أظهرت دراسة لوعي الناس بـ الألوان، أننا نرى القليل من الألوان بشكل مدهش في محيطنا و أن الدماغ يبني بالفعل الكثير من إحساسنا بعالم ملون.
و للعلم فإن قدرتنا على رؤية طيف الألوان الكاملة للضوء المرئي قد تطورت منذ حوالي 35 مليون سنة ، و هو يعطينا منظوراً فريداً للعالم مقارنة بمعظم الثدييات الأخرى.
و قد تنبع الميزة التطورية للرؤية الملونة من القدرة على اكتشاف الطعام أو الحيوانات المفترسة من مسافات طويلة ، و لكن القدرة على رؤية العالم بالألوان تمنح أكثر من ذلك بكثير.
إذ أعطتنا رؤية جمال العالم برؤية ثلاثية الألوان أعمالاً فنية رائعة، و هي جزء أساسي من التجربة الإنسانية للأشخاص ذوي الرؤية الصحية.
و مع ذلك ، لا يفهم العلماء تماماً كيف ندرك اللون، و الذي يعنيه أن نرى اللون.
هل اللون الأزرق الذي يراه الشخص هو نفس اللون الأزرق الذي يراه شخص آخر؟
كيف يثري إدراك اللون حياتنا العاطفية؟
هل اللون خاصية للعالم من حولنا أم خلق من أدمغتنا؟
هذه أسئلة طرحت قديماً و لاتزال تأخذ حيزاً مهماً في الفلسفة و علم الأعصاب ، و التي لا تزال تثير إعجاب الباحثين حول العالم.
ففي مقالنا ومن خلال دراسة نشرتها مجلة PNAS مؤخراً، هناك تقارير عن تحقيق جديد مثير، في رؤية الألوان ، تطرح السؤال التالي: ما مقدار (أو عدد) الألوان التي نراها حقاً؟
تكشف الدراسة ، التي جاءت نتيجة تعاون بين كلية دارتموث Dartmouth College في نيو هامبشاير New Hampshire و كلية أمهيرست Amherst College في ماساتشوستس Massachusetts ، أننا نرى ألواناً أقل بكثير مما نعتقد.
يقول الباحثون: إن الوعي البشري بالألوان في الأطراف periphery، محدود بشكل مدهش ، حيث يقوم الدماغ "بملء" الفراغ بين ما نرى و ما يجب.
حل الجدل الدائر حول هذه المسألة
بينما نمضي في حياتنا اليومية ، نحصل على انطباع عن عالم غني و ملون من حولنا ، و لكن فقد أصبح، ما إذا كان هذا الشعور يمثل تمثيلاً دقيقاً لما نتصوره حقاً ، موضع تساؤل.
إذ تشير الدراسات الحديثة ، على سبيل المثال ، إلى أن الوعي محدود ، خاصة في المحيط. و تحدث الرؤية المحيطية بعيداً عن مركز النظرة ، و التي تغطي تقريباً نفس المنطقة التي يغطيها ذراع الشخص.
و مع ذلك ، لا يزال هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كان هذا، بسبب القيود، سواءً في الإدراك أو في مقدار المشهد الذي يمكننا الانتباه إليه و تذكره لاحقاً.
و للمساعدة في حل هذا النقاش ، استخدمت الدراسة الجديدة الواقع الافتراضي ( virtual reality VR) لتقليد ما يشبه حقاً رؤية اللون في العالم. و قد استخدم الباحثون شاشات الواقع الافتراضي المثبتة على الرأس مع أجهزة تتبع العين لمراقبة حركات عيون المشاركين أثناء تنقلهم في بيئة واقعية بزاوية 360 درجة.
و تضمنت البيئات الافتراضية جولات في المواقع التاريخية ، و أداء رقص في الشارع ، و بروفة سيمفونية.
و بينما كان المشاركون يستكشفون هذه المشاهد ، أزال الباحثون اللون في البيئة خارج المكان الذي كانوا يبحثون فيه مباشرة.
