لقد وجد بحث على الفئران و البشر أن تناول أكثر من الكمية الموصى بها من الملح يعطل الوظيفة المضادة للبكتيريا لنوع من الخلايا المناعية.
و وفقاً لجمعية القلب الأمريكية (AHA American Heart Association) ، يستهلك 9 من كل 10 أشخاص في الولايات المتحدة الكثير من الملح (كلوريد الصوديوم).
و توصي المبادئ التوجيهية الغذائية للأمريكيين ، التي تنشرها وزارة الصحة و الخدمات الإنسانية ، بأن لا يستهلك الأشخاص أكثر من 2.3 جرام من الصوديوم يومياً. و هذه الكمية تعادل تقريباً 5.8 جرام من الملح ، و التي يمكن أن تماثل ملعقة شاي صغيرة.
و سبب التوصية هذه هو وجود دليل جيد على أن الملح الغذائي الزائد يرفع ضغط الدم ، و هو عامل خطر لأمراض القلب و السكتة الدماغية.
و مع ذلك ، فإن الدراسة الجديدة و التي ظهرت في مجلة Science Translational Medicine تشير لأول مرة إلى أن مثل هذا النظام الغذائي يمكن أن يجعل من الصعب على الجهاز المناعي immune system تدمير البكتيريا في بعض الأعضاء البشرية.
الالتهابات البكتيرية الشائعة
فوجئ الباحثون في مستشفى جامعة بون University Hospital of Bonn بألمانيا عندما اكتشفوا أن اتباع نظام غذائي عالي الملح في الفئران أدى إلى تفاقم العدوى البكتيرية الشائعة في الكلى - الإشريكية القولونية Escherichia coli (الإشريكية القولونية ، و المعروفة أيضاً باسم E. coli، هي بكتريا لاهوائية اختيارية سلبية الغرام ، على شكل قضيب ، من جنس الإشريكية التي توجد بشكل شائع في الأمعاء السفلية للكائنات ذات الدم الحار).
و لاختبار ما إذا كانت النتيجة الضارة لنظام غذائي عالي الملح كان تأثيراً محلياً محضاً على الكلى ، قام الباحثون بأصابة الفئران بـ الليستيريا Listeria ، و وجدوا أن هذه العدوى الجهازية على مستوى الجسم كانت أسوأ أيضاً على نظام غذائي عالي الملح.
و قد كانت هذه النتائج غير متوقعة لأن الأبحاث السابقة وجدت أن الملح الغذائي الزائد يعزز الشفاء في الحيوانات المصابة بالطفيليات الجلدية.
و للعلم فإن الجلد يعمل كمستودع للملح الزائد ، و من المعروف أن الخلايا المناعية في الجلد -و التي تسمى البلاعم macrophages - تصبح أكثر نشاطاً في هذه الظروف المالحة.
و على النقيض من ذلك ، يبدو أن نوعاً مختلفاً من خلايا الاستجابة المناعية ، العدلات Neutrophils (النيوتروفيل هي نوع من خلايا الدم البيضاء (أو البالعات) تحمينا من العدوى ، من بين وظائف أخرى.
و تشكل ما يقرب من 40 إلى 60 في المائة من خلايا الدم البيضاء في أجسامنا ، و هي أولى الخلايا التي تصل إلى مكان الحادث عندما نواجه عدوى بكتيرية.) ، التي تعتبر أساسية لمحاربة عدوى الكلى البكتيرية ، و التي تصبح أقل فعالية في مواجهة نظام غذائي عالي الملح. و قد كان الباحثون مفتونين لمعرفة السبب وراء ذلك.
أما في بقية الجسم ، فتساعد الكلى في الحفاظ على تركيز الملح عند المستويات المثلى لعملية الاستقلاب عن طريق إفراز الصوديوم الزائد.
و تشير الدراسة الجديدة إلى أنه في عملية الكلى التي تنظم مستويات عالية من الصوديوم في الدم ، فإنها تُضعِف من جهاز المناعة ، مما يضعف قدرتها على مكافحة الالتهابات البكتيرية.
نظام غذائي عالي الملح
لقد قام الباحثون بتغذية مجموعة واحدة من الفئران بنظام غذائي عالي الملح و أعطوا نظاماً غذائياً طبيعياً لمجموعة من الفئران "الضابطة" للمقارنة.
و عند الإصابة بالليستيريا ، احتوى الكبد و الطحال على النظام الغذائي العالي الملح على بكتيريا أكثر من 10-100 مرة من بكتيريا الضابط.
و بالمثل ، زاد الملح الغذائي الزائد من التهابات الكلى مع بكتيريا E. coli أسوأ.
و تتبع الباحثون ضعف القدرة على محاربة الالتهابات البكتيرية للخلايا المناعية التي تسمى العدلات ، والتي تبتلع البكتيريا. و في نفس الوقت، يعتقد الباحثون أن استجابة الكلى للملح الغذائي العالي قد تؤثر بشكل غير مباشر على العدلات.
و تستخدم الكلى آلية جزيئية للكشف عن الصوديوم الزائد في مجرى الدم و إفرازه في البول. و لكن في هذه العملية ، ترفع هذه الآلية مستويات هرمونات الستيرويد تسمى الجلوكوكورتيكويدات glucocorticoids (أي من مجموعة الكورتيكوستيرويدات (مثل الهيدروكورتيزون) التي تشارك في عملية استقلاب الكربوهيدرات و البروتينات و الدهون و لها نشاط مضاد للالتهابات.)، بالإضافة إلى منتج النفايات يسمى اليوريا.
إذ يمنع كل من الجلوكوكورتيكويدات و اليوريا قدرة العدلات على قتل البكتيريا.
الوجبات السريعة
لتأكيد هذه النتائج عند البشر ، قام الباحثون باختبار نتائجهم على المتطوعين من خلال نظام غذائي عالي الملح.
و يشرح أحد العلماء ، البروفيسور كريستيان كورتس Christian Kurts من معهد المناعة التجريبية Institute of Experimental Immunology بجامعة بون:
“قمنا بفحص المتطوعين الذين تناولوا ستة (6) غرامات من الملح بالإضافة إلى تناولهم اليومي. و هذا هو المقدار تقريباً يكون متوفراً في وجبتين من الوجبات السريعة."
و بعد أسبوع من اتباع نظام غذائي عالي الملح ، كان لدى المتطوعين مستويات أعلى من الجلوكوكورتيكويدات في أجسامهم.
الجلوكوكورتيكويد معروفة بخصائصها المثبطة للمناعة. و يستخدم الأطباء إكلينيكياً، أحد أكثرها شيوعاً -و هو الكورتيزون- لتقليل الالتهاب.
و بالإضافة إلى ذلك ، اكتشف الباحثون أن العدلات التي استخلصوها من دم المتطوعين المستخدمين لنظام غذائي عالي الملح كانت أقل فعالية في قتل البكتيريا في طبق المختبر.
و يتكهن العلماء في ورقتهم بأن الحد من تناول الملح الغذائي قد يساعد في مكافحة الالتهابات البكتيرية في الكلى ، على عكس تأثيره على التهابات الجلد و الأمعاء.
و للتأكيد فإن النتائج التي توصل إليها الباحثون تعتبر أولية ، و لكن سنحتاج إلى دراسات سريرية أكبر لتأكيد هذه النتائج.