وجدت دراسة أنه عندما يتوق الناس إلى الصحبة ، يضيء نفس الجزء من الدماغ،
عندما يشتهون الطعام. و يدعم البحث الفكرة البديهية القائلة بأن معاشرة الناس و عدم البقاء في حالة الوحدة و العزلة الاجتماعية، هي حاجة أساسية للإنسان ، مثل الأكل.
هناك أدلة كثيرة على أن الوحدة المزمنة تضر بصحتنا الجسدية و العقلية.
و تشير الدراسات التي نشرها موقع ميديكال نيوز توداي Medical News Today ، في السنوات القليلة الماضية إلى أن الشعور بـ الوحدة يضعف جهاز المناعة ، و يرتبط بمرض السكري و الخرف و الأمراض العقلية.
نظراً لأن الناس في جميع أنحاء العالم يتخلون عن مقابلة الأصدقاء و العائلة لمكافحة انتشار كوفيد 19 COVID-19 ، فمن المهم أكثر من أي وقت مضى، البحث عن علامات الوحدة و البقاء على اتصال.
وجدت الأبحاث التي أجريت على الحيوانات الاجتماعية أن التفاعل الاجتماعي الإيجابي هو نشاط مجزي بطبيعته ، يشبه الأكل و النوم.
وجدت دراسة سابقة بقيادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في كامبريدج ، ماساتشوستس ، أنه عندما "تتوق" الفئران المعزولة إلى رفقة فئران أخرى ، تصبح مجموعة من الخلايا العصبية الدوبامين في منطقة من أدمغتها تسمى نواة الرفاء الظهرية، نشطة .
و مع ذلك ، لم يعرف الباحثون سوى القليل عن الكيمياء لـ الوحدة الحادة لدى الناس.
قام فريق دراسة آخر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الآن بمقارنة نشاط الدماغ للأشخاص بعد صيامهم لمدة 10 ساعات بالنشاط بعد حرمانهم من الاتصال الاجتماعي من أي نوع لمدة 10 ساعات.
تقول ريبيكا ساكس Rebecca Saxe، كبيرة مؤلفي الدراسة ، من قسم الدماغ و العلوم المعرفية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا:
"إنه تدخل أقوى للعزلة الاجتماعية أكثر من أي شيء حاول من قبل".
الطعام المفضل و الأنشطة الاجتماعية
استخدم علماء الأعصاب، التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لتحديد أي تغييرات في نشاط دماغ المتطوعين ، مقارنة باليوم العادي ، عندما نظروا إلى صور طعامهم المفضل أو الأشخاص الذين يستمتعون بالتواصل الاجتماعي.
و اكتشفوا أن منطقة صغيرة في منتصف الدماغ تسمى المادة السوداء substantia nigra، و التي تشترك في الجذور التطورية مع نواة الرفاء الظهرية في الفئران ، كانت مشاركة في اشتهاء كل من الطعام و الاتصال البشري.
(للعلم المادة السوداء هي بنية من الدماغ المتوسط مسؤولة عن المكافأة و الحركة بشكل أساسي. و يعكس الاسم "المادة السوداء" حقيقة أن بعض أجزائها تكون أغمق من الأجزاء المجاورة نتيجة وجود نسب مرتفعة من النيوروميلانين في الخلايا العصبية دوبامينينة الفِعل)
لقد تم ربط المادة السوداء في الدماغ ، التي تحتوي على عصبونات الدوبامين ، في السابق بالرغبة الشديدة في تعاطي المخدرات.
أصبحت المنطقة أكثر نشاطاً ليس فقط عندما نظر المشاركون المنعزلون اجتماعياً إلى صور معاشرة الناس الاجتماعية ، و لكن أيضاً عندما نظر الأشخاص الجائعون إلى صور الطعام. و الصور المحايدة للزهور ، المستخدمة كشرط تحكم ، فشلت في تنشيط المادة السوداء.
تقول ساكس:
"إن الأشخاص الذين يجبرون على العزلة و الوحدة، يتوقون إلى التفاعلات الاجتماعية المشابهة للطريقة التي يشتهي بها الجائع الطعام".
و تضيف أيضاً، "إن اكتشافنا يتناسب مع الفكرة البديهية القائلة بأن التفاعلات الاجتماعية الإيجابية هي حاجة إنسانية أساسية ، و أن الوحدة الحادة هي حالة كره، تحفِّز الناس على إصلاح ما ينقصهم ، مثل الجوع."
