من المؤكد أن الغضب يلعب دوراً اساسياً و مهماً في الاكتئاب .
و للعلم فقد اعتاد عالم النفس سيجموند فرويد Sigmund Freud الإشارة إلى الاكتئاب على أنه غضب يتحول نحو الداخل.
ففي حين أن هناك العديد من الناس قد يعتبرون ذلك نهجاً مفرطاً في التبسيط لاضطراب الصحة العقلية الأكثر شيوعاً في العالم ،إلا أن الغضب لد دور فاعل في الاكتئاب لدى الناس.
و قد وجدت دراسة أجريت في عام 2016 ، أنه عندما يتعلق الأمر بالاضطرابات العاطفية بشكل عام ، فإن وجود الغضب له "عواقب سلبية ، بما في ذلك الأعراض المزمنة الشديدة واستجابة أسوأ للعلاج".
و خلص الباحثون إلى أنه و "بناءً على هذا الدليل ، فإن الغضب يبدو كعاطفة مهمة وغير مدروسة في تطور الاضطرابات العاطفية وصيانتها وعلاجها".
و عندما يتعلق الأمر بالاكتئاب على وجه التحديد ، يبدو أن العلم يدعم نظرية فرويد بشكل أكبر ، ويوضح المزيد والمزيد عن كيفية مساهمة الغضب في الأعراض.
كما اقترحت دراسة بريطانية أجريت في عام 2013 أن الذهاب إلى الداخل وتحويل غضبنا على أنفسنا يساهم في شدة الاكتئاب.
الاكتئاب جذوره داخلية
بسبب عملي مع عملاء مكتئبين لأكثر من 30 عاماً ، فإن هذه النتائج لم تكن مفاجئة.
إذ أن العديد من الأشخاص الذين عملت معهم و الذين يعانون من الاكتئاب يشتركون أيضاً في صراعهم المشترك في تحويل غضبهم على أنفسهم.
و كلما حاولت مساعدة عملائي في التعبير عن غضبهم بدلاً من التعامل معه و تحويله إلى الداخل ، فإنني أشاهد بشكل مباشر مدى صعوبة الأشخاص في مقاطعة هذه العملية.
و تعتبر هذه العملية كتحد بالنسبة لهم من حيث التعرف على الطريقة السيئة التي يعاملون أنفسهم بها ، فهم ينتقدون أنفسهم بشكل ملحوظ أكثر من الآخرين.
غالباً ما يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب "أصوات داخلية ناقدة" تكرس مشاعر عدم الجدارة و العار.
و عندما يستمعون إلى هذا الناقد الداخلي ، فإنهم لا يشعرون بمزيد من الاكتئاب فحسب ، بل يجدون أيضاً صعوبة أكبر في مواجهة اكتئابهم.
و يشمل هذا الأمر التصرف ضد أصواتهم الداخلية النقدية ، واتخاذ إجراءات إيجابية قد تساعدهم على الشعور بتحسن تجاه أنفسهم (مثل الانخراط في الأنشطة التي يستمتعون بها) ، وأن يكونوا أكثر اجتماعية.
و يمكن أن يكون الغضب من هذه "الأصوات" أمراً محرِّراً ، ولكن ذلك يعني التواصل مع مشاعر الغضب الجوهرية بدلاً من توجيهها إلى أنفسنا.
ويصف الدكتور ليس غرينبرغ Les Greenberg ، مؤسس العلاج المركّز عاطفياً Emotionally Focused Therapy ، فرقاً هاماً بين الغضب التكيفي adaptive anger و الغضب غير التكيفي nonadaptive anger .
الغضب التكيّفي و غير التكيّفي
يعرف الغضب على أنه استجابة تكيفية عندما يحفزك على اتخاذ إجراءات حازمة لإنهاء الانتهاك أو الاعتداء .
