الخميرة : موضوع الصفقات ، و فكرة لبعض جوائز نوبل

تعتبر الخميرة من أهم الفطريات في حياتنا و كما هو معروف هذه الأيام فإن الفطريات تعتبر بطلة المختبرات، و كذلك تعتبر المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد , حيث تدعم اختراعات حائزة على جائزة نوبل , و تنتج الوقود الحيوي و تساهم في صناعة الأدوية الجديدة . و في الواقع ربما تسهم الخميرة يوماً من الأيام في إنقاذ حياتنا .

إن علاقتنا مع الخميرة تشبه إلى حد بعيد صداقاتنان و علاقاتنا  التي أنشأناها أيام الجامعة ، إذ نمت لتتجاوز حفلات البيرة إلى مرحلة البلوغ المميزة .

لقد قمنا بالاحتفال مع تلك الكائنات أحادية الخلية و متعددة الخلايا  والتي يعود تاريخها إلى ما لا يقل عن سبعة آلاف 7000 سنة قبل الميلاد ، مستخدمين إياها في الطعام و بعض أنواع الشراب.

في عام 1680 ، قام العالم الهولندي الشهير أنطون فان ليفينهوك   Anton van Leeuwenhoek و هو عراب المجهر، و أول من اخترع المجهر الضوئي البسيط – بالتحديق لأول مرة في خلايا الخميرة تحت عدسة مجهره.

على الرغم من أننا مازلنا نرفض الخميرة ، إلا أننا كبرنا و أصبحنا نشغل الكثير من الوظائف.

أنواع الخميرة :

هناك أكثر من ألف و خمسمائة 1500 نوع من الخميرة.  حيث تم العثور على فطريات مجهرية ، أحادية الخلية ، ومتعددة الخلايا وهي متواجدة  في كل مكان حولنا و نعرفها جيداً.

إذ يتحكم بارونات البيرة في تطورها ، ويعبث العلماء بحمضها النووي. كذلك فإن ثلث جينات الخميرة لديها نظائر و نسخ متطابقة كتلك الموجودة في الجينوم البشري ، وكما يرتبط الكثير منها بالأمراض ، مثل السرطان.

وبالنظر إلى أن الخميرة غير مكلفة ، و سريعة التكاثر إضافة إلى سهولة العمل معها ، فهي  من أكثر الكائنات المدروسة والمعروفة على نطاق واسع لدى البشر.

الفوز بجوائز نوبل :

تشكل الخميرة أساساً العنصر الأكثر قيمة  (MVP ( Most Valuable Player بين الكائنات الحية المخبرية الأخرى .

فقد ساعدت العلماء في الحصول على حق المطالبة  بخمس جوائز نوبل في القرن الحادي و العشرين في الأعوام (2001, 2006, 2009, 2013, 2016).

قام العالم  يوشينوري اوسومي  Yoshinori Ohsumi -عالم في مجال علم الأحياء الخلوي، و متخصص في الالتهام الذاتي -و هو الفائز مؤخرا ًبجائزة نوبل ، باستخدام  خميرة الخبز لتحديد الجينات الأساسية في عملية البلعمة الذاتية ، و هي العملية التي تقوم فيها الخلايا بإعادة تدوير مكوناتها. و قد ارتبطت أمراض مثل الشلل الرعاشي (داء باركنسون  Parkinson) , و مرض السكري من النوع الثاني, إضافة إلى مرض السرطان باضطرابات في عملية إعادة تدوير الخلايا.

و من المدهش أن الأبحاث تشير إلى أن آلية الالتهام الذاتي في خلايا الخميرة تشبه تلك الموجودة في الخلايا البشرية ، و يمنح عمل اوسومي  Ohsumi -الذي بدأ في تسعينيات القرن الماضي- العلماء أهدافاً جديدة للعلاجات الممكنة.

