نشاط الدماغ "المفرط" مرتبط بحياة أقصر وفقاً للدراسة الجديدة التي نشرتها واشنطن بوست في يوم 18-10-2019 فإن المفتاح السري لأحد أسرار العمر الطويل هو "دماغ أكثر هدوءً" من دون نشاط عصبي كبير.
فقد قامت الدراسة على فحص أنسجة المخ -بعد الوفاة- لأشخاص طويلي العمر بحثاً عن أدلة حول ما الذي جعلهم مختلفين عن الأشخاص الذين ماتوا في الستينيات والسبعينيات من العمر.
إن المزيد ليس دائماً أفضل
إن الفكرة الرائجة "إما أن تستخدمه أو انك ستخسره" "Use it or lose it" قد سيطرت على التفكير في كيفية حماية الدماغ من التقدم في السن ، وتظهر الأبحاث المستفيضة أن هناك العديد من الفوائد لبقائنا نشطين جسدياً وعقلياً مع التقدم في العمر.
ولكن الدراسة ، التي نشرت في مجلة نيتشر Nature ، تشير إلى أن المزيد ليس دائماً أفضل. فالنشاط المفرط - على الأقل على مستوى خلايا الدماغ - قد يكون ضاراً للغاية.
وفي تعقيبه على هذه الورقة البحثية يقول عالم الأعصاب مايكل مكونيل Michael McConnell من معهد ليبر لتنمية الدماغ Lieber Institute for Brain Development (و الذي لم يشارك في الدراسة): "إن الشيء المفزع والمثير للحيرة في هذه الورقة الجديدة هو ... أن نشاط الدماغ brain activity هو ما تظنه، أنه يحافظ على طبيعتك الإدراكية. فهناك فكرة تتردد بين الجميع، أنك تريد أن تبقي عقلك نشطاً حتى آخر حيلاتك".
و يضيف مكونيل "إن الشيء الذي لا يمكن أن يكون متوقعاً إطلاقاً هو ... الحد من النشاط العصبي و الذي يعتبر شيئاً جيداً لشيخوخة صحية. إنه بديهي للغاية."
و بالعودة للدراسة..
فقد قام الباحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School بتحليل أنسجة المخ التي تم التبرع بها لبنوك الدماغ البشرية من قبل أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين الستين والسبعينيات من العمر إلى الذين يبلغون من العمر 100 عاماً أو أكبر.
وقد ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين توفوا قبل منتصف الثمانينيات من العمر لديهم مستويات أقل في أدمغتهم من بروتين يسمى REST و الذي يعمل على محاصرة الجينات المشاركة في تحريض نشاط الدماغ ، مقارنة بأشخاص أكبر عمراً. و للتأكيد فقد ثبت بالفعل أن بروتين REST له دور وقائي ضد مرض ألزهايمر Alzheimer's disease.
و لكن لم يكونوا متأكدين -الباحثين- مما إذا كان REST يحمي الناس بطريقةٍ ما، من الموت أم أنه مجرد علامة على مزيد من الشيخوخة.
التجارب تمت على الديدان و الفئران
نظراً لأنه ليس من الممكن حالياً قياس REST في أدمغة البشر ، فقد بدأ العلماء في إجراء تجارب على الديدان المستديرة والفئران لاختبار ما إذا كانت تلعب دوراً في طول العمر.
فعندما زاد الباحثون نشاط نسخة REST لدودة، انخفض نشاط الدماغ للديدان وعاشوا لفترة أطول. و في المقابل حدث العكس، فعندما قام العلماء بتعطيل الجين الذي يشبه REST في ديدان "Methuselah" التي لها فترة حياة طويلة جداً ؛ زاد النشاط العصبي للديدان - وتم تقصير حياتهم بشكلٍ كبيرٍ.
وكذلك الفئران التي تفتقر إلى REST أكثر عرضة للإصابة بأدمغة أكثر نشاطاً ، بما في ذلك اندفاعات نشاط تشبه النوبات.
وقالت سينثيا كينيون Cynthia Kenyon نائبة رئيس أبحاث الشيخوخة في مختبرات كاليكو Calico (و التي أشادت بتصميم الدراسة): "أعتقد أن هذا هو فرط نشاط، وإثارة خارجة عن السيطرة - إنه ليس جيداً للدماغ. فأنت تريد أن تكون الخلايا العصبية نشطة، متى وأين تريدها أن تكون نشطة ، وليس فقط تحريضها و إثارتها عموماً".
