كيفية إدارة اضطراب الطعام (توتر الطعام) - أو عدم الأكل على الإطلاق - في أوقات القلق و عدم اليقين.
رؤى يومية عن الحياة في مواجهة الشك ، من قبل الطبيب النفسي و أخصائي تغيير العادات، الدكتور جود بروير Dr. Jud Brewer
لا شك أن هذه الأيام تشهد اضطراباً في جميع المشاعر ،الأمر الذي يمكن أن ينتج عنه جميع العادات السيئة، وخاصةً فيما يتعلق بالطعام وهو حديث موضوعنا. و دعني أسألك:
هل تأكل أكثر من المعتاد؟ أو ربما أصبحت قلقاً للحد الذي يجعلك تنسى تناول طعامك؟
من المؤكد أن القلق يؤثر على شهيتنا بطرق رئيسية، غير أن هناك نهجاً بسيطاً يمكنك اتباعه لتحديد هذه السلوكيات و تغييرها حتى تتمكن من البقاء بصحة جيدة و تتغلب على الشعور بالقلق أثناء هذه الفترات غير المستقرة.
و عندما يتعلق الأمر بالطعام، يمكن أن يؤثر القلق على العديد منا بطريقتين لا ثالث لهما:
- إما أننا لا نأكل
- أو أن نفرط في الأكل.
و غالباً ما يندرج عدم تناول الطعام تحت فئتين:
- لا نتناول الطعام لأننا فقدنا شهيتنا بسبب التوتر والقلق
- أو أننا ببساطة ننسى تناول الطعام لأننا مشغولون بالعديد من الأشياء الأخرى.
و يُعد فقداننا لشهيتنا في الواقع آلية بقاء تكيفية ورثناها عن أسلافنا القدماء الذين عاشوا في غابات السافانا حيث تحدق بهم الأخطار من كل جانب، وكان عليهم أن يكونوا مستعدين للقتال أو الهرب في أي لحظة. فعندما تنشط استجابة الكر أو الفر لدينا، فإنها تشير إلى أجسادنا أن الوقت ليس مناسباً للجلوس وتناول وجبة لطيفة، وهكذا ينتشر الدم من الجهاز الهضمي إلى عضلاتنا.
و مع إعادة توزيع الدم تلك، نغدو مؤهلين للقيام بما نحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة، حتى نتمكن في المستقبل من تناول وجبة أخرى.
كذلك قد يكون نسيان تناول الطعام ناتجاً عن استجابة أجسامنا للتوتر .
حيث نكون شديدي التركيز فيما نقوم به أو قلقين بشأن ما يتعين علينا القيام به، بحيث ننسى أن نأكل أو لا نمنح أنفسنا استراحةً للحصول على بعض الطعام.
و عندما نكون متوترين فإن دماغنا المفكر لا يعمل بشكل جيد، إلى الحد الذي يجعلنا لا نرى أن قضاء خمس دقائق لتناول شيء ما سيساعدنا كثيراً على الاستمرار في العمل الآن، والحفاظ على استقرار مستويات طاقتنا فيما بعد.
عندما نرى بوضوح أن سلوكاً ما غير مُجزي، فإننا نفقد عزمنا على فعله في المستقبل. وأعتقد أن معظمنا يمكن أن يشعر بهذا.
لنتحدث عن الإفراط في تناول الطعام
نظراً لأن الطعام يمكن أن يؤدي إلى إطلاق الدوبامين في دماغك، فمن السهل جداً التعود على تناول الطعام كآلية للتكيف مع المستويات العالية من التوتر أو القلق.
فعندما أشعر بالسوء - أتناول شيئاً - فأشعر بتحسن.
و يعتبر المحفز و السلوك و المكافأة - هي الخطوات الثلاث التي تخلق العادة لدينا من خلال نظام التعلم القائم على المكافأة في الدماغ.
و أذكر أن مريضاً جاءني يعاني من اضطراب القلق العام. و في زيارته الأولى، حاولنا استيضاح أكثر الأشياء التي تقلقه. مثلاً عندما يقود سيارته على الطريق السريع، تهاجمه دوماً أفكار التعرض لحادث سيارة. و من شأن هذه الأفكار أن تحفز اختيار سلوك عدم القيادة على الطريق السريع.
أما نظام المكافأة فيتضمن تخلصه من هذه الأفكار التعيسة – غير أنه يحد من قدرته على الذهاب إلى الكثير من الأماكن بسبب هذا الاختيار.
