السنجلرتي : كيف يمكن للحكومات أن توقف صعود الذكاء الاصطناعي الفائق المعادي و الذي لا يمكن إيقافه؟

الذكاء الاصطناعي
السنجلرتي : كيف يمكن للحكومات أن توقف صعود الذكاء الاصطناعي الفائق المعادي و الذي لا يمكن إيقافه؟

شكل اختراع الذكاء الاصطناعي الفائق artificial super-intelligence منذ القرن التاسع عشر على الأقل موضوعاً محورياً و مادة دسمة للخيال العلمي .

حيث يميل الكتاب ابتداء من قصة الروائي الإنجليزي إدوارد مورغان فورستر E.M. Forster القصيرة و التي كانت قد نشرت في عام  1909 " الآلة تتوقف The Machine Stops  "

إلى المسلسل التلفزيوني الأخير" العالم الغربي Westworld " و الذي يعرض على المحطة التلفزيونية الأمريكية HBO ، إلى تصوير هذا الاحتمال على أنه كارثة لا هوادة فيها.

غير أن هذه المسألة لم تعد قضية خيالية. فكل من العلماء والمهندسين المعاصرين البارزين يشعرون بالقلق الآن من أن الذكاء الاصطناعي الفائق قد يتجاوز الذكاء البشري يوماً ما (و هو حدث يُعرف باسم  السنجلرتي singularity") ويصبح "أسوأ خطأ" ارتكبته البشرية.

تشير الاتجاهات الحالية إلى أننا على استعداد للدخول في سباق تسلح دولي للحصول على مثل هذه التكنولوجيا.

و أياً كانت شركة التكنولوجيا الفائقة أو المختبر الحكومي التي ستنجح في اختراع أول ذكاء اصطناعي فائق ، فإنها ستحصل على تكنولوجيا محتملة تهيمن على العالم.

و هكذا فإن الذكاء الاصطناعي في النهاية سيكون بمثابة جائزة الفائز الذي يحصل على  كل شيء.

لذا و بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في إيقاف مثل هذا الحدث ، فإن المسألة تتمحور حول الكيفية التي سيتم من خلالها تثبيط هذا النوع من سباق التسلح ، أو على الأقل تحفيز الفرق المتنافسة لعدم سلوك السبل الملتوية  مع أمن و سلامة الذكاء الاصطناعي.

تحديات الذكاء الاصطناعي الفائق

أشار الفيلسوف نيك بوستروم Nick Bostrom و آخرون فإن الذكاء الاصطناعي الفائق يثير تحديين أساسيين لمخترعيه .

  • تتمثل إحداهما في مشكلة التحكم 
    و هي كيفية التأكد من أن الذكاء الاصطناعي الفائق يمتلك أهداف الإنسانية ذاتها .
    فبدون هذا ، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدمر البشرية عن قصد أو عن طريق الخطأ أو عن طريق الإهمال - "كارثة الذكاء الاصطناعي AI disaster".

  • أما التحدي الثاني فهو مشكلة سياسية 
    وهي كيفية التأكد من أن فوائد الذكاء الفائق لن تذهب فقط إلى نخبة صغيرة ، مما يتسبب في حدوث تفاوتات اجتماعية وثروة هائلة.
    فإذا حدث سباق تسلح باتجاه الذكاء الاصطناعي الفائق ، فقد يؤدي ذلك إلى تجاهل المجموعات المتنافسة لهذه المشاكل من أجل تطوير تقنيتها بشكل أسرع.
    و قد يؤدي هذا إلى وجود ذكاء اصطناعي سيء الجودة أو غير ودي (معادي).

و يتمحور أحد الحلول المقترحة في استخدام السياسة العامة لزيادة صعوبة دخول السباق من أجل تقليل عدد المجموعات المتنافسة وتحسين قدرات أولئك الذين يدخلون هذا السباق .
فكلما قل عدد المتنافسين ، كلما قل الضغط باتجاه اتباع أساليب ملتوية من أجل تحقيق الفوز. ولكن : كيف يمكن للحكومات أن تقلل من المنافسة بهذه الطريقة؟

لقد قمت أنا و زميلي نيكولا ديميتري Nicola Dimitri  مؤخراً بنشر ورقة بحث حاولت الإجابة فيها على هذا السؤال.

و قد أظهرنا أنه في حالة الفائز النموذجي الذي يدخل في كل السباق ، مثل سباق بناء أول ذكاء اصطناعي خارق أو فائق ، فإن الفرق الأكثر تنافسية فقط هي التي ستشارك فيه .

وذلك لأن احتمال اختراع الذكاء الاصطناعي الفائق في الواقع صغير جداً ، و دخول السباق مكلف للغاية بسبب الاستثمار الضخم في البحث والتطوير المطلوب.

بالتأكيد سيستفيد كوكبنا و سكانه بشكل كبير من الحصول على الأفضل من الذكاء الاصطناعي الفائق ، و هي تقنية لا تزال في مهدها.

احتكار الذكاء الاصطناعي الفائق

في الواقع ، يبدو أن هذا هو الوضع الحالي مع تطوير الذكاء الاصطناعي "الضيق" الأبسط. حيث تهيمن بضع شركات على براءات الاختراع لهذا النوع من تطبيقات  الذكاء الاصطناعي ، و يتم الجزء الأكبر من أبحاث الذكاء الاصطناعي في ثلاث مناطق فقط (الولايات المتحدة والصين وأوروبا).