و على سبيل المثال ، عندما نشعر بالغضب من الطريقة القاسية التي نعامل بها أنفسنا اليوم ، فنحن على اتصال بغضبنا التكيفي ، ونشعر أننا نقف في صفنا نحن .
إذ أن السماح لنا بأن نشعر ونعبر عن الغضب التكيفي يمكن أن يساعدنا على الشعور بأننا نحمل عبئاً أقل ، و أننا أكثر حرية ، وأكثر اتصالاً بأنفسنا الحقيقية.
من ناحية أخرى ، يؤثر الغضب غير المتكيف سلباً Maladaptive anger علينا . و لسبب واحد ، يمكن أن يساهم هذا الغضب غير المتكيف في الشعور بأنك ضحية ، عابس ، أو عالق في الشعور بالظلم.
ويمكن أن تشمل أمثلة الغضب غير المتكيف الذي تحول إلى الداخل الشعور بالنقد المفرط تجاه أنفسنا ، أو كراهية أنفسنا ، أو رؤية أنفسنا على أننا عاجزين أو مثيرين للشفقة أو ضعيفين.
و تستند الاستجابات المختلة بشكل عام و التي تنتج عن الغضب غير المتكيف إلى مخطط عاطفي من التجارب المؤلمة في الماضي.
و غالباً ما يكون صوتنا الداخلي النقدي هو أصل الغضب غير المتكيف ، مما يدفعنا إلى البقاء في حالة من الإحباط والمعاناة.
و يمكننا أن نشعر تقريباً بالفرق بين الغضب غير المتكيف الذي يجرنا إلى أسفل و إلى حالة أعمق من القلق أو الاكتئاب ، و الغضب التكيفي الذي يخفف من عبئنا الثقيل ، و ينيرنا عاطفياً ويساهم في اتخاذنا لإجراءات بناءة.
و في حين أنه قد يكون من المخيف مواجهة هذه العواطف الجوهرية الأعمق ، إلا أنه من الواجب علينا الوصول إلى العواطف التكيفية لتحويل عواطفنا غير المتكيفة. بحيث يمكن أن تكون هذه العملية حيوية لمساعدتنا في التعامل مع الاكتئاب.
دور العلاج المركز عاطفياً في حالات الغضب التكيفي و غير التكيفي
لقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجراها الدكتور غرينبرغ Greenberg أن العلاج المركّز عاطفياً يمكن أن يحول المشاعر غير المتكيفة من خلال عملية التعبير عنها والتسبب في استجابة العاطفة التكيفية ، أي الغضب التكيفي.
و تجدر الإشارة إلى أن هذا النهج كان فعالاً بشكل خاص في تحسين أعراض الاكتئاب والضيق بين الأشخاص interpersonal distress و احترام الذات self-esteem .
و كما وصفها الدكتور غرينبرغ ، فإن العملية "تهدف في إطار علاقة تعاطفية فعالة (منسجمة) إلى الوصول إلى الذكريات التخطيطية العاطفية المعتادة غير المتكيفة وتحويلها [و التي يتم التعبير عنها كأصوات داخلية حرجة] والتي يُنظر إليها على أنها مصدر الاكتئاب".
لذلك ، فقد يكون تحويل هذه العواطف السيئة أحد مفاتيح مكافحة الاكتئاب.
كما أن نهجنا في تحويل الغضب إلى الداخل ، و الذي يشبه إلى حد ما نهج غرينبرغ ، يتمثل في جعل الشخص يلفظ أصواته الداخلية النقدية كما لو كان شخصاً آخر يخبره بهذه الأفكار الغاضبة.
و نحن نشجع الشخص على التعبير عن المشاعر الكامنة وراء الأفكار.
و في كثير من الأحيان ، عندما يفعل الناس ذلك ، فإنهم يعبرون عن الكثير من الغضب تجاه الذات.
و من خلال قول تلك الأفكار على لسان شخص آخر (مثل العبارات التي تبدأ بالضمير "أنت") ، فإنهم يبدأون في الانفصال عن مواقفهم القاسية والنقدية ، وغالباً ما يكون لديهم رؤى حول مصدر هذه الأفكار.
