يكشف مسح الدماغ لأكثر من 100 نوع من الثدييات ، بما في ذلك البشر ، أن كفاءة نقل المعلومات في الدماغ هي نفسها في جميع الثدييات ، و ذلك بغض النظر عن الحجم.
و يتكون دماغ الثدييات من جانبين ، أو نصفي كرة دماغيين hemispheres ، والتي ترتبط بها المسالك العصبية ، والمعروفة أيضاً بالمحاور العصبية axons .
و يتبادل نصفا الكرة الدماغيين المعلومات على طول هذه المحاور.
و تعتمد سرعة انتشار المعلومات في الدماغ على عدد المشابك synapses - الوصلات بين الخلايا العصبية - التي يجب أن تمر من خلالها.
و يحتوي النظام المثالي على العديد من الروابط الطويلة لتمكين النقل السريع للمعلومات بين جميع أجزاء الدماغ.
ومع ذلك ، فإن إنتاج العديد من الاتصالات العصبية قد يكون أمراً مكلفاً بالنسبة للحيوان.
وبالتالي ، فإن تطور الدماغ يمثل حلاً وسطاً له.
يعتقد الناس بشكل عام أن البشر ، و ذلك بسبب تطورنا المتقدم ، لديهم مستويات أعلى من الاتصال الدماغي بالمقارنة مع الحيوانات الأخرى ، مما يتيح نقل المعلومات بشكل أكثر كفاءة وسرعة في جميع أنحاء الدماغ.
و قد قاد باحثون من جامعة تل أبيب Tel Aviv University في إسرائيل بإجراء دراسة جديدة تقود تحديات هذا الافتراض.
حيث قاموا بفحص أدمغة تعود لأكثر من 120 ثدياً مختلفاً و وجدوا أن اتصال الدماغ ليس أعلى في البشر ولا يعتمد على حجم الدماغ.
و كانت النتائج التي توصلوا إليها ، والتي تشير إلى أن جميع الثدييات لديها مستويات متساوية من الاتصال الدماغي ، قد نشرت في مجلة علم الأعصاب الطبيعي Nature Neuroscience.
افتراض الاتصال الدماغي brain connectivity :
لطالما كانت الفكرة التي تفيد بأن الاتصال( توصيلية ) الدماغي - و بالتالي الكفاءة - أكبر في دماغ الإنسان موجودة منذ فترة طويلة.
و يشرح المؤلف الأول للدراسة ، البروفيسور يانيف عساف Yaniv Assaf قائلاً :
"لقد افترض العديد من العلماء أن الاتصال في دماغ الإنسان أعلى بكثير مقارنة بالحيوانات الأخرى ، و ذلك كتفسير محتمل للأداء المتفوق لـ" الحيوان البشري ".
و لاختبار هذه الفرضية ، استخدم البروفيسور عساف وفريقه نوعاً من فحص الدماغ يسمى التصوير بالرنين المغناطيسي المنتشر diffusion MRI لفحص أدمغة تعود لـ 123 نوع مختلف من الثدييات ، بما في ذلك البشر.
حيث كانت المرة الأولى التي وضع فيها الباحثون غالبية أدمغة هذه الحيوانات داخل ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي.
و شملت الحيوانات في الدراسة القوارض والقرود وحتى الدلافين.و تراوحت أحجام الدماغ من الأنواع من 0.1 ملليلتر إلى أكثر من 1000 مل.
كما قام الباحثون بإجراء مسح لأدمغة تعود لحوالي 32 شخص. حيث استخدموا برنامج مسح لإعادة بناء الشبكة العصبية لكل نوع ، بما في ذلك الخلايا العصبية التي تنقل المعلومات والمشابك العصبية حيث تلتقي.
قانون عالمي :
لتقدير الاتصال (توصيلية ) الدماغي لكل نوع ، طبق الباحثون نهجاً رياضياً يعتمد على عدد المشابك التي يجب أن تمر فيها المعلومات لتصل من نقطتين داخل الدماغ.
و يشرح البروفيسور عساف Assaf : "لكل دماغ قمنا بمسحه ضوئياً ، قمنا بقياس أربعة مقاييس اتصال:
الاتصال في كل نصف كرة دماغية (اتصالات أو التوصيلات داخل نصف الكرة الدماغية intrahemispheric connections ) ، والاتصال بين نصفي الكرة الدماغيتين (نصف الكرة الدماغية interhemispheric ) ، والاتصال الكلي."
و استخلص الفريق قيمة تسمى المسار المتوسط القصير mean-short path ، أو MSP ، والتي تشير إلى الحد الأدنى لعدد الاتصالات التي تحتاج المعلومات إلى قطعها للوصول بين جزأين من الشبكة.
و يشير ارتفاع المسار المتوسط القصير MSP إلى انخفاض الاتصال الدماغي .
و بمقارنة هذه القيم بين الأنواع أو الأجناس ، وجد الباحثون أن الاتصال الدماغي مستقل عن حجم وبنية دماغ الثدييات.
و يشرح البروفيسور عساف قائلاً : "وبعبارة أخرى ، فإن أدمغة جميع الثدييات ، من الفئران الصغيرة عبر البشر وصولاً إلى الثيران والدلافين الكبيرة ، تظهر اتصالاً متساوياً ، وتسافر المعلومات بنفس الكفاءة داخلها".
و يتابع الأستاذ يانيف عساف ، المؤلف الرئيسي قوله :
" لقد كشفت دراستنا عن وجود قانون عالمي وهو : الحفاظ على الاتصال الدماغي Conservation of Brain Connectivity .
حيث يشير هذا القانون إلى أن كفاءة نقل المعلومات في الشبكة العصبية للدماغ متساوية في جميع الثدييات ، بما في ذلك البشر ".
تعويض الاتصال :
كما حدد الفريق آلية يقوم الدماغ من خلالها بموازنة عدد الاتصالات التي يستخدمها في نقل المعلومات.
فعندما كان هناك العديد من الروابط أو الاتصالات بين نصفي الدماغ ، ظلت الروابط أو الاتصالات داخل نصفي الكرة الدماغيتين منخفضة ، والعكس بالعكس.
و تضمن هذه الآلية أن وجود اتصال عالي أو مرتفع في جزء واحد من الدماغ يتم دائماً مواجهته بانخفاض الاتصال في الجزء الآخر.
و على عكس الاتصال الدماغ الكلي overall brain connectivity ، فقد كانت هناك اختلافات في هذه العملية بين الأنواع المختلفة.
"إن أدمغة بعض الفئران أو الخفافيش أو البشر تُظهر اتصالاً أعلى بين الكرتين الدماغيتين على حساب الاتصال داخل نصفي الكرة الدماغية ، و العكس بالعكس - مقارنةً بالأنواع الأخرى من نفس النوع" ، يقول المؤلف الرئيسي للدراسة ، البروفيسور يوسي يوفيل Yossi Yovel.
و قد وجد الفريق أيضاً اختلافات في "تعويض الاتصال connectivity compensation" هذا ، بين أعضاء مختلفين من نفس النوع أو الجنس .
و يمكن لهذه الاختلافات في البشر ، أن تكمن وراء القدرات المعرفية المختلفة أو حتى الكفاءة في مجالات معينة ، مثل الرياضيات أو الموسيقى.
و سيحدد البحث المستقبلي من قبل الفريق ذلك بمزيد من التفصيل.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
تستطيع أجهزة قراءة الدماغ ترجمة نشاط دماغك إلى جمل مسموعة