الاتجاه الآخر للقضية
من زاوية أخرى قالت كينيون، إنها تعتقد أن الجهاز العصبي هو مجرد واحد من العديد من الأنسجة التي لها تأثير على مدى الحياة.
و لم يتضح بعد كيف يمكن لهذه الاختلافات في نشاط الدماغ على مستوى الخلايا أن تترجَم إلى اختلافات في الإدراك أو السلوك لدى الناس.
وقال بروس يانكنر Bruce Yankner ، أستاذ علم الوراثة وعلم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد الذي قاد العمل (في الدراسة)، إن مختبره يتابع بالفعل لمعرفة ما إذا كان استهداف REST بالعقاقير يمكن أن يؤدي إلى طرق جديدة لعلاج أمراض التنكس العصبي أو الشيخوخة aging نفسها.
وأضاف يانكنر Yankner أيضاً، إن هذا الخط من البحث قد يكون مهماً أيضًا في محاولة فهم كيف يمكن للتدخلات البديلة مثل التأمل meditation -التي تؤثر على الإيقاعات العصبية- أن تعمل كعلاج لفقدان الذاكرة المبكر early memory loss.
و بالإضافة لما سبق يقول يانكنر: "أعتقد أن ما تنطوي عليه دراستنا هو أنه مع التقدم في العمر ، هناك بعض النشاط العصبي الشاذ أو الضار، و الذي لا يجعل الدماغ أقل كفاءة فحسب ، ولكنه يضر أيضاً بوظائف الأعضاء لدى الشخص أو الحيوان ، ويقلل من العمر الافتراضي نتيجة لذلك".
فالأدمغة -المُتبرَع بها- والتي درسها الباحثون، قد جاءت من أشخاص ماتوا لأسباب مختلفة ، مما يجعل من المستحيل معرفة ما إذا كان الفرق في REST يرتبط باحتمال الوفاة أم لا.
قالت أنجيلا جوتشيس Angela Gutchess ، أستاذة علم النفس بجامعة برانديز Brandeis University ، إنه عندما يتقدم الناس في السن ويتم اختبارهم في ماسحات الدماغ ، فإنه يوجد العديد من التغييرات في النشاط في قشرة الفص الجبهي ، وهي جزء من الدماغ الذي درس فيه باحثو جامعة هارفارد بروتين REST.
وأضافت أنجيلا: إن الدراسات أظهرت -في بعض الحالات- أن البالغين الأكبر سناً يقومون بتنشيط دوائر دماغية أكثر، مقارنةً بالأشخاص الأصغر سناً ، و ذلك لإنجاز العملية العقلية.
و لكن الآثار المترتبة على هذا التغيير غير واضحة:
- فقد تكون أنماط التنشيط هذه إشارة إلى وجود دماغ أقل كفاءة لدى كبار السن ،
- أو ربما محاولات للتعويض.
نماذج مختلفة لشرح تنشيط الدماغ مع التقدم في العمر
و يحاول أحد النماذج ، المسمى "CRUNCH" ، شرح التغييرات في أنماط تنشيط الدماغ مع تقدم العمر. و الذي يؤكد أنه عندما يحاول الأشخاص القيام بمهام صعبة أو أكثر صعوبة ، فإنه يتم تنشيط المزيد من المناطق في أدمغتهم ، حتى يصلوا إلى نقطة الأزمة Crunch حيث نفاد الموارد العقلية. ولدى كبار السن نقطة أزمة سابقة ولا يمكنهم تنشيط أكبر عدد ممكن من المناطق.
و هناك أيضاً نموذج آخر، يسمى "STAC" ، يدعم هذا النموذج فكرة أن كبار السن لديهم تباين طبيعي في بنيتهم الأساسية من الموارد المعرفية الطبيعية ، هذه الاختلافات تؤثر في كيفية، وما إذا كان يمكن للناس إشراك المزيد من المناطق العصبية عندما يواجهون مهام صعبة.
وفي هذا السياق قالت أنجيلا جوتشيس إن الدراسة الجديدة كانت مثيرة للاهتمام، و تعد تذكيراً مهماً بأن فهم شيخوخة الدماغ حقاً سيتطلب ربط النقاط بين الملاحظات والنماذج من المختبرات العلمية التي تركز على مستويات مختلفة جداً ، بدءاً من السلوك البشري human behaviour ، إلى تصوير الدماغ brain imaging ، و حتى وظائف الخلايا.
وتخنم جوتشيس "إننا بحاجة إلى جسر عبر مستويات مختلفة من الخبرة".