كشفت دراسة كيف أن مجموعة غير عادية و نادرة من الناس تعرف باسم
"المتحكمين النخبة elite controllers " تمنع فيروس نقص المناعة البشرية HIV من التكاثر في أجسادهم دون الحاجة إلى العلاج.
و قد قدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) أنه و في نهاية عام 2019 كان هناك 38 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية على مستوى العالم.
و قد أودى الفيروس حتى الآن ، بحياة حوالي 33 مليون شخص.
ففي اللحظة التي يدخل فيها الفيروس إلى الخلية المضيفة ، يقوم الفيروس الارتجاعي retrovirus مثل فيروس نقص المناعة البشرية بالتكاثر عن طريق تحويل المادة الوراثية RNA إلى DNA و دمجها في الحمض النووي للخلية المضيفة.
و من ثم يقوم الفيروس باختطاف الحمض النووي الريبي الخاص بالخلية وآلية إنتاج البروتين لعمل نسخ جديدة من نفسه.
و قد أثبتت الأدوية التي تمنع فيروس نقص المناعة البشرية من التكاثر ، والمعروفة باسم العلاج المضاد للفيروسات القهقرية أو الارتجاعية ( antiretroviral therapy (ART ، نجاحاً كبيراً في قمع الفيروس ، مما يسمح للعديد من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أن يعيشوا حياة طويلة وصحية.
و مع ذلك ، فلا يزال لدى الأشخاص الذين يتناولون العلاج المضاد للفيروسات القهقرية ART مخزون من نسخ قابلة للحياة من الجينوم الفيروسي في الحمض النووي لخلاياهم.
حيث يتم تنشيط هذه "الفيروسات الأولية proviruses" بمجرد توقف العلاج ، مما يؤدي إلى إنتاج جزيئات فيروسية جديدة.
و في غضون ذلك ، عرف العلماء لبعض الوقت أن هناك حوالي 0.5% من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يقومون بطريقة ما بقمع الفيروس دون تناول أي علاج.
على الرغم من وجود احتياطي من فيروس نقص المناعة البشرية القابل للحياة مدمجاً في الحمض النووي لخلاياهم ، فإن هؤلاء الأفراد - و الذين يطلق عليهم المتحكمين النخبة - لديهم مستويات غير قابلة للكشف من الفيروس في مجرى الدم.
لذلك فقد كان العثور على علاج يحاكي هذه الاستجابة المناعية هدفاً رئيسياً لباحثي فيروس نقص المناعة البشرية ، حيث ظلت الكيفية التي يقمع بها المتحكمين النخبة بالفيروس لغزاً محيراً .
صحارى الجينات Gene deserts :
اكتشف بحث جديد مؤخراً أن المتحكمين النخبة تحصر الحمض النووي الفيروسي في مناطق من كروموسوماتهم حيث تظل الجينات غير نشطة ، والمعروفة باسم الصحاري الجينية gene deserts .
و قد استخدمت الدراسة ، التي قادها علماء من معهد دراغون Ragon Institute ، في كامبريدج Cambridge ، ماساتشوستس MA ، تقنيات تسلسل الحمض النووي من الجيل التالي لمقارنة كروموسومات 64 من المتحكمين النخبة مع كروموسومات 41 شخصاً يتلقون العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (الارتجاعية) ART.
و كان جميع المشاركين مصابين بفيروس HIV-1 ، وهو نوع من الفيروسات مسؤول عن غالبية الإصابات في جميع أنحاء العالم.
لقد اكتشف الفريق أعداداً كبيرة من التسلسلات الفيروسية السليمة في كروموسومات المتحكمين النخبة . و لكن في هذه المجموعة ، اقتصرت المادة الجينية على مناطق غير نشطة ، حيث لا يتم نسخ الحمض النووي إلى الحمض النووي الريبي لصنع البروتينات.
و الجدير بالذكر ، فقد ظهرت الدراسة في عدد حديث من مجلة الطبيعة Nature.
