غالباً ما تحتفل ثقافتنا بأولئك الذين يثقون بأنفسهم عندما يتعلق الأمر بالتنمية الشخصية .
إلا أن هناك بحثاً جديداً يشير إلى أن التعاطف الذاتي self-compassion قد يكون طريقة أفضل للتعامل مع النجاح والتطور الشخصي.
و على سبيل المثال ، فالثقة بالنفس تجعلك تشعر بتحسن فيما يتعلق بقدراتك ، في حين أن التعاطف مع الذات يشجعك على الاعتراف بعيوبك وحدودك.
وبمجرد أن تقر وتقبل بعيوبك ، فمن المرجح أن تنظر إليها بموضوعية و واقعية. و هذا ، بدوره ، يمكن أن يؤدي إلى تغييرات إيجابية في حياتك.
فهم التعاطف الذاتي :
إن التعاطف مع الذات ، المستمد من علم النفس البوذي Buddhist psychology ،لا يشبه احترام الذات أو الثقة بالنفس.
فهو طريقة للوجود أو طريقة التعامل مع نفسك ، و ذلك بدلاً من طريقة التفكير حول نفسك .
و في الواقع ، و وفقاً للدكتورة كريستين نيف Kristin Neff ، أستاذة علم النفس في جامعة تكساس University of Texas ، فإن التعاطف الذاتي يتضمن معاملة نفسك تماماً مثلما تعامل أصدقائك أو أفراد عائلتك حتى عندما يفشلون أو يقومون بإفساد شيء ما.
و يتضمن التعاطف الذاتي بشكل عام ، قبول مسألة كونك إنسان و أنك ترتكب الأخطاء.
و هذا يعني أيضاً أنك لا تسهب في التفكير في هذه الأخطاء أو تعاقب نفسك على ارتكابها.
و لقد كانت الدكتورة نيف Neff أول شخص يقوم بقياس وتعريف التعاطف الذاتي ويقدم عدداً من التأملات التي يمكن استخدامها لتحسين مهارات التعاطف الذاتي.
و هي تقدم على سبيل المثال أيضاً ، العديد من تمارين التعاطف الذاتي التي يمكنك المشاركة فيها بما في ذلك التنفس الحنون أو المحبب affectionate breathing وتأمل المحبة والطيبة loving-kindness meditation.
المكونات الأساسية للتعاطف الذاتي :
عندما يتعلق الأمر بممارسة التعاطف الذاتي ، فهناك عدة مكونات أساسية ضرورية من أجل نجاحه .
و تشتمل هذه المكونات على:
- أن تكون طيباً ولطيفاً مع نفسك ، تماماً كما لو كنت كذلك مع صديق لك
- و أن تكون واعياً لماهيتك بالفعل ، و لعيوبك و كل شيء
- و السماح لنفسك بالحرية في عدم الكمال.
و فيما يلي نظرة عامة على المكونات الأساسية للتعاطف الذاتي.
اللطف الذاتي Self-kindness:
عندما تمارس اللطف الذاتي ، فإنك ستدرك أن جميع الناس ليسوا كاملين و أن جميع الناس لديهم حياة غير كاملة.
و أنت لطيف مع نفسك عندما تسوء الأمور بدلاً من أن تكون قاسياً معها أو منتقداً لها .
و تورد الدكتورة نيف مثالاً تقول فيه : أنه عندما يحدث خطأ ما ،فقد يكون رد فعلك الأولي هو التفكير بأنه " لا يجب أن يحدث هذا".
أو ربما ستعتقد أنه : "ما كان يجب أن تتواجد هذه المشكلة في حياتي . فالجميع يعيش حياة سعيدة تماماً ، طبيعية".
ومع التفكير السلبي أو غير اللطيف ، فإنه من المحتمل أن تواجه معاناة إضافية لأنها تجعلك تشعر بالعزلة ، و بأنك وحدك ومختلف عن أي شخص آخر.
و لكن مع اللطف الذاتي ، و بدلاً من التفكير في "يالي من مسكين " ، ستفكر قائلاً : "حسناً ، الجميع يواجهون الفشل من حين لآخر".
و هكذا ، فإنك و من خلال هذا التفكير تقر بأن كل شخص لديه مشاكل وصراعات لأن هذا هو ما يعنيه أن تكون إنساناً .
و مما لا شك فيه أنك و عندما تبدأ في التفكير بهذه الطريقة ، فإن ذلك سيغير الطريقة التي تنظر بها إلى تحديات وصعوبات الحياة.
