طرح العلماء نموذجاً جديداً لأمراض الحيوان يتضمن دور الميكروبيوم microbiome .
و يشير بحثهم إلى أن التغير في المناخ من الممكن أن يؤدي إلى ظهور أمراض معدية جديدة.
و من المعلوم أن جائحة كوفيد19 COVID-19 كانت قد نقلت خطر الإصابة بالأمراض المعدية إلى المقدمة، و قد تم تسجيل أكثر من 9 ملايين حالة إصابة بالمرض في جميع أنحاء العالم إلى وقت كتابة هذا المقال .
تتزايد الأمراض المعدية، و خاصةً تلك التي تتجاوز الحدود التي تتعلق بالأنواع (الأمراض الحيوانية المنشأ) نتيجة للأنشطة البشرية.
و تعزى هذه الزيادة جزئياً إلى تغير المناخ ، الذي يشجع بعض الأنواع التي تحمل مسببات الأمراض على الانتقال خارج نطاق موائلها الحالية..
وعلى سبيل المثال، يقوم البعوض النمر tiger mosquito ، الذي ينقل المرض الفيروسي تشيكونغونيا Chikungunya، بتوسيع نطاقه الجغرافي حالياً في جميع أنحاء أوروبا والأمريكتين، مما يعرض ملايين الأشخاص للخطر.
وتتضمن ورقة البحث التي تم نشرها مؤخراً في مجلة "اتجاهات في علم الطفيليات Trends in Parasitology " ، توليفة من الأبحاث في الأمراض المعدية في البشر والحياة البرية .
كما أنها تقدم نموذجاً جديداً لديناميكيات الأمراض المعدية، والتي تأخذ في الاعتبار تأثير الميكروبيوم - البكتيريا "الجيدة" التي تعيش فينا و بداخلنا.
و يشير العلماء الذين كانوا وراء هذا العمل إلى أن التغيرات البيئية، بما في ذلك تغيرات المناخ، يمكن أن تزعزع استقرار هذا النموذج وتؤدي إلى انتشار أمراض معدية جديدة ناشئة عن التغيرات في ميكروبات الحيوانات.
نموذج جديد للأمراض المعدية :
يستخدم العلماء تقليدياً في علم البيئة المرضي disease ecology ، ما يسمى بـ "مثلث المرض disease triangle " لإثبات أدوار المضيف و الممرض والبيئة في عملية انتشار المرض .
و يقترح مؤلفو الدراسة الجديدة ، و الذين يمثلون مؤسسات في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة ، أن هذا المفهوم يعطي نظرة "مفرطة البساطة " لديناميكيات الأمراض المعدية، ولذلك قاموا بتوسيع المفهوم ليشمل الميكروبيوم.
يصف الميكروبيوم مجتمعات الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا والفيروسات والفطريات، في سياق حيواني معين.
ففي السياق الحيواني ، تعيش المجتمعات الميكروبية على المضيف وداخله وتقوم بأدوار مهمة ، بما في ذلك الحماية من مسببات الأمراض والمساعدة على تفتيت الطعام.
و قد أظهرت الأبحاث أن المجتمعات الميكروبية مهمة لصحة النظم البيئية والحياة البرية والناس. حيث تعد الأمعاء البشرية وحدها موطناً لما يصل إلى 1000 نوع مختلف من البكتيريا، والتي أثبت الباحثون أنها مهمة في العديد من الجوانب الصحية.
وساعدت التطورات الحديثة في تكنولوجيا التسلسل الجيني genetic sequencing technology العلماء على فهم التنوع والأهمية الفيزيولوجية للميكروبات بشكل أفضل.
و أوضحت الدكتورة أدلين لويو Adeline Loyau ، و التي قادت هذه الدراسة من معهد ليبنتز لإيكولوجيا المياه العذبة ومصايد الأسماك الداخلية في ألمانيا Leibniz-Institute of Freshwater Ecology and Inland Fisheries قائلة :
" لقد بدأنا الآن فقط و بشكل تدريجي في فهم دورهم (الميكروبيوم) في الوقاية الصحية وكيفية تفاعلهم، على سبيل المثال مع الميكروبات البيئية ومسببات الأمراض والمضيف".