و يقول كبير المؤلفين الدكتور زو يو Xu Yu : " إن وضع الجينوم الفيروسي في وحدات المتحكمين النخبة غير نمطي للغاية".
كما يوضح الدكتور يو Yu، وهو أيضاً أستاذ مساعد في الطب بكلية الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School :
"في الغالبية العظمى من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية -1 ( HIV-1)، يتموضع فيروس نقص المناعة البشرية في الجينات البشرية النشطة حيث يمكن إنتاج الفيروسات بسهولة".
و يصف الباحثون هذا بأنه آلية "حظر وقفل block and lock" للتحكم في الفيروسات.
حيث يتم منع الحمض النووي الفيروسي من التكاثر ويحبس بشكل فعال داخل الحمض النووي لمضيفه .
الأسئلة المتبقية :
لم يتم بعد إثبات كيف تحقق أجهزة المناعة لدى المتحكمين النخبة هذا التأثير .
و تتمثل إحدى الاحتمالات في أن خلاياهم تمنع بطريقة ما فيروس نقص المناعة البشرية من دمج حمضه النووي في المناطق النشطة من كروموسوماتهم.
و لكن عندما زرع الباحثون مستنبتات من خلايا المتحكمين النخبة في المختبر، و أصابوها بفيروس نقص المناعة البشرية ، لم يواجه الفيروس مشكلة في دمج الحمض النووي الخاص به في المناطق النشطة.
إذ أن هذا يشير إلى أنه و بمرور الوقت ، قد تقضي أجهزة المناعة لدى النخبة المتحكمين ببساطة على جميع الخلايا المصابة حيث اندمج الحمض النووي الفيروسي في مناطق نشطة و ولد نسخاً جديدة من الفيروس.
حيث يقوم المتحكمين النخبة Elite controllers بزيادة استجابة مناعية قوية بشكل خاص للخلايا المصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.
و قد تكون الخلايا الوحيدة المتبقية هي تلك التي يتم فيها حظر الفيروس وحبسه ، بعد أن تم دمجها بشكل عشوائي في الصحاري الجينية .
ففي مقال مصاحب اختص بالتعليق على ما سبق ، كتب البروفيسور نيكولاس تشومونت Nicolas Chomont ، عالم الأحياء الدقيقة في جامعة مونتريال University of Montreal ، في كيبيك Quebec ، أنه و بمرور الوقت ، قد يقلل الهجوم المطول من قبل الجهاز المناعي بشكل كبير من مخزون فيروسات فيروس نقص المناعة البشرية في أجهزة المتحكمين النخبة :
"إن هذا ، بدوره ، يشير إلى أن علاجات الخلايا المناعية [...] قد لا تتحكم فقط في الارتداد الفيروسي أثناء الانقطاع عن العلاج المضاد للفيروسات القهقرية ، ،
و لكنها أيضاً تقلص المخزون الفيروسي إلى مجموعة من الفيروسات الأولية الكامنة للغاية. و لا يزال يتعين تحديد ما إذا كان هذا يمكن أن يؤدي إلى سكون أو هدوء طويل الأجل لعدوى فيروس نقص المناعة البشرية ".
يُعرف العلاج الذي يسمح للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية بالتوقف عن تناول الأدوية بـ "العلاج الوظيفي functional cure " لأن الناس سيظلون مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية سليماً في كروموسوماتهم - حتى لو كان محبوساً في الصحاري الجينية.
و مع ذلك ، فقد اكتشف الفريق أن هناك واحداً من المتحكمين النخبة في دراستهم لم يكن لديه فيروس نقص المناعة البشرية سليم على الإطلاق في أكثر من 1.5 مليار خلية قاموا بتحليلها.
و هذا يثير الاحتمال النظري لـ "علاج معقم sterilizing cure " ، حيث يتم التخلص فيه من كل جينوم لفيروس نقص المناعة البشرية السليم. و قد يحدث هذا بشكل طبيعي في حالات نادرة للغاية .