و يبدو أيضاً أن هناك مجموعات قليلة جداً ، إن وجدت ، تستثمر حالياً في بناء ذكاء اصطناعي فائق.

وهذا  يشير إلى أن تقليل عدد المجموعات المتنافسة لا يستحوذ على  أولوية قصوى في الوقت الحالي.

ولكن حتى بوجود عدد أقل من المنافسين في السباق ، فإن حدة المنافسة يمكن أن تؤدي إلى المشاكل المذكورة أعلاه.

لذا ،و للحد من شدة المنافسة بين المجموعات التي تسعى جاهدة لبناء ذكاء اصطناعي فائق ورفع قدراتها ، يمكن للحكومات أن تلجأ إلى المشتريات العامة (التأمين العام public procurement) والضرائب.

و تشير المشتريات العامة public procurement إلى جميع الأشياء التي تدفع الحكومات  للشركات الخاصة لتوفيرها ، بدءاً من البرامج التي تستخدم في الوكالات الحكومية وصولاً إلى عقود تشغيل الخدمات.

كما يمكن للحكومات أن تفرض قيوداً على أي مورد في عملية بناء الذكاء الاصطناعي الفائق و الذي  يتطلب منه معالجة المشكلات المحتملة ، ودعم التقنيات التكميلية لتعزيز الذكاء البشري ودمجه مع الذكاء الاصطناعي.

و لكن يمكن للحكومات أيضاً أن تعرض شراء نسخة أقل جودة  من الذكاء الاصطناعي الفائق ، مما يخلق فعلياً "جائزة ثانية" في سباق التسلح و منعها من أن تكون منافسة الفائز الذي يحصل على كل شيء . إذ أنه و بوجود جائزة وسيطة ، والتي يمكن أن تكون لاختراع شيء قريب من الذكاء الاصطناعي الفائق (ولكن ليس بالضبط) ، سيكون لدى المجموعات المتنافسة حافز للاستثمار والتعاون أكثر ، الأمر الذي سيؤدي إلى التقليل من حدة المنافسة.

كما ستقلل الجائزة الثانية من مخاطر الفشل وتبرير المزيد من الاستثمار ، مما سيساعد على زيادة قدرات الفرق المتنافسة.

أما بالنسبة للضرائب ، فيمكن للحكومات تحديد معدل الضريبة على المجموعة التي تخترع الذكاء الاصطناعي الفائق وفقاً لمدى ودية الذكاء الاصطناعي أوعدم وديته . كما أن معدل الضريبة المرتفع سيعني بشكل كاف تأميم الذكاء الاصطناعي الفائق.

وهذا من شأنه أن يثبط بشدة الشركات الخاصة عن اتباع الأساليب الملتوية خوفاً من فقدان منتجها لصالح الدولة.

الصالح العام و ليس الاحتكار الخاص :

قد تتطلب هذه الفكرة تنسيقاً عالمياً أفضل فيما يتعلق بالضرائب وتنظيم الذكاء الاصطناعي الفائق.

و لكنها (الفكرة) لن تحتاج إلى مشاركة جميع الحكومات. فمن الناحية النظرية ، يمكن لدولة واحدة أو منطقة واحدة (مثل الاتحاد الأوروبي) تحمل التكاليف و الجهد المبذول في معالجة مشاكل وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي الفائق.

و لكن جميع البلدان ستستفيد وسيصبح الذكاء الاصطناعي الفائق منفعة عامة بدلاً من احتكار خاص لا يمكن وقفه.

و بالطبع كل هذا سيعتمد على كون الذكاء الاصطناعي الفائق يمثل بالفعل تهديداً للبشرية.

ولا يعتقد بعض العلماء أنه سيكون كذلك. لأننا قد نتخلص و بشكل طبيعي من مخاطر الذكاء الاصطناعي الفائق بمرور الوقت.

كما أن البعض  يعتقد أن البشر قد يندمجون حتى مع الذكاء الاصطناعي.

ومهما كانت الحالة ، سيستفيد كوكبنا و سكانه بشكل كبير من التأكد من حصولنا على الأفضل من الذكاء الاصطناعي ، و هي تقنية لا تزال في مهدها.

و لهذا ، فنحن بحاجة إلى فهم أفضل للدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة في هذا الشأن .

عزيزي القارئ

لأننا نهتم، نتمنى أن تكتب لنا في التعليقات عن المواضيع التي ترغب و تهتم بها لنتمكن من تقديمها لك، لرغبتنا في أن يعبِّر موقعنا عن اهتمامات القارىء العربي.

 كما ونرجوا منك مشاركة المقال في حال أعجبك المحتوى.    


ننصحك بقراءة المقالات التالية :

السنجلرتي : هل سيتولى الذكاء الاصطناعي المهمة؟

السنجلرتي (التفرد Singularity) : اشرحها لي كما لو كان عمري 5 سنوات

فهم الذكاء الاصطناعي AI : الأنواع الثلاثة للذكاء الاصطناعي


المصادر


الوسوم



المؤلف

باحثة في أخبار التكنلوجيا و علوم الذكاء الاصطناعي


التعليقات

    • الأن
إشترك الآن

احصل على أحدث المواضيع و تواصل و اترك تأثير.

تسجيل الدخول مع فيسبوك تسجيل الدخول مع جوجل