عندما نطمح إلى الكمال فإنه سيكون بإمكانه أن يعيق قدرتنا على التقدم و النمو. كثيراً ما تُنقش في عقولنا فكرة أنه ينبغي أن نصبح عظماء في كل الأشياء التي نقوم بها. و يبدو كما لو كان الأمر شديد الضغط، هل ذلك صحيح؟
حسناً، ماذا لو لم يكن المراد هو أن نكون عظماء، و إنما ببساطة أن نبرز بوضوحٍ طوال الوقت مراراً وتكراراً؟
إن التقدم الدائم لا يعني أن تكون عظيماً بشكلٍ متسق؛ و إنما يعني أن تكون عظيماً في اتساقك.
و يعني كذلك أنه عوضاً عن التركيز على القيام بالأشياء بشكلٍ متقن، أن تركز فقط على الفعل وتحسين مستواك كلما تقدمت في طريقك. عندما نصبّ تركيزنا على أن نكون متسقين، فإننا نمنح أنفسنا أكثر من فرصةٍ لنكون عظماء.
إننا دوماً ما نشاهد على الإنترنت الآخرين كما لو كانوا يحققون الكثير من العظمة أثناء الليل. تاركين إياك تشعر بالضياع. و لكن ماذا لو أخبرتك أن القوة الحقيقية تكمن في النهج الذي نتبعه؟
عندما نولي اهتمامنا للاتساق أكثر من الكمال ، هذه هي المنافع التي نجنيها:
- يأخذك من حولك على محمل الجدية.
يمكنك أن تلبث دهراً و أنت تحدث الناس عمّا تريد تحقيقه، غير أنك إن لم تحقق ما تتحدث عنه؛ سيتوقف الناس عن الاستماع إليك.
و لكن، إذا أعلنت عن وجودك كل يوم، و أقدمت على مجهوداتٍ متسقة، ستكون مرادفاً مع الذي تسعى لتحقيقه. و سوف يرى الآخرون من أفعالك أنك شغوفٌ بما تفعله أو بما تؤمن به.
- ستصبح النسخة الأفضل منك، و تكتسب المزيد من المعرفة
لن يتعلم أحدٌ قط أي شيءٍ إذا نجح في فعل شيءٍ ما بالشكل المتقن من المحاولة الأولى. فارتكاب الأخطاء، و اكتشاف وسائل جديدة، و تحسين أو تبديل الأشياء طوال مدة العمل، كل هذا يجعلك أكثر نجاحاً فيما تفعل.
- ستحرز تقدماً حقيقياً
كم عدد المرات التي أطلت فيها القيام بشيءٍ ما، حتى أصبح هذا الشيء غير موجودٍ عملياً بسبب انتظارك المضني لأن يكون في غاية الكمال ؟ كان هذا شيئاً يصعب عليّ الاقتناع به،
لكن من شهورٍ قليلة مضت؛ اكتشفت أن نوع الخوف الذي ينتابني هو السبب وراء المماطلة. لطالما اعتبرت نفسي أحد الساعين لـ الكمال ، و لم ألبث أن اكتشفت أن المماطلة أحد سماتنا الرئيسية.
إننا نقوم بتبديل و تعديل الأشياء مراراً و تكراراً آملين في جعلها متقنةً، غير أن الحال ينتهي بنا إلى عدم فعل أي شيءٍ مطلقاً. و لكن حينما نتحلى بالاتساق، بدون النظر لمدى كمالية الشيء من عدمها، فإننا نُزيد من احتمالية التقدم و النجاح.
إذ أننا عندما نسمح للمزيد من الاتساق بالدخول إلى عوالمنا، فإننا نحوز فرصة أن نرى تغييرات حقيقية في محيطاتنا. فـ الكمال عندما ننشده بإمكانه أن يعيق قدرتنا على التقدم والنمو.
و الآن، كيف تصبح أكثر اتساقاً؟
أولاً: استوعب أنك قد تخفق و أنه لا بأس في هذا.