البعثة BioSentinel الفضائية في عام 2018 :

أطلقت وكالة ناسا NASA  لإطلاق بعثتها الفضائية BioSePlanned  في تموز 2018 ، حيث أنه من المحتمل أن تقوم سفينة الفضاء BioSentinel التابعة لوكالة NASA (أدناه)  بتعريض الخميرة لتلف الإشعاع بين الكواكب .

وسيتم تنشيط بطاقات منقطة في أوعية عامودية وعميقة microwell تؤوي ثلاث سلالات من الخميرة (عن طريق حقنها بالمياه  " الإماهة ") في نقاط مختلفة على طول الجدول الزمني لمدة 18 شهراً, بعدها سيقوم العلماء بتتبع نمو الخمائر والنشاط الأيضي لها.

كما ستعاد التجربة على متن محطة الفضاء الدولية  لمقارنة العينات والنماذج. وستكون هذه التجربة الأولى من نوعها و التي توضح الآثار البيولوجية للإشعاع خارج مدار الأرض المنخفض منذ أكثر من أربعين 40 عامً ً، وفقًا لبعثة ناسا الفضائية NASAntinel Mission " " 2018 .

انتقام باستور :

مثقلاً بمرارة الهزيمة بعد الحرب الفرنسية البروسية  Franco-Prussian War ، أخذ عالم الكيمياء والأحياء المجهرية  الفرنسي لويس باستور Louis Pasteur عهداً على نفسه بالثأر لوطنه بتسديد ضربة مؤلمة للألمان ألا و هي : البيرة.

قام باستور Pasteur  والذي يعتبر من الرواد الأوائل في عمليات تحصين الطعام و تعقيمه ، بالإثبات تجريبياً في الخمسينات من القرن التاسع عشر أن الخمائر هي من قادت عملية التخمر من خلال التهامها للسكريات منتجة الإيثانول   و ثاني أكسيد الكربون و مجموعة من المركبات الأخرى الضرورية للبيرة.

كما و حدد الميكروبات التي من الممكن أن تفسد كمية من البيرة , كذلك و ابتكر أساليباً و طرقاً لإبعادها ، و منع التلوث بها و تعزيز نكهة البيرة.

و بحلول الوقت الذي اندلعت فيه الحرب عام 1870 ، كان باستور، و الذي سئم من خسائره الشخصية قد منع نشر أسراره في تخمير البيرة في ألمانيا  ، أملاً في منح صناع البيرة الفرنسيين ما يعتبره أحد أسلحة العلم الكافية والمعادلة في هذه الحرب لسلاح المدفعية لتضييق الخناق على ألمانيا في مجال الصناعة.

أراد باستور Pasteur أن تنتج  فرنسا أفضل أنواع البيرة في العالم ، و أطلق عليها بلقب "بيرةالإنتقام" the beer of revenge. و قد ألهم عمله جيلًا كاملاً من بارونات البيرة ، بما فيهم  ج. سي. جاكوبسن J.C. Jacobsen ، الذي أسس مجموعة شركات أطلق عليها كارلسبيرج Carlsberg في الدنمارك تختص بصناعة مشروب البيرة .

و في ثمانينيات القرن التاسع عشر، قام العالم الدنماركي إميل هانسن Emil Hansen  بعزل سلالة خميرة وأطلق عليها اسم Saccharomyces Pastorianus في ذكرى تكريم العالم الفرنسي باستور Pasteur – الرجل الذي نقل عنه أنه لم يكن حتى يستسيغ نكهة البيرة .

حرير العنكبوت :

في مختبر بولت للخيوط Bolt Threads في مدينة إمريفيل Emeryville  ، كاليفورنيا ، قام الفنيون باستخدام الخميرة المطورة من خلال دعمها بالحمض النووي للعنكبوت لتشكيل بروتينات الحرير الداخلة في صناعة القماش والأنسجة .