إذ أحببت مشاهدة المحاكاة التي تمت يمكنك متابعة مقطع الفيديو هنا.
"غير واعي" لنقص الألوان
في المجموع ، شارك 160 شخصاً في الجزء الأول من الدراسة ، و الذي تضمن خمس تجارب. ففي التجارب الأربع الأولى ، ظهر العالم المرئي الافتراضي بالألوان الكاملة ، و شجع الباحثون المشاركين على استكشافه لمدة 20 ثانية.
أما في التجربة الخامسة ، ظل المجال البصري المركزي بالألوان الكاملة ، و لكن اختفى اللون المحيطي تدريجياً على مدار 5 ثوانٍ حتى أصبحت الأطراف في درجات الرمادي.
و هنا فوجئ الباحثون باكتشاف أن المشاركين كانوا غير مدركين غالباً، عندما يفتقر معظم العالم البصري إلى اللون (أي تزول أو تخفت الألوان لدرجة كبيرة).
و عندما كانت أكبر منطقة ملونة موجودة ، فشلت الغالبية العظمى من الناس في ملاحظة نقص اللون في بقية البيئة المحيطة.
أما في الحالة القصوى ، و عندما لم يكن هناك سوى 10 درجات من اللون (ما يعادل دائرة يبلغ نصف قطرها 10 سم على طول الذراع و أقل من 5٪ من المجال البصري بأكمله) فقد فشل ما يقرب من ثلث الأشخاص في ملاحظة ذلك.
تقول الكاتبة البروفيسور كارولين روبرتسون Caroline Robertson: "لقد أدهشنا -بالفعل- كيف كان المشاركون غافلون (غير واعين) تماماً، عندما تمت إزالة اللون من ما يصل إلى 95٪ من عالمهم البصري".
الدماغ "يملأ" ما تبقى لاستكمال القصة اللونية في المشهد
يؤكد علماء الأعصاب أن تصورنا للواقع يعتمد إلى حد كبير على ما "يتوقع" الدماغ منا رؤيته
في دراسة ثانية ، طلب الفريق من عدد أقل من المشاركين (20 شخصاً) البحث عن فقدان اللون في المحيط و الضغط على زر معين، بمجرد ملاحظة حدوث عدم التشبع أو الصفاء اللوني.
و قد أظهرت النتائج أن المشاركين بشكل عام لم يلاحظوا فقدان اللون خارج منطقة دائرية تبلغ 37.5 درجة حول نقطة نظرهم (مما يعني أن ثلثي العالم المرئي كان باللونين الأسود و الأبيض) ، حتى عندما علموا، أن يبحثوا عنه.
و نظراً لعدم وجود حد تشريحي معروف في هذا النطاق ، تشير النتائج إلى أنه حتى عندما يبحث الأشخاص بنشاط عن تغيرات اللون في المحيط ، فإنهم يميلون إلى تفويتها.
يوضح هذا البحث أنه يمكن للأشخاص تحسين حساسيتهم للون في محيط رؤيتهم من خلال الانتباه.
مع ذلك ، و بشكلٍ عام ، تشير النتائج إلى أن وعي معظم الناس بالألوان يقتصر على منطقة صغيرة نسبياً في مركز مجالهم البصري. إذ يقول المؤلفون ، إن الدماغ يملأ ما تبقى ، بناءً على تنبؤات الألوان التي من المرجح أن تكون موجودة.
و يضيف هذا وزناً مهماً إلى الفكرة التي يطرحها علماء الأعصاب ، و ربما بشكل خاص أنيل سيث Anil Seth، و هي أن تصورنا للواقع يعتمد إلى حد كبير على ما "يتوقع" الدماغ منا رؤيته. و لذلك ، قد تكون شبكة منسوجة بذكاء من التنبؤات مستنيرة بما نعرف أنه صحيح من تجاربنا السابقة.
عزيزي القارئ
لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.
كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.
ننصحك بقراءة المقالات التالية :
الغناء و الكلام ....والفضل لهذه المنطقة في الدماغ