إن أكبر الأشياء التي تعوقنا عن أن نكون أكثر اتساقية و متكلين على الكمالية عوضاً عنها، هي أننا نتخوف من ارتكاب الأخطاء. و عندما نخفق، ينتابنا الشعور بالإحباط، و تصبح أحد الطرق التي نسلكها لحماية أنفسنا هي محاولة السيطرة على النتيجة. و لذا فإننا ننتظر حتى يحين الوقت المناسب، عوضاً عن خوض المغامرة.
اعط ِنفسك المساحة لأن تعيش حياتك بشجاعةٍ و إقدام. فعندما ينتابك مثل هذا الخوف؛ ذكّر نفسك أنه لا ضير في ارتكاب الأخطاء. و لمساعدتك في ذلك، جرّب ترديد الآتي على مسامعك دوماً،
"ربما أتعثر، لكنني سأستمر في التعلم، و التقدم على طول الطريق".
ثانياً: التزم بالوعود التي تقدمها لنفسك
عندما يتعلق الأمر بتنفيذ المهام، و الوقوف بجانب الآخرين؛ تزداد احتمالية أن نعلن عن أنفسنا. و لكن حينما يتعلق الأمر بذواتنا، فإننا سرعان ما نتخلف عن تلك الوعود التي أبرمناها مع أنفسنا.
لذا تعامل مع ذاتك بمثل التقدير، و الاحترام اللذين تظهرهما للآخرين من حولك.
فإذا حددت هدفاً، فاجعل أولويتك أن تحققه؛ لأن ذاتك، و سعادتك هما الأكثر أهمية من بين كل الأشياء.
ثالثاً: حاول أن تحدّ من عقد المقارنات
عندما تغدو حياة الآخرين، و أفعالهم بين أيدينا، يصبح من العسير عدم عقد المقارنات بيننا و بين نجاحاتهم التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ففي بعض الأحيان، يبدو الأمر كما لو أن كل شخص آخر يتقدم إلى الأمام، و يتمتع بفرصٍ و حظوظٍ أكثر بكثير مما لدينا.
و لكن دعنا نعترف بهذا، إن وسائل التواصل الاجتماعي Social Media عادةً ما تكون منصاتٍ لتسليط الأضواء. و لا يعلم معظمنا ما الذي حدث فعلاً خلف الكواليس لإعانة الأشخاص على ما وصلوا إليه.
و من المحتمل بدرجةٍ كبيرة أنه كان عليهم أن يشرعوا في العمل، يوماً بعد يوم، إلى أن تنبثق فرصة لمساعدتهم في الظهور أخيراً.
و حيث أننا جميعاً نعيش ظروفاً مختلفة؛ فمن الأهمية أن تدرك أن طريقك ملكٌ لك وحدك. و بالتمتع بالاتساق؛ ستقر عينيك بحصاد جهدك بدون شك.
رابعاً: خطوة صغيرة دوماً ما تكون أفضل من، لا خطوة على الإطلاق
إن أفضل الأشياء التي نفعلها لأنفسنا إذا ما رغبنا في التغيير في أي وقت؛ هي أن نأخذ خطوة باتجاه ما نريد. سواءٌ أكانت صغيرة أم كبيرة؛ فمجرد تحليك بالصدق، و الشروع في العمل باتساقٍ دوماً ما يضيف لك.
و عندما نركن إلى الكمال ؛ فإننا نحكم على قدراتنا بالموت.
و لذا، ابدأ من اليوم أو الغد في إحراز فعلٍ واحد صغير، و الذي بدوره سيساعد على دفعك إلى الاتجاه الذي تصبو إليه. و بعد ذلك، افعل شيئاً صغيراً آخر.
و بينما تتقدم في طريقك، قدّر إرادتك و مجّد منهاجك. و بالوقت والجهد الثابت؛ ستبدأ الأشياء التي تصبو إليها في السطوع شيئاً فشيء.