كشفت دراسة تصويرية أن منطقتين من الدماغ تلعبان دوراً محورياً في تجربة التوتر و استعادة الهدوء.
و بالتأكيد فإن آثار التوتر على العقل و الجسم -مثل التنبه الدائم و المتزايد، وسرعة ضربات القلب- هي نعمة مختلطة للإنسان الحديث.
ففي ماضينا التطوري البعيد ، ساعد التوتر في مواجهة مفترس جائع، أو في الترحيب بمنافس لإبقائنا على قيد الحياة.
و مع ذلك ، في العالم الحديث ، يمكن أن تكون الآثار النفسية و الفيزيولوجية الفورية للضغوط و التوتر في المواقف ، مثل الامتحان أو مقابلة العمل أو الموعد الأول ، عكسية تماماً.
الأمر الخطير ، أن التوتر المزمن له ارتباطات بصحة جسدية وعقلية أسوأ.
لحسن الحظ ، على عكس الحيوانات الأخرى ، يمكن للبشر تطوير استراتيجيات معرفية لتقليل تجاربهم الذاتية جراء التوتر و الإجهاد.
دراسة جديدة عن التوتر في الدماغ
تتضمن استراتيجيات التكيف الناجحة التي حددها علماء النفس، التعبير عن المشاعر المرتبطة بالتوتر ، سواء شفهياً أو كتابياً ، و إعادة تقييم الموقف المجهد (و الذي يؤدي إلى التوتر) لرؤيته في ضوء أكثر إيجابية ، و الانتباه الواعي له.
و من خلال دراسة الحيوانات ، تعلَّم علماء الأحياء الكثير عن كيفية تنظيم الجهاز العصبي المركزي للتأثيرات الفيزيولوجية للتوتر.
و لكن التحقق من كيفية إدارة الدماغ للتجربة الذاتية للأحداث المجهدة و المثيرة للتوتر، أثبت أنه أكثر صعوبة.
تقول البروفيسورة إليزابيث جولدفارب Elizabeth Goldfarb، عالمة أبحاث مساعدة في مركز ييل ستريس ، وهو جزء من كلية ييل للطب في نيو هافن ، كونيتيكت: "لا يمكننا أن نسأل الفئران عن شعورها".
و لمعرفة المزيد عن الارتباطات العصبية للشعور بالضغط ، استخدمت جولدفارب Goldfarb و زملاؤها التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI functional magnetic resonance imaging) لفحص أدمغة 60 متطوعاً أثناء نظرهم في مجموعات من الصور بعضها يسبب التوتر، و البعض الآخر يدعو للحياد أو الاسترخاء.
و هذا التقرير ظهر في مجلة اتصالات الطبيعة Nature Communications.
فقد أظهر الباحثون للمشاركين صوراً محفِّزة للتوتر ، مثل الكلب الشرس المزمجر (مُخرِج لأسنانه) ، و الوجوه المشوهة ، و المراحيض القذرة. و في المقابل ، تضمنت الصور المحايدة أو المريحة أشخاصاً يقرؤون في متنزه، و مشاهد من الطبيعة.
و بعد عرض كل مجموعة من الصور ، طلب الباحثون من المشاركين الضغط على الأزرار لتقييم مدى شعورهم بالتوتر، على مقياس من 1 إلى 9 (1 لعدم وجود توتر على الإطلاق ، 9 للشعور بالتوتر الشديد). كما صنف المتطوعون مدى شعورهم بالهدوء أو الاسترخاء.
هل تساعد الذاكرة في تنظيم العواطف؟
كان العلماء مهتمين برؤية كيفية تغير اتصال الحُصين (الهيبوكامبس) hippocampus في الدماغ وفقاً للشعور الذي يشعر به المشارك.
و الحصين عبارة عن هيكل على شكل فرس البحر يوجد عميقاً في الفص الصدغي داخل نصف الكرة المخية. و هو الذي يلعب دوراً حاسماً في العاطفة و الذاكرة.
و قد اكتشف الباحثون شبكتين مميزتين من مناطق الدماغ تتمحور حول الحصين الذي أصبح أكثر، أو أقل ارتباطاً (تشابكاً) ، وفقاً لمستويات توتر المشاركين.
فعندما كانوا يشعر المشاركون، بالتوتر ، تعزز الاتصال في شبكة تضمنت بنية في قاعدة الدماغ تسمى ما تحت المهاد (الهيبوثالاموس) hypothalamus. و يؤدي هذا إلى إطلاق العديد من الهرمونات ، بما في ذلك هرمون التوتر و المعروف بهرمون الكورتيزول hormone cortisol.
أما عندما شعر الأشخاص (المشاركون في التجربة) بالهدوء ، تم تعزيز الاتصال بين الحُصين و الشبكة ، بما في ذلك القشرة الأمامية الجبهية الظهرية (dlPFC dorsolateral prefrontal cortex) ، بالقرب من مقدمة كل نصف كرة مخية.
و للعلم فإن dlPFC لديه ارتباطات مع الوظائف المعرفية cognitive أو "التنفيذية" executive، بما في ذلك صنع القرار و استراتيجيات التكيف التي يستخدمها الناس لتنظيم العواطف.
و تشير الأبحاث السابقة إلى أن هذا الجزء من القشرة الأمامية يلعب دوراً في الذهن و إعادة التقييم العاطفي. و هذا الأخير يمكن أن يساعد و يُلزِم باستدعاء ترابطات أكثر إيجابية.
و قد ذكر الباحثون أنه تم تعزيز الروابط بين الحُصين و dlPFC لدى بعض المشاركين ، أثناء التعرض للصور المثيرة للتوتر. و يبدو أن هذا يقلل من تجربتهم اللاحقة من التوتر.
و يتكهن الباحثون بأن هؤلاء المشاركين كانوا يصلون إلى الذكريات التي ساعدتهم على تقليل استجاباتهم للتوتر.
تقول غولدفارب: "على غرار النتائج الأخيرة التي تشير إلى أن تذكر التجارب الإيجابية يمكن أن يقلل من استجابة التوتر في الجسم ، فإن عملنا يشير إلى أنه يمكن تسخير شبكات الدماغ المرتبطة بالذاكرة لخلق استجابة عاطفية أكثر مرونة تجاه التوتر".
قد يساعد البحث في تفصيل التدخل العلاجي
تشير أبحاث أخرى إلى أن القشرة الأمامية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية ، مثل القلق ، قد تفشل في تنظيم عواطفهم في أوقات التوتر.
تقول كبيرة المؤلفين البروفيسور راجيتا سينها: "قد تساعدنا هذه النتائج على تكييف التدخل العلاجي لأهداف متعددة ، مثل زيادة قوة الاتصالات من الحصين إلى القشرة الأمامية أو تقليل الإشارة إلى مراكز التوتر الفيزيولوجي".
الاتصال بين القشرة الأمامية و أجزاء أخرى من الدماغ يلعب أيضاً دوراً في الاكتئاب.
اقترحت إحدى الدراسات الحديثة، أن تحفيز dlPFC الأيسر في القشرة الأمامية بمجال مغناطيسي ، يُعرف باسم التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة ، يمكن أن يخفف من الاكتئاب.
و لاحظ مؤلفو الدراسة الجديدة أنه بينما يكشف عملهم عن أهمية الحصين ، فمن المحتمل أن تلعب آليات الدماغ الأخرى دوراً في سياقات الصحة العقلية الأخرى ، أيضاً ، على سبيل المثال ، في حالات الإدمان.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
الامتنان : فوائد تنمية الامتنان لتخفيف التوتر