بما أن مرض السكري ( أو داء السكري) Diabetes يعرف على أنه الارتفاع الكبير في مستويات السكر في الدم، فإن ذلك يدفع الكثير من الناس إلى التساؤل عما إذا كان السكر Sugar قد يسبب هذا الارتفاع الكبير.
و كما هو معلومٌ طبياً، أن الإفراط في تناول كميات كبيرة من السكر قد يكون له تأثيرٌ كبيرٌ في الإصابة بمرض السكر لكن هذا الأمر ليس سوى قطعة واحدة من اللغز، فإلى جانب التناول المفرط للسكر فإن هناك عوامل أخرى تؤثر أيضاً على مرض السكري، منها النظام غذائي العام، وعوامل الوراثة genetics ، وأيضاً أسلوب الحياة lifestyle.
و بالتالي فإن كل تلك الأمور تجعل من هذا الموضوع من ضمن أهم الموضوعات الجديرة بالحديث عنها، لذلك سوف نعرض عليكم في هذا المقال دور السكر في تطور مرض السكري، وما هي أهم النصائح التي تساعد في الوقاية من هذا المرض.
ما هو مرض السكري؟
مرض السكري هو مرض يصيب الشخص عندما يعجز جسده عن تنظيم مستويات السكر في الدم كما ينبغي أن يكون، وهذا يحدث عندما يتوقف البنكرياس pancreas عن إنتاج ما يكفي من الأنسولين insulin ، عندما تصبح خلاياك مقاومة للأنسولين.
و الأنسولين هو الهرمون المسؤول بشكل كامل عن نقل السكر خارج مجرى الدم و إلى خلايا الجسم، لذا فإن كلا السيناريوهين يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل مزمن.
ولا يتوقف خطر ارتفاع مستويات السكر في الدم على الإصابة بمرض السكري فقط، حيث يسبب الكثير من المضاعفات الأخرى مثل الإصابة بتلف الأعصاب والكلى، إلى جانب الإصابة بأمراض القلب.
يوجد نوعين أساسين من مرض السكري يرجع كلا منهما إلى أسباب تختلف عن الأخرى:
النوع الأول: - يحدث عندما يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة البنكرياس المنتجة للأنسولين ويدمر قدرتها على الانتاج، وهذا النوع من مرض السكري نادرٌ نسبياً وترجع أسبابه في الغالب إلى عوامل وراثية، أما نسبة الإصابة به فهي تمثل 5-10% من عدد المصابين بهذا المرض.
النوع الثاني: - يحدث هذا النوع من السكرى في حالتين، الحالة الأولى عندما يتوقف البنكرياس عن إنتاج الأنسولين الكافي للجسم، أما الحالة الثانية فهي تحدث عندما تتوقف خلايا الجسم عن الاستجابة للأنسولين، وقد تحدث الحالتين معاً،
وهذا النوع من مرض السكري هو الأكثر شيوعاً، حيث يصيب 90% من المصابين بالسكري، ويرجع السبب الرئيسي في الإصابة به إلى الاضطراب في النظام الغذائي ونمط الحياة، وهو أيضاً محور حديثنا في هذا المقال.
كيف يتم استقلاب السكر Sugar؟
إن السكر الذي يتحدث عنه العديد من الناس، هو السكروز sucrose أو سكر الطاولة table sugar الذي يتم صنعه من بنجر السكر (الشمندر السكري) sugar beets وقصب السكر sugarcane ، وهو يتكون من جزء واحد من الجلوكوز glucose وجزء آخر من الفركتوز fructose واللذان يرتبطان مع بعضهم البعض.
أما عندما يتم أكل السكروز تنفصل جزيئات الجلوكوز والفركتوز عن بعضها البعض بفعل الإنزيمات الهاضمة في الأمعاء الدقيقة، وذلك قبل أن يتم امتصاصها في مجرى الدم في الجسم.
الأمر الذي يتسبب في ارتفاع مستويات السكر في الدم ويحفز البنكرياس على افراز الأنسولين، الذي يقوم بنقل الجلوكوز خارج مجرى الدم ليتم استقلابه والحصول على الطاقة.