و سيفتح لك هذا المجال للنمو من خلال التجربة التي مررت بها.
ولكن إذا شعرت أنه غير طبيعي أو أنه ما كان ينبغي أن يحدث ، فعندئذ ستبدأ في الانخراط في لوم النفس.
تركيز كامل للذهن أو اليقظة الفكرية Mindfulness :
تعتبر اليقظة عنصراً و مكوناً آخر للتعاطف الذاتي.
فعندما تكون متيقظاً ، يجب أن تكون على استعداد لمواجهة آلامك ومعاناتك والاعتراف بها.
إلا أن معظم الناس لا يريدون القيام بذلك.
و في الواقع ، فهم يريدون عادة تجنب ذلك. و هم يريدون تجنب الألم والذهاب مباشرة إلى حل المشكلات.
ولكن عندما ترميك الحياة بكرة منحنية ، فمن المهم أن تأخذ الوقت الكافي لتتنبه إلى الكيفية التي تجعلك تلك الصراعات أو خيبات الأمل تشعر و لتنتبه إلى أسباب حدوثها .
و عندما تكون قادراً على القيام بذلك ، فستكون أكثر عرضة للنمو والتعلم من الموقف.
أما الشيء الآخر الذي يجب أن تنتبه إليه فهو ناقدك الداخلي inner critic .
إذ من الممكن أن يسبب النقد الذاتي القهر أو الهزيمة و كثيراً ما يلعب على فكرة تكرار الموقف في أذهاننا .
و لكن اليقظة الذهنية تسمح لك بأن تكون مدركاً لنواقصك دون الحكم على نفسك.
و نتيجة لذلك ستدرك الأماكن التي تحتاج إلى تحسين دون الضغط على على نفسك لتكون إنساناً خارقاً .
عدم الكمال أو النقص :
بمجرد قبولك أنه لا وجود للكمال ، فستشعر و كأنه قد تم رفع حمل كبير من على كتفيك.
كما أن ذلك سيساعدك على إدراك أن ما تمر به أمر طبيعي وإنساني ، ولا يجب أن تشعر بالسوء حيال ذلك. بالإضافة إلى ذلك ، فإن التعرف على عيوبك يمكن أن يساعدك أيضاً على الشعور بالاتصال بالآخرين لأنك تدرك أن كل شخص يعاني من صعوبات وعوائق .
لذا ، تذكر أن التعاطف مع الذات يعني أن تكون لطيفاً مع نفسك وأن تدرك أن البشر ليسوا كاملين ، بما فيهم أنت.
وهذا يتطلب أيضاً الاعتراف بأنه من الجيد ألا تكون مثالياً.
كما يجب أن تساعدك عيوبك ونكساتك على فهم نفسك بشكل أفضل ، وألا تجعلك تشعر بالضغط أو تشعر بالسوء حيال هويتك.
فوائد التعاطف الذاتي :
يتضمن التعاطف الذاتي بشكل عام ، إدراك الفرق بين الاختيار السيء وأن تكون شخصاً سيئاً .
فعندما تمارس التعاطف الذاتي ، فأنت تدرك أن اتخاذ قرارات خاطئة لا يجعلك شخصاً سيئاً تلقائياً .
و لكنك و بدلاً من ذلك ، ستدرك أن قيمتك و أهميتك غير مشروطة.
و في الواقع ، فقد أظهر البحث باستمرار وجود علاقة إيجابية بين التعاطف الذاتي والرفاهية العامة.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن التعاطف الذاتي يزودك بشعور التقدير الذاتي self-worth.
ولكن ليس بطريقة نرجسية مثلما يمكن للثقة بالنفس أن تفعل في بعض الأحيان.
و هناك أكثر من ذلك ، وهو أن الأشخاص الذين يمارسون التعاطف الذاتي يمتلكون أيضاً روابط اجتماعية وذكاء عاطفياً أعلى ورضاً عام أكبر عن الحياة.
و هم أيضاً أكثر رعاية وداعماً و تعاطفاً .
وفي الوقت نفسه ، تظهر الأبحاث أن الناس المتعاطفين مع الذات أقل قلقاً واكتئاباً و خوفاً من الفشل.
حيث تظهر الأبحاث أيضاً أن التعاطف الذاتي يمكن أن يشكل حافزاً يدفع الناس إلى تحسين أخطائهم أو إخفاقاتهم أو أوجه قصورهم لأنهم ينظرون إليها بموضوعية أكثر.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
تمارين التعاطف الذاتي لتعزيز السعادة