و هي تمهد الطريق أمامهم "للرد" على هذه الهجمات والوقوف إلى جانب أنفسهم .
و يتمحور الهدف أيضاً حول مساعدة الشخص على تطوير المزيد من التعاطف مع الذات ووجهة نظر أكثر لطفاً و واقعية تجاه نفسه.
أخرج أفكار الغضب للخارج
بينما نخرج أفكارنا السلبية و الغضب المصاحب لها ، يمكننا أن نقف بشكل أفضل مع ناقدنا الداخلي و أن نتخذ موقفاً عطوفاً تجاه أنفسنا ، و نعامل أنفسنا كما لو أننا نعامل صديقاً ما .
و هذا لا يعني إنكار نضالاتنا ونكساتنا ، و لكنه يعني تبني ممارسة التراحم الذاتي self-compassion . و يتضمن التراحم الذاتي ، كما حددته الباحثة كريستين نيف Kristin Neff, ، ثلاثة عناصر رئيسية:
اللطف الذاتي self-kindness ، و اليقظة mindfulness ، و الوعي بالإنسانية المشتركة awareness of common humanity.
و قد أظهرت الأبحاث أن ممارسة التراحم الذاتي يمكن أن تقلل بشكل كبير من المزاج المكتئب.
وكما أشارت إحدى الدراسات ، فإن المعتقدات غير المتكيفة أو غير العقلانية تكمن وراء تطور الاكتئاب ، ومع ذلك ، فإنه و عندما ساعدت المستويات المرتفعة من التعاطف الذاتي في مواجهة هذه الأفكار السلبية ، لم تعد هناك علاقة كبيرة بين المعتقدات غير العقلانية والاكتئاب.
وأظهرت هذه الدراسة نفسها أن "مكون اللطف الذاتي في التعاطف الذاتي بشكل خاص هو الذي خفف من علاقة الاكتئاب غير العقلانية المعتدلة".
وبالتالي ، فإن الهدف الأساسي لشخص يكافح من أجل تبديد مشاعره حول الاكتئاب يكمن في معاملة نفسه وأن ينظر إلى مشاعره كما يفعل مع صديقه .
فالأمر لا يتعلق الشعور بالأسف نحو أنفسنا ، بل بالشعور بالقوة والاستحقاق و الخوف بشكل أقل من ارتكاب الأخطاء.
و في نهاية المطاف
يجب أن يكون قبول مسألة أن الغضب يلعب دوراً في اكتئابنا هو أداة تمكينية في معركتنا للشعور بالتحسن. فعندما يعبر الناس عن الغضب للخارج بطريقة تكيفية صحية ، فإنهم سيشعرون باكتئاب أقل .
و لا يعد الوصول إلى هذا الغضب والتعبير عنه مسألة تتعلق بالتصرف ، أو كوننا سريعي الغضب و الانفعال أو الشعور بالمرارة تجاه محيطنا.
بل إن هذا يعني العكس تماماً في الواقع . إنه فعل الدفاع عن أنفسنا (الوقوف إلى جانبنا) وقبول أننا لسنا الذين تخبرنا عنهم "أصواتنا " أننا نحن .
إنها عملية مواجهة الأشياء التي تؤذينا ولكن أيضاً مواجهة العدو الداخلي الذي نمتلكه جميعاً والذي يدفعنا إلى عمق معاناتنا.
و كلما استطعنا أن نقف بجانبنا ونقاوم ميلنا في تحويل غضبنا نحو أنفسنا ، كلما شعرنا بالرحمة (التعاطف) والحيوية في مواجهة أي تحد ، بما في ذلك الاكتئاب .
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
كيفية التعامل مع الغضب وإيجاد السلام
التعامل مع حالات الغضب لدى الأطفال : 7 طرق لمساعدة الطفل الغاضب