و عندما يتم تناول كميات كبيرة من السكر فإن الجسم يحول ما يكفيه منه إلى طاقة ، أما الفائض عنه فإنه يتحول إلى دهون تخزن في الجسم، الأمر نفسه الذي يفسر السبب في الإصابة بأمراض القلب والكبد الدهني fatty liver لدى مرضى السكري.
و نتيجة لذلك عندما يتحول الفركتوز إلى دهون فإن مستويات الدهون الثلاثية triglyceride levels تزيد من خطر الإصابة بهذه الأمراض.
ويرتبط ارتفاع تناول الفركتوز أيضاً بارتفاع مستويات حمض اليوريك uric acid في الدم، و عندما تستقر بلورات اليوريك أسيد في مفاصلك فإنها تسبب حالة شديدة من الألم تسمى النقرس gout.
هل يزيد السكر Sugar من خطر الإصابة بالسكري؟
وفق آخر ما تم التوصل إليه في الدراسات الحديثة فقط وجد أن الأشخاص الذين ينتظمون في تناول المشروبات المحلاة بالسكر بكثرة، سيكون لديهم الاستعداد بنسبة 25% للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، حيث وجد أيضا أن تناول مشروب محلى بالسكر يومياً يزيد من خطر الإصابة بمرض السكر بنسبة تصل إلى 13% إلى جانب الزيادة في الوزن بالطبع.
ولا تزال العلاقة بين الإصابة بمرض السكري وتناول السكر قائمة حتى بعد التحكم في اجمالي السعرات الحرارية، و وزن الجسم، وممارسة الرياضة، والكمية المتناولة من الكحول، على الرغم من أن الدراسات إلى الآن لم تثبت أن تناول السكر يسبب الإصابة بالسكري ولكن هذا لا ينفي الارتباط القوي بينهم.
وبناءَّ على ما سبق فقد وجد أيضاً أن البلدان التي يرتفع فيها استهلاك السكر، تكون في أعلى معدل للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، على عكس البلدان الأقل استهلاكاً للسكر، مما يؤكد على دور السكر في الإصابة بمرض السكري، سواءً بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر. فالشكل المباشر للإصابة يكون عن طريق تأثير الفركتوز على الكبد، بما في ذلك العمل على تعزيز الكبد الدهني ومقاومة الأنسولين الموضعي، وقد تؤدي هذه التأثيرات إلى إنتاج غير طبيعي للأنسولين في البنكرياس مما يزيد من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري.
كما أن تناول كميات كبيرة من السكر يمكن أن يزيد بشكل غير مباشر من خطر الإصابة بمرض السكري من خلال المساهمة في زيادة الوزن وزيادة الدهون في الجسم - وهي عوامل خطر منفصلة للإصابة بمرض السكري
ولما تقتصر النتائج في الدراسات على البشر فقط بل تم إجرائها على الحيوانات أيضاً، وقد اشارت إلى أن تناول كميات كبيرة من السكر يزيد من احتمالية تعطيل إشارة هرمون الليبتين leptin المسؤول عن تعزيز الشعور بالامتلاء وبدونه يفرط الفرد في تناول الطعام فيزداد وزنه.
وتجنباً للأثار السلبية التي قد تنتج عن الاستهلاك الكبير للسكر، فقد أوصت المنظمة الصحية العالمية WHO بمقدار معين من السعرات الحرارية (غير الموجودة بشكل طبيعي في الأطعمة و المأخوذة من السكر (Sugar)) بما لا يتجاوز 10% يومياً فقط.
السكريات الطبيعية لا تمتلك نفس التأثير
تختلف السكريات الطبيعية عن السكر بالنسبة لارتباطها بمرض السكر، فالسكريات الطبيعية هي عبارة عن سكريات موجودة في الخضراوات والفواكه بشكلٍ طبيعي، حيث توجد هذه السكريات داخل مصفوفة من الألياف والماء ومضادات الأكسدة والمواد المغذية الأخرى، التي لا تتسبب في أي ارتفاع في مستويات السكر في الدم عند تناولها.