يظهر البحث في مجلة Nature Neuroscience.
صور شخصية
في دراستهم ، قام الباحثون بتجنيد 40 مشاركاً تتراوح أعمارهم بين 18 و 40 عاماً ، و كان معظمهم من طلاب الجامعات.
و طلب العلماء من كل مشارك سرد أفضل 20 نوعاً من الأطعمة المفضلة و الأنشطة الاجتماعية ، والتي استخدموها بعد ذلك للعثور على الصور التي تثير الرغبة الشديدة أثناء جلسات المسح.
و لخلق شعور بالعزلة الاجتماعية ، اضطر المتطوعون إلى تسليم هواتفهم المحمولة و أجهزة الكمبيوتر المحمولة للباحثين، قبل قضاء 10 ساعات بمفردهم في غرفة، بلا نوافذ، و دون الوصول إلى البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول ريبيكا ساكس: "كانت هناك مجموعة كاملة من التدخلات التي استخدمناها للتأكد من أن مجموعة الأشخاص ستشعر حقاً بأنها غريبة و مختلفة و معزولة [...] كان عليهم إخبارنا عندما يذهبون إلى الحمام حتى نتمكن من التأكد من أنه فارغ. و قمنا بإيصال الطعام إلى الباب، ثم أرسلنا لهم رسالة نصية عندما يكون هناك (الطعام) حتى يتمكنوا من الحصول عليه. و لم يُسمح لهم فعلاً برؤية الناس ".
و لشغل أنفسهم ، يمكن للمتطوعين حل الألغاز أو لعب ألعاب كمبيوتر بسيطة أو قراءة نصوص مكتوبة متفق عليها مسبقاً، لا تحتوي على محتوى اجتماعي.
و بشكل دوري ، قاموا بملء استبيانات لتقييم رغباتهم الاجتماعية ، و الوحدة ، و عدم الراحة ، و السعادة ، و مدى كرههم للعزلة.
استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لمسح أدمغة المشاركين بعد 10 ساعات من العزلة الاجتماعية. كما تم فحصهم في مناسبتين أخريين: في يوم عادي وبعد 10 ساعات من الصيام.
الرغبة-التوق الشديد و المادة السوداء
يرتبط مقدار التنشيط في المادة السوداء للمشاركين بمدى رغبتهم في التفاعل الاجتماعي أو الطعام.
من المثير للاهتمام ، بعد 10 ساعات من العزلة ، أن الأشخاص الذين قالوا إنهم شعروا بـ الوحدة المزمنة قبل أشهر من الدراسة أفادوا بوجود رغبة اجتماعية أضعف أثناء جلسة العزل. و كان هناك أيضاً نشاط أقل في مادتهم السوداء أثناء النظر إلى صور الأشخاص الذين يتواصلون اجتماعياً.
تقول ساكس:
"بالنسبة للأشخاص الذين ذكروا أن حياتهم كانت مليئة -فعلاً- بالتفاعلات الاجتماعية المُرضِية ، كان لهذا التدخل تأثير أكبر على أدمغتهم وعلى تقاريرهم الذاتية".
على عكس المادة السوداء ، ارتبط اشتهاء الطعام أو الاتصال الاجتماعي بنمطين متميزين من التنشيط في مكان آخر من الدماغ ، على سبيل المثال ، في القشرة.
كذلك فقد كتب المؤلفون:
"إن هذا يشير إلى أن هذه المناطق أكثر تخصصاً للاستجابة لأنواع مختلفة من الرغبة و التوق الشديد، بينما تنتج المادة السوداء إشارة أكثر عمومية تمثل مجموعة متنوعة من الرغبة الشديدة".
من ناحية أخرى يخطط الباحثون -الآن- للتحقيق في كيفية تأثير العزلة الاجتماعية على السلوك، و ما إذا كان الاتصال الافتراضي ، مثل مكالمات الفيديو ، يمكن أن يخفف من الرغبة الشديدة في التفاعل الاجتماعي.
يهتم العلماء أيضاً باكتشاف كيفية تأثير العزلة و الوحدة، على الفئات العمرية المختلفة.
و للعلم فقد كان أحد قيود الدراسة الحالية هو أن الأشخاص كانوا عموماً شباباً يتمتعون بصحة جيدة و لديهم علاقات اجتماعية جيدة.
و من المعروف أن الوحدة المزمنة تؤثر بشكل غير متناسب على كبار السن و المراهقين.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
الشعور بـ الوحدة قد يؤدي إلى تفاقم أعراض البرد