تحديد مسببات القلق
و الآن بعد أن فهم مريضي نظام المحفز و السلوك و المكافأة الخاص باتباع العادات، طلبت منه تحديد المزيد من مسببات القلق لديه. و في موعدنا التالي، بعد أسبوعين، أخبرني بحماسة أنه فقد 14 رطلاً من وزنه.
كنت في حيرة من أمري في البداية - فقد كان بالفعل يعاني من زيادة الوزن، إلا أننا خططنا للتركيز على مشاكل قلقه أولاً وبعد ذلك سنتطرق إلى إفراطه في الطعام.
غير أنه أوضح لي أنه فكر متعمقاً في أسباب قلقه ومن ثمَّ أدرك أن القلق سيؤدي إلى اضطراب الطعام.
و قد بات باستطاعته الآن أن يرى بوضوح أن الإفراط في الطعام يصرفه مؤقتاً فقط عن القلق، وفي الواقع، يزيد من مخاوفه لأن السمنة تسبب مشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم.
و لذلك فقد توقف عن الإفراط في الطعام بعدما أدرك أنه لا يساعد قلقه على الإطلاق، بل في الواقع يزيد الأمر سوءاً.
بعض الأمثلة المهمة
إذا أردت تغيير عادة ما، فيجب عليك استخدام الوعي لتستطيع اختراق نظام المكافآت في دماغك
إليك عزيزي القارئ أحد الأمثلة الرائعة على ما كنا ندرسه في مختبري: استخدام الوعي لمساعدة الناس على تحديد جذور تكوين العادات المختلفة لديهم مثل التدخين و القلق و الإفراط في تناول الطعام - و استخدام هذا الوعي نفسه لمساعدتهم على اختراق نظام المكافآت في أدمغتهم.
فعندما نرى بوضوح حقاً أن سلوكاً ما غير مجزي، فإننا نفقد عزمنا على فعله في المستقبل.
و لا يمكننا الاعتماد على التفكير بينما نهدف إلى تغيير إحدى العادات لأنها كذلك تعتمد على جزء التفكير في دماغنا، ومن المثير للسخرية أن هذا الجزء لا يكون نشطاً عندما نكون جائعين أو متوترين.
بيد أننا نستطيع الاعتماد على المتبقي من دماغنا القديم لأنه يعمل على مستوى أبسط بكثير. ويحدد: هل هذا السلوك جيد أم لا؟
و إذا لاحظت أنك منجذب إلى الثلاجة بسبب عواطف مثل الحزن أو الإحباط أو الملل أو التوتر ،فانظر ما إذا كان بإمكانك تجربة خطوتين بسيطتين اليوم.
-
أولاً: حدد جذور تكوين عادة تناول الطعام الخاصة بك. ما هو المحفز؟ ما هو السلوك؟ هل تعاني من اضطراب الطعام أم الإفراط في تناول الطعام؟ ما هي المكافأة؟
-
ثانياً: امض قدماً وتناول الطعام، ولكن انتبه لما تفعل. قم بالتركيز على المكافأة التي ستتلقاها. استمر في التركيز. ما مدى المتعة الناجمة عن تناول هذا الطعام؟ إذا كان شعوراً جيداً، هل تقل المتعة كلما أكلت أكثر؟ هل تستطيع إيقاف نظام المكافأة في دماغك عندما تمتلئ معدتك؟
و هنا أعود بك إلى مريضي السابق : هل تتذكر المريض الذي أخبرتك عنه سابقاً ؟
إنني أعالجه منذ حوالي ستة أشهر. لقد فقد ما يقرب من مائة رطل، و عاد ضغط دمه إلى طبيعته.
ولم يتغلب على الخوف من القيادة على الطريق السريع فحسب، بل يعمل كسائق أوبر Uber أيضاً - وكل ذلك بفضل الوعي.
و سأختتم مقالي بصفحة من كتاب عنوانه (الصبي و الخُلد و الثعلب و الحصان) The Boy, The Mole, The Fox, and The Horse و الذي سأقتبس منه السطور التالية. و سنرى كيف يصف الخُلد بداية ترسخ عادات اضطراب الطعام.
- "هل لديك قول مفضل؟" سأل الصبي.
- أجابه الخلد: "نعم".
- "وما هو؟"
- "إذا لم يحالفك الحظ في بداية أي أمر، فتناول بعض الكعك".
- "فهمت، وهل تنجح هذه الطريقة معك؟" سأل الصبي.
- "كل مرة." أجاب الخُلد.
تحقق مما إذا كان بإمكانك تحديد أي عادات غذائية غير صحية قد تطورها اليوم، و من ثمّ التخلص منها. وسترى كم هو مدهش ما يمكنك تحقيقه بالوعي.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :