السكر هو مصدر مهم للطاقة لجميع البشر و حتى الحيوانات.
و بالنسبة لنا نحن البشر فقد قمنا بتطوير دوائر عصبية متخصصة في الدماغ،
للتعرف على السكر و البحث عنه ، و تبدأ من الفم.
لقد حدد باحثون من جامعة كولومبيا Columbia University الخلايا العصبية المستشعرة لـ السكر في الفئران ، مما قد يؤدي إلى تطوير محليات جديدة.
و كما هو معلوم فإن السكر يوجد في كل مكان في النظام الغذائي اليوم، وهو أحد أكثر المكونات شيوعاً في الأطعمة المصنعة . و غالباً ما يوصف بأنه يسبب الإدمان addictive.
و نظراً لأن السكر المكرر أصبح متاحاً على نطاق واسع في جميع الدول ، فقد زاد متوسط الاستهلاك للفرد في معظم الدول عن 10 مرات ، إلى أكثر من 45 كجم في السنة.
و تقدر مراكز السيطرة على الأمراض (الأمريكية) و الوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention CDC) أن الناس في الولايات المتحدة يستمدون الآن حوالي 14 ٪ من السعرات الحرارية اليومية من السكر المضاف.
و بالفعل فإن معدلات الاستهلاك المرتفعة لـ السكر مثيرة للقلق ، بالنظر إلى ارتباط السكر بمرض السكري من النوع 2 و بالسمنة ، و كلاهما في ارتفاع في العالم بشكلٍ عام.
و الآن ، فقد حدد باحثون من جامعة كولومبيا ، في نيويورك ، بعض آليات الدماغ وراء استهلاك السكر ، و التي قد تفسر سبب، تسبُّب السكر في الرغبة الشديدة التي لا تستطيع المحليات الاصطناعية تلبيتها.
و للعلم فإن نتائج البحث موجودة في مجلة الطبيعة journal Nature.
كل شيء يبدأ بمستقبلات الذوق
السكر هو مصدر طاقة مهم لجميع الحيوانات ، بما في ذلك البشر. و نتيجة لذلك ، قمنا -نحن البشر- بتطوير دوائر عصبية متخصصة للتعرف على السكر و البحث عنه ، و تبدأ في الفم.
فاللسان له مستقبلات ذوق محددة للكشف عن الحلاوة. و يتم تنشيطها عن طريق السكر ، و هي بدورها ترسل إشارات إلى الدماغ.
و من المثير للاهتمام ، على الرغم من ذلك ، أن الحيوانات يمكن أن تطور الرغبة الشديدة في تناول السكر ، حتى لو كانت تفتقر إلى مستقبلات الطعم له ، كما يشير مؤلفو الدراسة الحالية.
و ما هو أكثر من ذلك ، كما يقول الباحثون ، أنه إذا تم إعطاء الحيوانات التي لا تحتوي على مستقبلات طعم حلو مشروبين ، أحدهما محلى بالسكر و الآخر مع التحلية الاصطناعية ، فإنهم سيستمرون باختيار الشراب السكري - على الرغم من عدم قدرتهم على التذوق أيضاً.
و هذا يشير إلى أن الجسم قد يتعرف على السكر في منطقة أخرى ، ربما في المسار الهضمي.
و للتحقيق في ذلك، شرع الباحثون من معهد زوكرمان كولومبيا Columbia’s Zuckerman Institute في البحث عن هذه المستقبلات الإضافية في الفئران.
محور الدماغ و الأمعاء
بدأ الفريق بإعطاء السكر مباشرة إلى القناة الهضمية ، متجاوزاً بذلك مستقبلات التذوق تماماً.
هذا لأن هناك علاقة معروفة بين الأمعاء و الدماغ ، تسمى محور الأمعاء و الدماغ The gut-brain axis. على سبيل المثال ، تؤدي رؤية و رائحة الطعام إلى إفراز الأمعاء للسوائل الهضمية.