 و يتحكم باحثو مختبر بولت Bolt بمواصفات الأقمشة والنسيج -كقابليته للتمدد و نعومته المميزة - من خلال التلاعب بالتركيب الكيميائي للبروتين و ظروف وشروط التخمير بالإضافة إلى الجوانب الأخرى لعملية الغزل.

وفي عام 2016 ، تلقت الشركة خمسين 50 مليون دولار لرفع معدل إنتاجها ، و أبرمت شراكة مع شركة الملابس باتاغونيا Patagonia لتطوير منتجات المصمم.

إدخال الحمض النووي DNA في تركيب الخميرة    :

مازلنا نقوم بدس الحمض النووي الخارجي والغريب في الخميرة منذ عام 1978 ، و ذلك منذ لحظة اكتشاف العالم  جيرالد.ر فينك Gerald R. Fink في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT كيفية فعل ذلك .

و في عام 2015 ، قام  العلماء على نحو حاسم بمقايضة الجينات بالنسخ البشرية المعدلة وذلك لقاء بقاء الخميرة في حالة نشطة وفعالة ، ومن بين الجينات ال 414 التي تم اختبارها ، فإن ما يقرب من خمسين بالمائة 50% من البروتينات البشرية فقط هي القادرة على الإبقاء على الخميرة في وضع نشط .  

أما اليوم ، فقد تمت برمجة الخمائر لتفرز البروتينات البشرية المستخدمة في اللقاحات و الأنسولين إضافة إلى المستحضرات الصيدلانية الحيوية.

خدع الخميرة الكبيرة :

يتم تحضير بيرة اللحية Beard Beer التي تنتجها شركة روج أليس Rogue Ales و التي تتخذ من أوريغون مقراً لها ، من تخمير سلالة من الخميرة البرية ، و التي تم استخلاصها من تسع  شعرات اقتلعت من لحية مراقب  صناعة البيرة جون ماير John Maier .

و أوردت صحيفة بالتيمور صن The Baltimore Sun قائلة : " تمتلك البيرة الأميركية البرية طعماً فائقاً، و سلساً و نكهة الحمضيات " .

و في عام 2015 ، قال المدون البريطاني زوي ستافري Zoe Stavri  أنه " كان يخبز عجيناً متخمراً مضيفاً إليه خميرة مستخلصة من عدوى مهبلية – حيث كانت كميتها صغيرة جداً " .

و من المحتمل جداً أن نوعاً من الفطريات (في الخميرة) يطلق عليه كانديدا ألبيكانز Candida albicans  هي المتهمة الرئيسية وراء هذه الإصابات ، ومن الممكن قد لعبت دوراً في مشروع التخمير (الخبز) هذا . لذلك لا ينصح الأطباء بتكرار مثل هذه التجارب أو المحاولات في المنزل .

الوقود الحيوي :

لقد استخدمنا الخميرة لتحويل السليلوز النباتي والنشاء إلى وقود حيوي مثل الإيثانول لعقود ؛ ومع ذلك ، فإن العملية لا تزال غير فعالة ، و يقوم العلماء بتغيير الخميرة جينياً من أجل تغيير ذلك.

ولأن الخميرة لا تعمل بشكل جيد في التراكيز العالية للكحول ، فإن هدف العلماء الوحيد هو زيادة مقاومتها في ذلك الوسط أيضاً .

و من الممكن أن تُخَفَّف الخميرة لتتجاوز الجلوكوز إلى السكريات الموجودة في الألياف النباتية التي لا علاقة لها بالغذاء ،  وبذلك يمكن خفض التكاليف.

و كما هي الحال في هذه الأيام  ، فإن ما نسبته تسعون في المائة 90% من محركات السيارات لا تزال تعمل على البنزين ، في مقابل الكحول.               

عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

 كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.   

ننصحك بقراءة المقالات التالية :

جائزة نوبل في الكيمياء 2019: بطارية ليثيوم أيون Lithium-ion batteries

هل الفطر حقاً الغذاء المعجزة؟

تناول الفطر قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا