يقترح بحث جديد أن منطقتين من الدماغ تعملان معاً استجابةً للسيروتونين لتعزيز القدرة على الانتظار بصبر و ممارسة التحكم في الانفعالات.
و قد يساعد هذا الاكتشاف في تطوير علاجات موجهة للأفراد الأقل قدرة على قمع السلوك الاندفاعي و نفاد الصبر.
كما يقول المثل ، "الصبر فضيلة". إلا أنه بالنسبة لبعض الأشخاص ، فإن هذه السمة صعبة في إدارتها ، مما يتسبب في مشاكل في العلاقات ، و التوظيف ، و الشؤون المالية ، و المساعي التعليمية.
و بالفعل هناك أبحاث موثقة جيداً حول العلاقة بين السيروتونين - مادة كيميائية عصبية مسؤولة عن مشاعر الرفاهية – و السلوكيات الاجتماعية و العاطفية ، بما في ذلك الاندفاع (السلوك الاندفاعي).
على سبيل المثال ، أظهرت إحدى الدراسات التي أُجريت على الفئران ، و التي أجراها مركز إيرفينغ الطبي Irving Medical Center بجامعة كولومبيا و معهد ولاية نيويورك للطب النفسي ، وجود صلة محتملة بين نقص مستقبلات السيروتونين في الدماغ و السلوك الاندفاعي.
و نظراً لأن الخبراء لا يفهمون تماماً العملية العصبية لتنظيم الصبر و التحكم في الانفعالات ، فقد سعى الباحثون وراء الدراسة الجديدة إلى النظر في كيفية عمل السيروتونين في مناطق معينة من الدماغ لتنظيم القدرة على انتظار المكافأة المرغوبة.
التركيز يضيق إلى ثلاث مناطق في الدماغ
أدارت وحدة الحساب العصبي في معهد أوكيناوا لجامعة الدراسات العليا للعلوم و التكنولوجيا (OIST Okinawa Institute of Science and Technology Graduate University) الدراسة التي ظهرت في مجلة Science Advances.
في الدراسة ، ركز الباحثون على ثلاث مناطق في الدماغ:
- بنية دماغية تسمى النواة المتكئة (NAc nucleus accumbens)
- مناطق من الفص الجبهي تسمى القشرة الجبهية المدارية (OFC orbitofrontal cortex)
- قشرة الفص الجبهي الإنسي (Mpfc medial prefrontal cortex).
- بنية دماغية تسمى النواة المتكئة (NAc nucleus accumbens)
و اختار الفريق مناطق الدماغ هذه لأن الأبحاث تظهر أن الضرر الذي يلحق بها يؤدي إلى زيادة السلوكيات الاندفاعية.
يقول المؤلف الدكتور كاتسوهيكو ميازاكي – الذي شارك في الدراسة:
"ترتبط سلوكيات الاندفاع ارتباطاً جوهرياً بالصبر - فكلما كان الفرد أكثر اندفاعاً ، قَلَّ صبراً - لذلك كانت مناطق الدماغ هذه مرشحة أساسية."
البحث السابق يمهد الطريق
في دراسة عام 2018 ظهرت في مجلة Nature Communications ، قام نفس الفريق من العلماء بالتحقيق في دور نواة الظهر الظهرية ( DRN dorsal raphe nucleus) ، و هو جزء من الدماغ يحتوي على الخلايا العصبية التي تطلق السيروتونين ، في تعزيز قدرة الفأر على الانتظار بصبر.
لقد وجدوا علاقة سببية بين الفعل الذي يقوم به السيروتونين على هذه المنطقة من الدماغ و الصبر على المكافآت المتوقعة.
السيروتونين و الصبر و الدماغ
لأخذ أبحاثهم السابقة بضع خطوات إلى الأمام ، استخدم فريق البحث، الفئران المعدلة وراثياً للحصول على بروتينات متخصصة تطلق السيروتونين عند التعرض للتحفيز الضوئي.
و بعد تدريب الفئران على وخز أنوفها داخل حفرة و انتظار الحصول على طعام ، خضعت الحيوانات لعملية جراحية زرع فيها الباحثون أليافاً بصرية في جزء DRN من الدماغ.
بعد تقسيم القوارض إلى مجموعات ، قام الباحثون بإدخال ألياف بصرية إما في أجزاء NAc أو OFC أو mPFC من الدماغ. و قد سمح لهم القيام بذلك بمراقبة كيفية استجابة كل منطقة لتحفيز السيروتونين.
و بعد أن تعافت القوارض من جراحة الزرع ، وضع الباحثون 75٪ من الحيوانات في مهمة الانتظار مرة أخرى أثناء تنشيط إطلاق السيروتونين من خلال إجراء تحفيز ضوئي. و قدموا الطعام للفئران في أطر زمنية ثابتة و متقلبة.
ذهبت نسبة 25٪ المتبقية من الفئران إلى مجموعة إهمال، لم تحصل على مكافآت أو تحفيز السيروتونين.
و عندما قام فريق البحث بتنشيط الخلايا العصبية السيروتونينية في DRN ، أظهرت الفئران تحسناً في الصبر عند انتظار المكافآت الغذائية في المستقبل.
حيث كان تحفيز OFC بنفس فعالية تحفيز DRN في تعزيز الانتظار لفترات طويلة. و مع ذلك ، فإن إطلاق NAc لم يكن له أي تأثير على وقت انتظار الحيوانات.
و من المثير للاهتمام أن تحفيز mPFC عزز قدرة القوارض على الانتظار و لكن فقط عندما لا تعرف وقت وصول الطعام.
إذ تشير هذه النتائج إلى أن السيروتونين في mPFC يؤثر على قدرة الحيوان على تقييم الوقت اللازم لانتظار المكافأة ، بينما يساعد وجود الكيمياء العصبية في OFC في تقييمهم العام لحالة المكافأة المتأخرة.
يقول مؤلفو الدراسة إن السيروتونين عزز في الغالب وقت انتظار الحيوانات إذا كانوا واثقين من أن المكافأة ستظهر في النهاية، و لكن الحيوانات لم تكن متأكدة بالضبط من موعدها.
يوضح الدكتور ميازاكي:
"هذا أكد فكرة أن هاتين المنطقتين من الدماغ تحسبان احتمالية المكافأة بشكل مستقل عن بعضهما البعض، و أن هذه الحسابات المستقلة يتم دمجها بعد ذلك لتحديد المدة التي ستنتظرها الفئران في النهاية".
الآثار المترتبة على العلاجات المستقبلية
وفقاً للمؤلفين ، يمكن أن توضح الدراسات الإضافية كيف يتم تعديل الاستجابات العصبية أثناء انتظار المكافآت المتأخرة في OFC و mPFC عن طريق إطلاق السيروتونين.
و يمكن أن يكشف هذا البحث عن مزيد من البيانات حول كيفية تأثير السيروتونين على مناطق الدماغ ، مما يؤدي إلى تطوير علاجات دوائية جديدة.
من ناحية أخرى، يخطط الفريق لاستخدام الفئران المصممة هندسياً لنمذجة الاكتئاب لإجراء مزيد من التحقيق و يأمل في تحديد مناطق أخرى من الدماغ تؤثر عليها هذه المادة الكيميائية العصبية التي تعمل على استقرار الحالة المزاجية.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
موجات الدماغ أنواعها، و دورها في التشافي