كما أن هذه الخضراوات والفواكه لا تحتوى على الكمية الكبيرة من السكر والتي من الممكن أن تسبب هذا التأثير، مقارنةً بالعديد من الأطعمة المصنعة الأخرى، فالخوخ على سبيل المثال يحتوي على 8% من وزنه سكر مقارنةً مع المواد الصناعية الأخرى.
ماذا عن عصير الفاكهة؟
هناك اختلاف كبير في الآراء عما إذا كان تناول عصير الفواكه يزيد من خطر مرض السكري، حيث وجدت العديد من الدراسات أن هناك صلة قوية بين تناول عصير الفواكه وبين تطور مرض السكري. وربما يرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع نسبة السكر في العصير عن النسبة الموجودة في ألياف الفاكهة المستخدمة نفسها، على النقيض من نظريات أخرى رفضت التسليم بهذا الأمر ونفت وجود ارتباط بينهم، مما يدعو إلى المزيد في البحث في هذا الموضوع.
ماذا عن المحليات الطبيعية؟
على الرغم من اختلاف المحليات الطبيعية المتمثلة في "العسل وشراب القيقب" عن سكر المائدة، إلا أنها لا تزال مصدر نقي نسبياً للسكر sugar ولا تحتوى على ألياف تقريباً، كما أن هذه المنتجات تحتوى على كميات كبيرة من السكروز والفركتوز وتعتبر بذلك مصادر للسكر الإضافية عند استخدامها في الطهي، وكذلك العديد من المحليات الأخرى التي يتم تسويقها على أنها طبيعية، فهي تعتبر سكراً إضافياً وهي تشمل السكر وجوز الهند وقصب السكر وغيرها الكثير من المنتجات التي لا تحصى.
هل المحليات الصناعية تزيد من خطر الإصابة بالسكري؟
إن المحليات الصناعية هي عبارة مواد صناعية من صنع الإنسان ذات مذاقٍ حلو، ولا يمكن استقلابها للحصول على الطاقة، أي أنها توفر مذاق حلو دون سعرات حرارية، وعلى الرغم من عدم وجود تأثير لهذه المحليات في إحداث زيادة في مستويات السكر في الدم، إلا أن هذا الأمر لا يمنع الارتباط الكبير بينها وبين تطور مقاومة الأنسولين ومرض السكر من النوع الثاني. فيعتبر شرب علبة واحدة من صودا الدايت يومياً تزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة تتراوح بين 25% و 67% مقارنة بشرب أي نوع آخر من الصودا.
وبناءً على ما سبق، فيمكن أن يتم طرح سؤالٍ مهمٍ وهو "لماذا تزيد المحليات الصناعية من خطر الإصابة بمرض السكري؟". وللإجابة عن هذا السؤال فقد طرحت العديد من النظريات التي عرضت الإجابات بطريقة مختلفة، حيث أشارت إحدى النظريات إلى أن هذه المحليات تزيد من الرغبة في تناول المزيد من الأطعمة ذات المذاق الحلو، مما يزيد من استهلاك السكر، إلى جانب الزيادة في الوزن بالطبع، والأهم هو زيادة خطر الإصابة بمرض السكري.
أما نظرية أخرى فقد رأت أن هذه المحليات تقوم بتعطيل قدرة الجسم على التعويض بشكلٍ صحيح، فالسعرات الحرارية المستهلكة من السكر يربطها العقل على أنها صفر سعرات حرارية. أما من وجهة نظر نظرية ثالثة فهذه المحليات تعمل على تغيير نوع وعدد البكتيريا التي تعيش في القولون، الأمر الذي يترتب عليه عدم القدرة على تحمل الجلوكوز وزيادة الوزن والإصابة بمرض السكر.
وبالتالي -مما سبق- يمكن التوصل إلى أنه توجد علاقة وثيقة بين المحليات الصناعية والإصابة بمرض السكري، لكن الأمر لا ينفي الحاجة إلى المزيد من الأبحاث حول هذا الارتباط.
ما عوامل الخطر الأخرى لمرض السكري؟
إلى جانب تأثير استهلاك كميات كبيرة من السكر ودورها في زيادة خطر الاصابة بمرض السكري، فإن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تلعب نفس الدور في الإصابة بهذا الأمر منها.