و يبدو أن هناك علاقة مماثلة بالنسبة لـ السكر. إذ أنه عندما أعطى الباحثون السكر للفئران مباشرة لأمعائهم ، أضاءت منطقة من أدمغتهم بالنشاط المماثل.
و هذه المنطقة ، التي تسمى النواة الذيلية caudal nucleus في القناة الانفرادي (عبارة عن حزمة ألياف مضغوطة تمتد طولياً عبر المنطقة الخلفية الجانبية للنخاع، و يحيط بالقناة الانفرادية نواة الجهاز الانفرادي ، وتنزل إلى الأجزاء العنقية العلوية من الحبل الشوكي) ، و هي جزء من جذع الدماغ ، و هو أحد أكثر أجزاء الدماغ بدائية ، و التي تنظم العمليات الأساسية مثل التنفس و معدل ضربات القلب.
"لقد كان هناك شيء ما يرسل إشارة تشير إلى وجود السكر من الأمعاء إلى الدماغ"، كما يوضح البروفيسور ألكسندر سيستي ر، مؤلف أول مشترك في ورقة البحث.
الخلايا العصبية التي تستشعر السكر
بعد ذلك ، أراد الباحثون العثور على المستقبل في الأمعاء، و قد تحول انتباههم إلى العصب المبهم vagus nerve. و هذا هو واحد من أطول الأعصاب في الجسم ، يمتد من جذع الدماغ إلى القولون ، و هي طريقة رئيسية للتواصل بين الأمعاء و الدماغ.
و بالفعل شاهد الباحثون نشاط الخلايا في العصب المبهم عندما تم توصيل السكر إلى القناة الهضمية ، و وجدوا -لأول مرة- مجموعة من الخلايا العصبية التي تستشعر السكر في المسار من القناة الهضمية إلى الدماغ.
و هنا يوضح سيستي قائلاً: "بتسجيل نشاط خلايا الدماغ في العصب المبهم ، حددنا مجموعة من الخلايا في العصب المبهم و التي تستجيب للسكر".
و قد تم تنشيط هذه المستقبلات في الأمعاء عن طريق السكر – و لكن ليس بالمحليات الاصطناعية ، مما قد يفسر لماذا لم تقلل المحليات بشكل كبير من استهلاك السكر منذ أن تم تقديمها على نطاق واسع قبل 40 عاماً.
خداع اللسان و الدماغ
في المستقبل ، يمكن أن تؤدي هذه النتائج إلى تصميم مواد التحلية التي تقوم بعمل أفضل لخداع الدوائر العصبية.
وهنا يقول المؤلف الأول المشارك البروفيسور هوي اي تان Hwei-Ee Tan: "عندما نشرب الصودا دايت، أو عندما نستخدم مادة التحلية في القهوة ، فقد يكون مذاقها متشابهاً مع السكر، لكن أدمغتنا يمكن أن تحدد الفرق".
"إن اكتشاف هذه الدائرة المتخصصة في الدماغ و الأمعاء، و التي تستجيب للسكر ( والسكر وحده)، يمكن لهذا أن يمهد الطريق للمُحليات التي لا تخدع لساننا فحسب ، بل تخدع أدمغتنا أيضاً" يوضح هوي أي تان.
و يبدو أن هذه الدائرة تتعرف على جزيء السكر و لكنها لا تعتمد على محتواها من السعرات الحرارية ، و هو خبرٌ واعدُ للمصنعين المهتمين بتطوير بدائل صحية تنشط هذه الدائرة العصبية، و لكنها تحتوي على سعرات حرارية أقل.
و يضيف البروفيسور تان: "يمكن لهذه النتائج أن تحفز تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية للحد بشكل كبير من مساعينا المندفعة اتجاه السكر، من خلال تعديل مكونات مختلفة من هذه الدائرة إلى [تصميم] بدائل محتملة للسكر، و التي يمكن أن تحاكي بشكل أقرب طريقة عمل السكر على الدماغ".
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
لماذا لا نستطيع أن نفهم الدماغ بشكل صحيح؟