أظهرت التجارب الحديثة في نماذج الفئران أن حقن فيروس الأنفلونزا المعطل في الأورام السرطانية cancer tumors يجعلها تنكمش ويعزز فعالية العلاج المناعي immunotherapy .
و لكن : هل الأنفلونزا هي الخطوة التالية في مكافحة السرطان؟
و للإجابة على هذا السؤال هناك العديد من العوامل التي تؤثر على ما إذا كانت هذه الأورام ستستجيب للعلاج أم لا عندما يتعلق الأمر بأورام السرطان .
أحد هذه العوامل : هو ما إذا كانت الأورام "ساخنة hot" أو "باردة cold". ماذا يعني هذا؟
و للعلم فقد اكتسب في السنوات الأخيرة نوع جديد من العلاج المضاد للسرطان شعبية يدعى : العلاج المناعي immunotherapy . و يعمل هذا النوع من العلاج عن طريق تعزيز استجابة الجسم المناعية لأورام السرطان.
ومع ذلك ، ولكي يمتلك العلاج فرصة أكبر للعمل ، يجب أن تكون الأورام أوراماً "ساخنة" "hot" tumors - أي أنها يجب أن تحتوي على خلايا مناعية immune cells .
أما إذا لم يحتوي الورم على خلايا مناعية (كافية) ، أو يحتوي على خلايا مثبطة للمناعة ، فإنه يسمى الورم "البارد" "cold" tumor .
ومن أحد الأسئلة التي حاول الباحثون جاهدين الإجابة عليه هو : كيف يمكننا تحويل الأورام الباردة إلى أورام حارة تستجيب للعلاج المناعي؟
و من المحتمل أن يكون فريق من الباحثين من المركز الطبي بجامعة راش Rush University Medical Center في شيكاغو Chicago ، إلينوي IL ، قد وجد الآن طريقة فعالة للقيام بذلك ، و ذلك فقط عن طريق استخدام فيروسات الإنفلونزا المعطلة - بشكل خاص ، لقاحات الأنفلونزا flu vaccines - في تجارب نماذج الفئران.
و يشرح الباحثون عمليتهم ، وكذلك النتائج التي توصلوا إليها ، في ورقة دراسة تظهر الآن في مجلة PNAS.
مقاربة جديدة تؤدي إلى تقلص الأورام لدى الفئران :
لقد توصل الباحثون إلى فكرة دراستهم الجديدة من خلال النظر في البيانات من المعهد الوطني للسرطان National Cancer Institute .
حيث أشارت البيانات إلى أن المصابين بسرطان الرئة الذين كانوا في المستشفى مصابين بالتهابات الرئة المرتبطة بالإنفلونزا يميلون إلى العيش لفترة أطول من المصابين بسرطان الرئة الذين لم يصابوا بفيروس الأنفلونزا.
وعندما أعادوا صياغة هذا السيناريو في نماذج الفئران ، أكد الباحثون أن المصابين بأورام السرطان والالتهابات المرتبطة بالإنفلونزا يميلون إلى العيش لفترة أطول.
و قد أفاد كبير الباحثين الدكتور أندرو زلوزا Andrew Zloza أنه وللمضي قدماً فإن الفريق يريد "أن يفهم كيف أن استجاباتنا المناعية القوية ضد مسببات الأمراض مثل الأنفلونزا ومكوناتها يمكن أن تحسن من استجاباتنا المناعية الأضعف بكثير ضد بعض الأورام" .
ويضيف: "ومع ذلك ، فهناك العديد من العوامل التي لا نفهمها حول الإصابات الحية ، وهذا التأثير لا يتكرر في الأورام التي لا تحدث فيها عدوى الأنفلونزا بشكل طبيعي ، مثل الجلد".
لذلك ، قام الباحثون بحقن فيروس الأنفلونزا المعطل في أورام سرطان الجلد في نماذج الفئران.
و قد وجدوا أن هذا "اللقاح" يحول الأورام من البرودة إلى الساخنة عن طريق زيادة تركيز الخلايا الجذعية dendritic cells في الأورام .
و يمكن أن تحفز هذه الخلايا الاستجابة المناعية ، وقد أدت بالفعل إلى زيادة خلايا CD8 + T. حيث يمكن لهذه الخلايا أن تتعرف على الخلايا السرطانية وتدمرها .
و نتيجة لذلك ، فقد نمت أورام سرطان الجلد لدى الفئران إما بمعدل أبطأ أو بدأت في التقلص.