- وزن الجسم:
وفق آخر الدراسات الحديثة فقد وجد أن للسمنة دورٌ كبيرٌ في زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، ولمنع حدوث هذا الأمر يجب فقدان من 5-10% فقط من وزن الجسم.
- التمارين الرياضية:
تشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعيشون حياة عادية لا تعتمد على ممارسة التمارين، يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري عن الأشخاص النشطين، لذلك لابد من ممارسة ساعة ونصف -من التمارين الرياضية- على الأقل كل أسبوع كنوع من النشاط للتقليل من خطر هذا المرض.
- التدخين:
يؤدي تدخين 20 سيجارة أو أكثر إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري، ويؤدي الإقلاع عنها إلى تجنب هذا الخطر.
- توقف التنفس أثناء النوم:
يعد التوقف عن التنفس أثناء النوم هو أحد المؤشرات الخطيرة التي تنبأ بخطر الإصابة بمرض السكري.
- العامل الوراثي:
الوراثة هي أحد الأسباب المهمة التي تؤدي للإصابة بمرض السكري، حيث يصل خطر الإصابة بمرض السكر من النوع الثاني إلى 40% في حالة إصابة أحد الوالدين بهذا المرض، وبحوالي 70% إذا كان كلا الوالدين مصابين بهذا المرض.
كيف تأكل لتقليل خطر الاصابة بمرض السكري؟
بالإضافة إلى تقليل السكريات المضافة لتجنب خطر الإصابة بمرض السكري، وهناك أيضاً بعض التغييرات الغذائية التي يمكنك القيام بها لتقليل خطر الإصابة بهذا المرض، ومن بين أهم هذه التغييرات ما يلي.
- اتباع نظام غذائي متكامل:
يساعد اتباع حمية غذائية متكاملة تضم الفواكه والخضراوات والمكسرات والحبوب، في التقليل من خطر الإصابة بمرض السكري.
- شرب القهوة:
يقلل شرب القهوة من خطر الإصابة بمرض السكري، حيث يساعد تناول القهوة بمعدل كوبين يومياً في التقليل من خطر هذا المرض بنسبة 7%.
- أكل الخضار الورقية:
يرتبط تناول الخضراوات الورقية ضمن النظام الغذائي بتقليل خطر الإصابة بمرض السكري بمعدل 14%.
- الاعتدال بشرب الكحول (في حال حصول ذلك):
قد يبدو الأمر غريباً للبعض، ولكن تم إثبات أن تناول الكحول باعتدال يومياً بنسبة "0.5 – 3.5%"، يقلل من خطر الإصابة بمرض السكري بمعدل 30%، مقارنة بالامتناع عن تناول الطعام أو الشراب بكميات كبيرة.
ولحسن الحظ هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تقليل خطر الإصابة بمرض السكري من ضمن أهم هذه الطرق اتباع نظام غذائي متكامل غني العناصر الغذائية الضرورية للجسم، لذلك لا داعي للشعور بالحرمان وعدم القدرة على تناول ما ترغب به.
و كنتيجة لما سبق..
- يرتبط الاستهلاك المفرط لكميات كبيرة من السكريات Sugar المضافة بخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، والذي يؤثر بدوره على صحة الكبد ويسبب الإصابة بالسمنة المفرطة.
- وعلى النقيض من المحليات الصناعية ، هناك السكريات الطبيعية الموجودة في الفواكه والخضراوات، والتي لا ترتبط بشكلٍ أو بآخر بخطر الإصابة بمرض السكري.
- بالإضافة إلى الاستهلاك المفرط في تناول السكر، ودوره في زيادة احتمال الإصابة بمرض السكري، هناك أيضاً عوامل أخرى تشكل نفس الخطر ، مثل وزن الجسم، وجودة النظام الغذائي العام، ونوعية النوم، إلى جانب التمرينات الرياضية، والعوامل الوراثية.
- و بالتالي فإن الاعتماد على تناول نظام غذائي متكامل، غنيٌ بالفواكه والخضراوات والمكسرات والقهوة، بالإضافة إلى الاستهلاك المعتدل (في حال حصول ذلك) للكحول، والحفاظ على وزن مثالي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، له دوره الفعال في التقليل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.