ونتيجة لذلك، قام الباحثون بتقديم "هرم المرض disease pyramid "، وهو عبارة عن نموذج جديد لديناميكيات المرض التي تتضمن التفاعل بين المضيف والممرض والبيئة والعنصر الرابع : الميكروبيوم.
دور المناخ :
يعتبر الميكروبيوم محدداً مهماً فيما إذا كان الحيوان سيصاب بعدوى نتيجة مسببات الأمراض الموجودة في البيئة.
على سبيل المثال ، يلاحظ مؤلفو الدراسة، أن البعوضة أقل عرضة للإصابة بطفيلي الملاريا malaria parasite إذا كان لديها المزيد من البكتيريا التي تنتمي إلى عائلة المعوية الجرثومية Enterobacteriaceae family في أمعائها.
و توضح المؤلفة الأولى للدراسة أدريانا ب. برناردو كرافو Adriana P. Bernardo-Cravo ، من جامعة تولوزUniversité de Toulouse ، في فرنسا ، و مركز هيلمهولتز لأبحاث البيئة Helmholtz Centre for Environmental Research في ألمانيا :
"يمكن للميكروبيوم في الوسط المتوازن أن يحمي من العدوى في الظروف البيئية المتغيرة".
ومع ذلك، يمكن للتغيرات في البيئة أن تؤثر بدورها على الميكروبيوم.
و من الملفت للنظر حقيقة أن الميكروبيوم يحافظ على توازن دقيق بين الأنواع البكتيرية المختلفة، مما يساعد على حماية الكائن الحي من العدوى. إلا أنه يمكن للتغيرات التي تحدث في المناخ أن تخرجه من هذا التوازن.
و تمتلك درجة الحرارة، على وجه الخصوص تأثيراً كبيراً على تكوين الميكروبيوم، والتي من الممكن أن تفسر بشكل جزئي السبب الكامن وراء تأثير تغير المناخ على انتشار المرض .
و قد يكون هذا التأثير أكبر في البرمائيات لأنها تعتمد على درجات الحرارة الخارجية لتنظيم جميع وظائفها الجسدية.
و لقد أعطى الباحثون مثالاً لمرض فطري ، وهو داء الفطر الروماتيزمي chytridiomycosis ، و الذي يصيب البرمائيات ، بما في ذلك الضفادع .
حيث تعتبر البرمائيات ذات الميكروبيوم الأكثر تنوعاً هي الأكثر مقاومة لهذا المرض ، والتي يمكن للبكتيريا المضادة للفطريات على الجلد محاربتها.
إلا أن تغير المناخ سيغير توزيع هذا المرض ويمكن أن يسبب المزيد من الضعف في البرمائيات ، وهي الفقاريات الأكثر تعرضاً لخطر الإنقراض.
ومع ذلك ، فلن تؤثر هذه التغييرات على الحياة البرية فقط. إذ أن المؤلفون يحذرون من أن تعطيل أي من الأسس الأربعة لهرم المرض يمكن أن يؤدي إلى ظهور أمراض جديدة تؤثر أيضاً على البشر.
و يقول البروفيسور ديرك شميلر Dirk Schmeller ، من جامعة تولوزUniversité de Toulouse :
"علينا أن ندرك أن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يشكلان عاملين من العوامل التي تثير التوتر للأنظمة البيئية والبشر والحيوانات والميكروبات.و يظهر بحثنا أنه إذا كانت المحاور المختلفة لهرم المرض غير مستقرة ، يمكن توقع أمراض معدية جديدة ، بما في ذلك البشر." .
و أخيراً ...
تتلخص الرسالة الرئيسية للباحثين في أن الأنشطة البشرية تغير البيئة بطرق عميقة ستؤثر على الحياة البرية والناس.
و تتطلب حماية صحة كليهما نهجاً بحثياً واسعاً يأخذ في الاعتبار مجموعة من التأثيرات ، بما في ذلك الميكروبيوم.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
الجنس و الميكروبيوم الأمعاء قد يؤثر السلوك الجنسي على الميكروبات المعوية
الميكروبيوم : ترتبط العدوى الطفيلية ارتباطاً وثيقاً بالميكروبيوم
النظام الغذائي المتوسطي مرتبطٌ بتحسين بكتيريا الأمعاء (الميكروبيوم)