كذلك ، فقد رأى الباحثون أن حقن لقاح الأنفلونزا بورم سرطان الجلد على أحد جانبي جسم الفأر لم يؤدِ ذلك إلى تقليل نمو الورم المحقن فحسب ، بل أدى أيضاً إلى تباطؤ نمو ورم آخر ، على جانب مختلف من الجسم ، لم يتم حقنه .
كما رأى الباحثون نتائج مماثلة عند تسليم لقاح الأنفلونزا إلى أورام سرطان الثدي النقيلي السلبي الثلاثي metastatic triple-negative breast cancer في نماذج الفأر.
ويقول الدكتور زلوزا Zloza : " إننا نأمل بناءً على هذه النتيجة ، أن يؤدي حقن الأورام لدى أحد البشر بلقاح الأنفلونزا إلى استجابات مناعية في أورامهم الأخرى أيضاً ".
حقن الأنفلونزا قد تعزز العلاج المناعي :
يضيف الدكتور زلوزا قائلاً: "إن نجاحاتنا في لقاح الأنفلونزا الذي أنشأناه جعلنا نتساءل عما إذا كان يمكن إعادة استخدام لقاحات الأنفلونزا الموسمية التي سبق اعتمادها [من قبل إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration ] كعلاج للسرطان".
و يتابع الدكتور أندرو زلوزا Andrew Zloza و أنه : "بما أن هذه الحقن قد تم استخدامها في ملايين الأشخاص وقد ثبت أنها آمنة بالفعل ، فقد اعتقدنا أن استخدام حقن الأنفلونزا لعلاج السرطان يمكن نقلها للمرضى بسرعة".
لذلك فقد عمل الباحثون مع نماذج فئران تم تصميمها (و هندستها جينياً ) خصيصاً لهذا الغرض ، حيث تمكنوا من زرع كل من الأورام tumors والخلايا المناعية immune cells من البشر المصابين بسرطان الرئة lung cancer وسرطان الجلد المنتشر metastatic melanoma فيها .
ووجد الدكتور زلوزا Zloza وزملاؤه أن حقن هذه الأورام المستخلصة من الإنسان باستخدام لقاح إنفلونزا منتظم و معتمد من إدارة الأغذية والعقاقير FDA أدى إلى تقلصها .
و يشرح الدكتور زلوزا : " إن مثل هذا [الزرع] يسمح لنا باستخدام عقاقير المريض في نظام حي. وهذا أقرب ما يمكن أن نحصل عليه قبل إجراء تجربة سريرية".
كما أراد الباحثون معرفة ما إذا كان بإمكانهم استخدام حقن الإنفلونزا كعلاج مساعد - أي ، كوسيلة مساعدة للعلاجات المضادة للسرطان الموجودة.
لذلك ، فقد قاموا بإجراء تجارب إضافية ، و ذلك من خلال إعطاء حقن الأنفلونزا إلى جانب شكل من أشكال العلاج المناعي الذي يعتمد على مثبطات نقطة التفتيش المناعية immune checkpoint inhibitors . و تعتبر هذه هي الأدوية التي تحفز الخلايا المناعية لشن هجوم ضد أورام السرطان.
و من خلال القيام بذلك ، توصل الباحثون إلى أمرين . الأول : هو أن لقاحات الأنفلونزا كانت قادرة على الحد من نمو الورم من تلقاء نفسها ، و ذلك بغض النظر عما إذا كان الورم المستهدف قد استجاب للعلاج بمثبط نقاط التفتيش أم لا.
والثاني : هو أن مزيج لقاح الأنفلونزا أدى إلى انخفاض أكثر وضوحاً في نمو الورم ، عندما استجاب الورم بالفعل للعلاج المناعي .
ويقول الدكتور زلوزا Zloza : " إن هذه النتائج في النهاية تقترح أن كل من [الأشخاص] الذين يستجيبون والذين لا يستجيبون للعلاجات المناعية الأخرى قد يستفيدون من حقن لقاحات الأنفلونزا في الورم ، وقد يؤدي إلى زيادة نسبة المرضى الذين أصبحوا الآن مستجيبين على المدى الطويل للعلاجات المناعية ".
و في النهاية ، يخلص الدكتور زلوزا إلى أنه : "بما أن البشر والفئران متطابقان بنسبة حوالي 95% من الناحية الوراثية ، فإن الأمل يكمن في أن تنجح هذه الطريقة في المرضى .
وستكون الخطوة التالية المخطط لها بإجراء تجارب سريرية لاختبار عوامل مختلفة".