغم من أن كل الأدلة تشير إلى عكس ذلك ، فإن الفكرة القائلة بأن روح التوتر هي شيء " جيد " للأداء ما زالت تروج لها كتب الإدارة المدرسية".

و يمكنك  مقارنة كل هذا بما أسماه عالم النفس التنموي ليف فيجوتسكي Lev Vygotsky في أوائل القرن العشرين "منطقة التنمية القريبة  zone of proximal development ".  حيث تسمح هذه المساحة المفاهيمية ،و القريبة من منطقة الراحة ، بتطور صحي و تدريجي.

و بالطريقة التي يتعلم بها الأطفال بشكل طبيعي مهارات جديدة. 

أما بالنسبة لي ، فقد كان هذا يعني مواجهة التحديات بشكل متعمد ،  و لكن فقط بعد التفكير طويلاً في مؤهلاتي و وضع كل خطوة بعناية و حرص شديدين. و هذا يعني التركيزعلى نقاط قوتي.

لاشك أنني أعرف الآن جيداً ما لم أعد على استعداد لتحمله  ، و ذلك  بعد أن دفعت بنفسي إلى نقطة المرض . 

فمن خلال التعرف على منطقة الراحة الخاصة بي واحترامها ، يمكنني تحديد متى قد يهدد الموقف صحتي.  

ومن خلال تأكيد تلك الحدود، يمكنني العودة من القلق الذي أشعر به ، إلى مكان أشعر فيه بالسلام النفسي و الأمان.

في عالم يتزايد فيه الطلب على وقتنا و اهتمامنا ، تعمل مناطق الراحة لدينا كمساحات إتقان يمكن التنبؤ بها حيث يمكننا البحث عن ملاذٍ لنفوسنا عندما تصبح مستويات الضغط و التوتر أكثر من اللازم. و هي بمثابة حاويات لدعم الثقة واكتساب القوة و الزخم  و التفكير بوضوح. 

و عندما نقضي وقتاً أقل في التعامل مع الانزعاج و عدم الراحة ، يمكننا التركيز أكثر  على ما هو أكثر أهمية. . 

 

في نهاية المطاف..

يمكننا القول أنه إذا كان الأشخاص الذين يدفعون أنفسهم بشكل روتيني خارج مناطق الراحة الخاصة بهم يقفزون مجازياً من الطائرات ، و أولئك -أمثالنا- الذين يختارون العمل من داخل مناطق الراحة لدينا يضعون الطوب بهدوء ، و يبدعون منزلاً يمكننا الازدهار فيه.




عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

 كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.


ننصحك بقراءة المقالات التالية :

عيش الحياة بطريقة صحيحة : كيف تتوقف عن العيش بطريقة آلية؟

فكرة جديدة في الوعي .. كيفية حل مشاكل الحياة؟ الدكتور ديباك شوبرا

إذا لم تكن تستمتع بـ الحياة ، فأنت تعيشها بطريقة خاطئة


المصادر


الوسوم



المؤلف

هدفنا إغناء المحتوى العربي لأن القارئ العربي يستحق المعلومة الصحيحة والمفيدة، و التي تنشر الآن في أهم المواقع العالمية ،


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل